هام/ الإتفاق على تركيز رادارات آلية بالنقاط السوداء التابعة لهذه الولاية..    قرى الأطفال "أس و أس": 21 ناجحا في الدورة الرئيسية للبكالوريا..    تحذيرات من موجة حرّ شديدة تسبق مواجهة تشيلسي والترجي في كأس العالم للأندية    مبابي يغيب مجددًا عن ريال مدريد    صدور دليل التوجيه الجامعي لسنة 2025..#خبر_عاجل    الحرس الديواني يحجز بضائع مهربة بقيمة تتجاوز 900 ألف دينار    لقاءات للشراكات التضامنية بين ناشرين مستقلين من العالم العربي والفضاء الفرنكفوني يوم الإثنين بتونس العاصمة    مدنين: من أرض عطشى شابة تقطر زيوت الأعشاب لتروي بشرة الإنسان    أوفيدو يعود إلى "الليغا" بعد 24 عاماً من الغياب    نتنياهو: '' شكرا للرئيس ترامب''    قبل الضربة الأمريكية.. نقل اليورانيوم عالي التخصيب من فوردو    محرز الغنوشي: منشفتك وباراسولك.. والبحر ينادي!    انطلاق دورة المراقبة لامتحان البكالوريا...في هذا التاريخ    عاجل: دليل التوجيه الجامعي 2025 متاح الآن.. وكلمة العبور بداية من هذا التاريخ    بداية من غرة جويلية القادم تطبيق العقوبات الخاصة بنظام الفوترة الالكترونية    توقعات بصمود الصين أمام الصدمات التجارية العالمية    الرقبي 7 – كأس الأمم الإفريقية بموريشيوس 2025: فوز لتونس في الدور الثاني    بلدية مدينة تونس: تواصل اشغال الصيانة بعديد المناطق التابعة لها    القيروان: وفاة أب بعد سماعه خبر نجاح ابنته في الباكالوريا    ارتفاع طفيف في درجات الحرارة الأحد لتتراوح بين 29 و38 درجة    عاجل: ترامب يعلن ضرب 3 منشآت نووية إيرانية ويهدد بالمزيد    المعهد الوطني للتراث:انجاز نشاط ميداني حول مشروع بحث عن موقع تابسيس الاثري    إيران تستخدم صاروخ "خيبر" لأول مرة في ضرب إسرائيل    إيران: لا تلوث إشعاعي بعد القصف الأمريكي على منشآت نووية    ترامب يوجه خطابا للأمة والعالم بعد قصف منشآت إيران النووية    كأس العالم للاندية.. فلومينينسي البرازيلي ينتصر على أولسان الكوري الجنوبي    التلفزيون الإيراني: تم إخلاء المنشآت النووية الثلاث في نطنز وفوردو وأصفهان منذ فترة    بعد إطلاق سراحه من سجن أمريكي.. الناشط محمود خليل يتعهد باستئناف تأييده للفلسطينيين    شارع الفل ببن عروس.. خزنة توزيع الكهرباء خطر محدّق؟    قصور الساف .. «حكايات القهوة» بدار الثقافة البشير بن سلامة .. سحر البُن.. وعبق الإبداع والفن    المهرجان العربي للإذاعة والتلفزيون .. صابر الرباعي في الافتتاح وغزّة حاضرة    وزارة الفلاحة تحذّر    صيحة فزع    رانيا التوكابري تتوّج بجائزة ''النجاح النسائي'' في مجلس الشيوخ الفرنسي    أنس جابر تغادر بطولة برلين في الزوجي والفردي    استخدام المروحة ''عكس المتوقع'': الطريقة الأذكى لتبريد المنزل في الصيف    حملة رقابية مشتركة بشاطئ غار الملح: رفع 37 مخالفة اقتصادية وصحية    الميناء التجاري بجرجيس مكسب مازال في حاجة للتطوير تجاريا و سياحيا    الدورة 56 لمهرجان الساف بالهوارية ستكون دورة اطلاق مشروع ادراج فن البيزرة بالهوارية ضمن القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي لليونسكو (مدير المهرجان)    عاجل/ نفوق أسماك بشواطئ المنستير.. ووزارة الفلاحة تدعو إلى الحذر..    