لكثرة ما يروجه الاعلام الدولي و العربي و لكثرة ما تتداوله الدبلوماسية الدولية والعربية هذه الأيام كدنا نصدق أن العالم العربي يدخل في حروب أهلية. فالعراق ولبنان و فلسطين بالتحديد تقدم للعالم مشاهد تقاتل و تناحر بين الاخوة في الوطن الواحد، و لكن هل هذه الأزمات الدموية بالفعل حروب أهلية! ثم لماذا كانت هذه الشعوب امنة الى مدى قريب ثم اندلعت فيها ما يسمونه اليوم حروب أهلية؟ ألم يكن السني يتعايش في العراق مع الشيعي؟ و الكردي مع العربي؟ و المسيحي مع المسلم؟ و في لبنان ألم تتالف قلوب المسلمين مع المارونيين مع الدروز؟ ألم يجتمع شمل السنة و الشيعة في كل مجالات الحياة و منذ قرون؟ و في فلسطين، ألم يهجر عام النكبة الفلسطيني المسلم مع الفلسطيني الكاثوليكي مع الفلسطيني الأرثدكس بنفس الوحشية؟ ألم تتشكل نواة منظمة التحرير الأولى من كل الطوائف لرفع السلاح من أجل تحرير فلسطين؟ ماذا وقع حتى انفجر هذا النسيج القوي المشرف الذي كان يضرب الغرب و الشرق به المثل في التسامح و القبول بالاخر و الأمان و السلام الأهلي؟ من الذي قرر من وراء الحجب و في مخابر الموت أن يقحم الشرق العربي في أتون العنف ثم يطلق على ما يجري بفعله و بتدبيره نعت الحروب الأهلية؟ ألم يسأل العرب أنفسهم عن طبيعة ما يحدث في العراق و لبنان و فلسطين؟ هل هي حروب أهلية كما يقدمها الأعداء الذين هندسوها أم هي حروب كيدية أوقدتها أياد اثيمة من غير العرب وخططت لها مراكز دراسات مشبوهة بالتفاصيل و وضعت لها الاخراج الاعلامي والتسويقي حتى يخالها العالم و حتى النخبة العربية حروبا أهلية ! فتنتقل تلك الجهات المريبة انذاك الى المرحلة الثانية من المؤامرة الكبرى وهي مرحلة استثمار الأزمات الدموية و صرف جثث الضحايا في بنوك المزايدات لحصد الأرباح و جني الفوائد على أنقاض الخراب العربي! بالطبع لا ينكر عاقل أمين مسؤولية العرب الكبرى فيما يحصل، فأخطاؤنا أخطر من أن نتجاهلها، لكنها مهما عظمت فانها تظل ثانوية أمام المخططات الجهنمية التي تمكنت منا و انجرفنا اليها باعتقادنا بأن العراق و لبنان و فلسطين دخلت في حروب أهلية. فالحالة العراقية يجب أن نقرأها اليوم بعيون جامس بيكر و لي هاملتون، وهما شخصيتان أمريكيتان لديهما خبرة في ادارة الشأن العام و شخص تقريرهما التاريخي أسباب الحرب العراقية للاستخلاص بأنها كانت حربا مفروضة على الشعب العراقي تحت حجة تخليصه من النظام البعثي! فاذا بالدولة تنفجر و الجيش يحل و البنية التحتية تدمر و المدارس تغلق و المدرسون يغتالون و المتاحف تنهب و الخيرات تسلب و شركة هاليبرتون التي يرأس ديك تشيني مجلس ادارتها تملأ خزائنها بالذهب. ثم نتحدث عن حرب أهلية! أية حرب أهلية لا رأي فيها للشعب و لا قرار؟ بل ان العراقيين الكرماء هم الضحايا لحرب تداخلت في شنها و اذكاء لهيبها كل مخابرات الغرب و اسرائيل، و أرادوها حربا انتقامية جائرة من العراق كوطن لا من العراق كنظام، و سمعنا يوم السبت الماضي رئيس الوزراء نوري المالكي ينادي بصوت عال: أيها العسكريون البعثيون تعالوا و التحقوا بالجيش، و اغفروا لنا ما فعلناه بكم و بعيالكم حين لاحقناكم و ظلمناكم و شردناكم! أما الذي يحدث في لبنان و ينذر بالويل و الثبور فهو أيضا ثمرة التحالف الغربي (ألأمريكي-الأوروبي) لاستنباط حلول للبنان دون الرجوع للوفاق اللبناني الذي أثبت التاريخ بأنه قادر دائما على الوصول للحلول التوفيقية و السلمية و المدنية، حتى في ظروف أعسر و أدق من هذه! أما الذي وقع منذ اتفاق الطائف فهو مصادرة القرار اللبناني لصالح مخطط ايديولوجي للمحافظين الجدد همه الوحيد كان عزل سوريا وايران اقليميا و دوليا استعدادا لتوسيع حرب العراق الى كل من سوريا و ايران لأسباب لادخل فيها للبنان أو المنطقة! و النتيجة هي اليوم واضحة للعيان: فوضى تهدد بما هو أخطر، أمام القوى العنصرية و المتصهينة في الغرب التي تنتظر أن تؤدي الأيدي اللبنانية مهمة قذرة خططت لها تلك القوى الشريرة و تنفذها الطوائف بدون وعي لما يحاك ضد لبنان لضرب تلك الجنة العربية و الواحة المسالمة و الدرع الواقي لكرامة العرب. انها في لبنان لن تكون حربا أهلية بل حرب كيدية. في فلسطين، ماذا كان ذنب الفلسطينيين؟ قيل لهم انتخبوا بحرية فانتخبوا حماس بحرية، و تشكلت حكومة منبثقة عن التشريعي الذي تم باجماع الشعب. لكن قالت نفس تلك القوى الغربية العنصرية و المتصهينة للفلسطينيين : لقد أسأتم الاختيار والمطلوب منكم اجبار الحكومة على الاعتراف باسرائيل، و حين تطلب حكومة اسماعيل هنية من اسرائيل الاعتراف بفلسطين كدولة قادمة حسب كل المواثيق الدولية الموقعة، يكون الرد بالرفض بل و بالاغتيال و قتل الأطفال و مواصلة بناء جدار العار المدان من قبل محكمة العدل الدولية! هل هذه عدالة دولية؟ و النتيجة قطع المعونات و تجفيف منابع الزراعة و الانتاج و غلق المعابر، الى أن تدق ساعة ما يخططون له وهو ارباك الجميع بالتجويع و التركيع ثم الترويج لمقولة الحرب الأهلية التي تأذن ب" تدويل القضية " و ارجاعها الى مربع الانطلاق، بينما لا حرب أهلية و لا حتى خلاف في الغايات البعيدة ما بين ابو مازن و هنية! انها ليست حربا أهلية بل حرب كيدية. هل من صحوة عربية !