اعتبر كتاب ومحللون، أن موائد الإفطار الرمضانية الجماعية التي بدأت تغزو مجالس النخب السياسية في العالمين العربي والإسلامي، مدخلا آخر يمكن أن يدعم جهود الحوار بين مختلف التيارات السياسية في العالم العربي. ووصف بعض السياسيين موائد الإفطار التي أخذت في النمو والتزايد في السنوات الأخيرة، بأنها ثمرة جهود متواصلة لتقوية اللحمة بين مختلف الفئات الاجتماعية والسياسية. ووصف أبو العلا ماضي، وكيل مؤسسي حزب الوسط المصري، هذه الموائد الرمضانية بأنها تحولت إلى في مصر، يمكنه أن يتجاوز قيود الطوارئ وتضييقات الأمن السياسي، على تحركات السياسيين واجتماعهم. وقال "لقد تحولت ظاهرة الإفطار الجماعي إلى ظاهرة سياسية لافتة في مصر، وأصبحت مدخلا للتجمع السياسي بعدما ازداد التضييق على الاجتماعات السياسية في مصر". وذكر أبو العلا ماضي أنه على الرغم من إعراض الحزب الوطني الحاكم على القيام بهذه الموائد الرمضانية، فإنها قد تحولت إلى ظاهرة سياسية لا تحتكرها التيارات الإسلامية على الرغم من أنها من إبداعهم، وقال "هذه الدعوات يقوم بها حتى التحالف الاشتراكي وهو تجمع لأحزاب يسارية شيوعية". وأرجع ماضي ذلك إلى طبيعة المصريين التي "تميل للتدين في الغالب وإلى ضيق مجال الحريات السياسية في مصر"، حسب تعبيره. وعلى خلاف مصر، أوضح عبد الاله بنكيران القيادي في حزب العدالة والتنمية المغربي وعضو البرلمان، أن ظاهرة الإفطار الجماعي في المغرب ظلت عائلية في أغلبها، وقال إنهم حاولوا إقامة موائد إفطار جماعية لكنهم لم يستطيعوا جمع أعداد كبيرة، وأرجع ذلك إلى الجو العائلي الحميمي الذي يطبع أجواء رمضان في المغرب. واستبعد بنكيران أن يكون لندرة موائد الإفطار الرسمية أي علاقة بالصراع السياسي، بين الإسلاميين واليساريين في المغرب، والتي بلغت أوجها في مطلع السنة الدراسية الجديدة حول المواد الدينية المقررة في برامج التعليم الرسمية. ونفى البرلماني المغربي أن تلجأ أحزاب سياسية مغربية إلى استغلال الأجواء الرمضانية للترويج لمشاريع سياسية لأن ذلك متاح في الإعلام أصلا على حد قوله. لكن بنكيران، أبدى تخوفه من أن تتحول موائد الإفطار الرسمية التي تدعو لها شخصيات سياسية كبيرة ورسمية إلى مجرد ، لا أكثر ولا أقل، خصوصا وأنها لا تشتمل في الغالب على دعوة الرؤساء والزعماء مثلا لحضورها على نحو يدفع باتجاه تحقيق انفراج سياسي بين الفرقاء، ويساعد في تنمية المناخ الديمقراطي في هذا البلد العربي أو ذاك. وفي اليمن، أكد عبده سالم عضو الدائرة السياسية للتجمع اليمني للإصلاح، أن ظاهرة الإفطار الرمضاني الجماعي التي تضرب بجذورها في التاريخ اليمني، قد تحولت إلى مناسبة للتواصل السياسي بين الفرقاء السياسيين، الذين عز اللقاء بينهم على أرض الواقع. وأشار عبده سالم في تصريحات خاصة، إلى أن الرئيس علي عبد الله صالح حول الإفطار إلى ، وقال "الحوار السياسي عادة ما ينشأ بمقدمات وشروط مسبقة، ولما كان هذا الأمر متعذرا على أرض الواقع، فإنه يتحول إلى حوار غير مباشر عبر الإفطار، الذي يمثل مدخلا مناسبا للحوار بين الحكومة والمعارضة". وأكد السياسي الإصلاحي اليمني، أن عادة الموائد الرمضانية هي أيضا مناسبة لتنقية الأجواء بين الأحزاب والشخصيات السياسية المعارضة، فيما بينها، وقال إن بعض الأحزاب تتخذ من موائد الإفطار فرصة للشراكة السياسية بين الأحزاب السياسية المعارضة. مناسبة للصلح وعلى خلاف طبيعة رمضان الروحانية، التي تدعو إلى التلاقي والتسامح بين المختلفين والمتخاصمين، فإن ظاهرة الإفطار الجماعي في لبنان قد تحولت لدى البعض إلى مناسبة للفرقة وتعميق الخلاف. فقد أكد معن بشور الأمين العام السابق للمؤتمر القومي العربي، أن ظاهرة الإفطار الجماعي قديمة في لبنان على المستوى العائلي كأي بلد عربي إسلامي، مترابط حريص على لم الشمل، لكن الجديد فيها في لبنان، هو موائد الإفطار ذات الطابع الإجتماعي والتي تحولت مؤخرا إلى موائد إفطار سياسية. وانتقد بشور وهو واحد من أبرز نشطاء التيار القومي العربي، ل "قدس برس"، استغلال بعض الجهات السياسية هذه المناسبات التي من المفترض أن تكون روحانية وتصالحية "لتصفية حسابات سياسية، عبر إطلاق تصريحات لا تقال في أي وقت، فضلا عن أن تقال في شهر رمضان المبارك"، على حد تعبيره. حوار دولي وفي المشرق العربي، أخذت مناسبة الإفطار الجماعي بعدا آخر "للحوار بين الدول"، ففي العاصمة السورية دمشق، كان لافتا للأنظار ما جاء في مائدة إفطار دعا لها الرئيس بشار الأسد والتي دعا فيها إلى إعطاء الدين مكانته التي يستحقها في الدفاع عن الأوطان واستقلالها، وأخرى دعا إليها خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية "حماس" شرح فيها وجهة نظر الحركة، لسبل تجاوز الأزمة الفلسطينية التي تنذر بشتاء ماطر. وفي أوروبا، فإن ظاهرة الإفطار الجماعي موجودة بكثرة بين الأقليات العربية والإسلامية، ويمتزج فيها الاجتماعي بالسياسي بالثقافي. وعادة ما تنعكس الأوضاع السياسية المتردية في العالم العربي على أي موائد إفطار تقام في أوروبا، لا سيما الوضع العراقي الذي لا تخلو مائدة إفطار من الحديث عنه، ليس فقط لحالة التردي التي يعرفها العراق فحسب، بل لأن عدد العراقيين غالبا ما يكون الأكثر بين الأقليات العربية المقيمة في أوروبا. ويعلق كتاب ونشطاء حقوق إنسان في العالم العربي، على شهر رمضان، آمالا كبيرة في أن تكون هذه المناسبات الدينية فرصة للم شمل عائلات المساجين السياسيين، الذين لا زالت عدد من السجون العربية تعج بهم، وأن يحول القادة السياسيين، شهر رمضان إلى مناسبة للمصالحة مع شعوبهم، والكف عن اعتقال وتنكيل خصومهم السياسيين والمعارضين.