المهدية : تنفيذ عمليات رقابية بالمؤسسات السياحية للنهوض بجودة خدماتها وتأطير مسؤوليها    النادي الافريقي: انتخاب محسن الطرابلسي رئيسا جديدا    مدنين: 56 مريضا ينتفعون من عمليات استئصال الماء الابيض من العيون في اليوم الاول لصحة العيون    الزيت البيولوجي التونسي ينفذ إلى السوق الأمريكية والفرنسية بعلامة محلية من جرجيس    قبلي: اجراء 37 عملية جراحية مجانية لازالة الماء الابيض في اطار اليوم الوطني الاول لصحة العيون    تعمّيم منصة التسجيل عن بعد في 41 مكتبا للتشغيل بكامل تراب الجمهورية    الكاف: لأول مرة.. 20 عملية جراحية لمرضى العيون مجانا    وزير السياحة: التكوين في المهن السياحية يشهد إقبالاً متزايداً    فيديو من ميناء صيادة: نفوق كميات هامة من الأسماك بسبب التلوث    اليوم: أطول نهار وأقصر ليل في السنة    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    الفنان أحمد سعد يتعرض لحادث سير برفقة أولاده وزوجته    اليوم: الإنقلاب الصيفي...ماذا يعني ذلك في تونس؟    الانقلاب الصيفي يحل اليوم السبت 21 جوان 2025 في النصف الشمالي للكرة الأرضية    بعد فوزه على لوس أنجلوس... الترجي الرياضي يدخل تاريخ كأس العالم    الأحد: فتح المتاحف العسكرية الأربعة مجانا للعموم بمناسبة الذكرى 69 لانبعاث الجيش الوطني    السبت 21 جوان تاريخ الانقلاب الصيفي بالنصف الشمالي للكرة الأرضية    ملف الأسبوع...ثَمَرَةٌ مِنْ ثَمَرَاتِ تَدَبُّرِ القُرْآنِ الْكَرِيِمِ...وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نحو أنسنة الليبرالية وتخليصها من عقد الغلو العلماني
نشر في الوسط التونسية يوم 16 - 07 - 2007

مازال العالم العربي والاسلامي يعيش الى اليوم عقدة الصراع بين أنظمة علمانية تعتمد نهج الغلو في اقصاء الدين عن الحياة وبين بعض الحركات الاسلامية التي تريد أن تخضع كل أوجه حياتنا البشرية لمقيدات عالم الفتوى دون مراعاة لعامل الزمان والمكان أو لعامل ملائمة الاجتهاد مع خصوصيات الواقع السياسي والاجتماعي.
هذا الواقع المرير الذي تعاني منه مجتمعاتنا العربية والاسلامية اليوم في ظل ماتفرضه علينا تحديات العولمة من اكراهات اقتصادية وثقافية وسياسية,دفعني في موضوع سابق الى استحسان مواضع هامة من التصور الليبرالي شريطة احترام عقائد الشعوب وهوياتها الدينية والحضارية ومقتضيات خصوصيتها الثقافية .
ولعلنا بالنظر الى الجذور التاريخية التي أحاطت بتطور الفلسفة اللبرالية نلحظ تطور هذه النظرية في بعدها السياسي الذي نظر له "جون لوك" من دعوة للتحرر من قيود التسلط السياسي والاجتماعي واعطاء دور أكبر للفرد والعقل الى نوع من التمرد على القيم الأوروبية القروسطية على اعتبار ماكانت تمارسه الكنيسة من وصاية سياسية وفكرية وابتزاز اقتصادي ونفوذ اجتماعي ومصادرة للحريات الفردية والجماعية .
جاءت بعد الفيلسوف "جون لوك" تنظيرات "ادم سميث" لتضبط معالم النظرة اللبرالية للممارسة الاقتصادية, وكتابات "جان جاك روسو" و"جون ستيوارت مل" لتقدم اسهامات واضحة في بيان معالم هذه النظرية الفكرية والسياسية والاجتماعية,ولعل المقام لن يفسح لنا في هذا المقال بتفحص جميع مفاصل ومعالم النظرية غير أن مايلفت انتباهنا في الفلسفة اللبرالية ببعديها السياسي والاجتماعي هو دعوتها الى محورين هامين جاءا واضحين في موسوعة الفلسفة العربية :
"جوهر الليبرالية التركيز على أهمية الفرد، وضرورة تحرره من كل أنواع السيطرة والاستبداد".
"الليبرالي يصبو على نحو خاص إلى التحرر من التسلط بنوعيه: تسلط الدولة(الاستبداد السياسي)، وتسلط الجماعة(الاستبداد الاجتماعي)".
واذا ماتأملنا جليا في مفاصل هذين المبدأين فاننا نجد أنفسنا كعرب ومسلمين في حل من احراجات الاضافة العلمانية واللادينية التي يريد البعض استصحابها في تصوره لأي مشروع ليبرالي انطلاقا من رغبته في تمرير قناعاته اللاأدرية أو المادية ,أو استصحاب شروط تاريخية حفت بتطور الحياة السياسية المعاصرة في اروبا والغرب حيث صاحب نمو وتطور المذاهب السياسية المعاصرة نزوع نحو محاربة السلطة الدينية والكنسية.
وبالتأمل في واقع العرب والمسلمين اليوم فاننا نجد أنفسنا أمام موروث حضاري عماده العرف والتقاليد ومقومات الدين الاسلامي وسلطان سياسي وظف الديني في مشاريع تجذير للتسلط الدنيوي,وهو مايعني أن سلطة المجتمع باتت مكبوحة بسلطان أعراف وتقاليد قد تكون في بعد ومنأى عن صحيح الدين وقويمه , حيث أن نقاء وصفاء الاسلام في جوهرهما يظلان في بعد تام عن اسقاطات السياسي المستبد وانحرافات الاجتماعي المقلد .
اننا اليوم في بلاد العرب والاسلام أمام ضرورة ملحة لمقاومة الاستبداد السياسي وهو مايعد دعوة اسلامية أصيلة نجد جذورها في حديث النبي محمد صلى الله عليه وسلم "سيد الشهداء حمزة ورجل قام الى امام جائر فأمره ونهاه فقتله "-أو كما قال عليه أفضل الصلاة والسلام- ,كما نجد أنفسنا أمام ضرورات نبذ التقليد الأعمى وعدم اعمال العقل والعودة الى عصور الشعوذة والكهنوت والكنسية المنبوذة بكل معايير توحيد الألوهية والربوبية في الاسلام ,حيث دعانا المولى عز وجل في القران الكريم الى اعمال كثيف لالة العقل والتدبر .
ومن هذا المنطلق ,ومن مبتدأ أنه لارهبانية في الاسلام ولاسلطان لرجال الدين على العلاقة بين الانسان وربه ,واستنادا الى أن أبواب التوبة والغفران والرحمة والعتق من النار هي أبواب مباشرة بين المخلوق وخالقه ,فانه أمكن حينئذ تحرير الفلسفة اللبرالية من خصوصية شرط التطور الأوربي وتنسيبها مع خصوصيات الواقع الديني والاجتماعي لبلاد العرب والمسلمين ,حيث ان ماأحاط بنشأتها التاريخية من وصاية كنسية ودينية على العقل العلمي والابداع الفكري ,وماترتب عنه من محاولات قرنها بضرورات العلمنة الصارمة لدى بعض الفلاسفة الغربيين يعد في نظرنا لاغيا ومردودا اذا ماتعلق الأمر بالبئة العربية والاسلامية ,الا فيما تعلق بضرورة تحرير المبادرة الاقتصادية واعادة الاعتبار للعقل البشري وروح الخلق والابداع الانساني والتمرد على سلطان الاستبداد السياسي أو القهر الاجتماعي وهو مايعد من جوهر مهمات التحرر الاسلامي ومن أساسيات اي مشروع ليبرالي.
وحينئذ فان الليبرالية التي تدعو للدمقرطة والاصلاح السياسي وتحرير الفرد من قيود التأميم الرسمي في المجال الاقتصادي ثم الى تنمية روح الخلق والابداع واتاحة أكبر المساحات الممكنة للعقل البشري من أجل الاضافة والتطوير والتحرير والتنوير ,تعد بلا شك من جوهر أي مشروع اسلامي تنويري يخرجنا من دائرة الأنظمة المستبدة والجماعات الموغلة في الحرفية-بفتح الحاء- والنصية والتأويلية التقليدية والتي تريد أن تصادر مكان العقل في الاسلام من خلال احياء كنسية ورهبانية مرفوضة كل الرفض بمعايير دعوة وخلق روح هذه الرسالة السماوية المشرقة .
انها عندئذ دعوة الى ازالة العقد والمخاوف من المشروع الليبرالي في توجهه العربي والاسلامي مع اقرارنا بأنه من الممكن الاستفادة من مكونات اللبرالية العالمية بمدارسها الثقافية المختلفة من خلال الانفتاح على مسالك النقد الفكري والسياسي واحتضان جوهر الاية القرانية الكريمة "لا اكراه في الدين ,قد تبين الرشد من الغي " وهو مايعني أنه لامخافة على مثل هذا المشروع اذا ماتوسط واعتدل وظل في اطار التوازن بين احترام الثوابت والالتزام بمقتضيات الابداع والتجديد,حيث لانجد حرجا من امكانية التأسيس لتعاون استراتيجي واسع بين مكونات المدرسة الاسلامية الوسطية والمدرسة الليبرالية التي تبقى في دائرة احترام عقائدنا وموروثاتنا الحضارية ,دون أن يعني ذلك عدم اقرارنا بوجود تلونات تشق هذا التيار ينبغي التفاعل معها في اطار الممكن والمتاح بعيدا عن منطق الصراع أو الصدام او الاقصاء.
حرر بتاريخ 29 ذو القعدة 1427 ه -19 ديسمبر 2006
ونشر أيضا على صحيفة الحقائق اللندنية
*كاتب واعلامي تونسي ومدير صحيفة الوسط التونسية :


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.