كان الأسبوع الماضي مشحونا بالتحولات الكبرى التي تطرأ على حياة الأمم، فتغيرها وتدعوها بنداء التاريخ الى قراءة الأحداث بعيون مختلفة، وكان الأسبوع كذلك هزة عاتية للقوى العالمية، بقوة سبعة من ميزان ريختر الحضاري، بدأ العقلاء في الأمم الطاغية يفكون ألغازها ويفهمون رموزها. انه المنعرج الأخطر الذي يهدد بالانفلات وفقدان البوصلة، دون أن نكون تهيأنا لتحمل النتائج ومعالجة التداعيات. والمؤشرات على هذه العواصف العربية كثيرة لعل أهمها ما يهب في العراق وفي فلسطين، مؤذنا بالزمن الجديد القادم على الأمة في ما يسمى الشرق الأوسط. فقد صدر هذه الأيام تقرير جيمس بيكر حول العراق، وشكل في الحقيقة صرخة فزع من الحالة العراقية، ومن تخبط الادارة الأمريكية التي لم تخطط قبل التاسع من أبريل 2003 لما بعدها من المراحل، فكانت مهمة بريمر تدمير العراق لا اسقاط النظام البعثي، وبالفعل لم يبق شيء يذكر من الدولة ولا من الجيش ولا من البنية التحتية ولا من المجتمع العراقي ولا من التعليم ولا من التكنولوجيا ولا من المتاحف والمصانع وبالطبع لم يبق شيء من التماسك الطائفي الذي صمد في العراق حتى في أدق المراحل وأحلك الظروف. والتقرير الذي وضعه بيكر لم يأت بأمور خارقة أو اكتشافات مبتكرة بل انه نقل الواقع بأمانة لا من أجل عيون العراقيين بل من أجل حماية مصالح الولاياتالمتحدةالأمريكية المهددة بشكل جدي من تعفن الوضع وتفاقم الأزمة في العراق. فالعراق ليس جزيرة نائية مثل كوبا أو هايتي، بل يقع العراق في قلب العرب وفي كبد العالم الاسلامي لا من المنظور الجغرافي رغم أهميته فحسب بل من المنظور الحضاري والأخلاقي. وبغداد لم تزل في الذاكرة العربية الاسلامية ذلك الضمير الحي للفكر الفقهي والثقافي والأدبي والفني للعرب والمسلمين منذ الخلافة الراشدة ودولة العباسيين الى دواوين جميل صدقي الزهاوي ومعروف الرصافي وعبد الوهاب البياتي وبدر شاكر السياب. ثم مباشرة بعد تقرير بيكر سمع الرأي العام الأمريكي والعالمي كلام الرئيس بوش ذاته وهو يتفهم عبارة الصحفي توماس فريدمان في نيويورك تايمز حين عقد مقارنة بين حرب العراق وحرب فيتنام. وجاء البرهان الساطع يوم الأحد الماضي حين أعلنت قوات التحالف عن موت 75 عسكريا أمريكيا خلال الأسبوع الماضي فقط ليبلغ عدد التوابيت القادمة من بغداد الى المطارات الأمريكية 2786 تابوتا وتعلن الحداد في المدن والقرى الأمريكية آلاف العائلات المنكوبة بموت أحد أبنائها على أرض العراق التي لا يعرف أمريكي من ثلاثة أين تقع بالتحديد(حسب استطلاع رأي جديد). وفي نفس الأسبوع تصدر الأسبوعية الجدية وذات الصدقية (ذي لانسيت) لتقول بعد بحث ميداني أجرته في العراق على مدى أربعة شهور وفي 48 مدينة وقرية بأن الشعب العراقي دفع من أبنائه وبناته وأطفاله 655000 ضحية أي حوالي ثلاثة أرباع المليون من سنة 2003 الى سنة 2006. أما في فلسطين فالبهتان الدولي متواصل في الحديث عن احتمال حرب أهلية وهي ليست أهلية بالمرة وبالقطع لأنها بكل بساطة حرب الفصيل العنصري من الغرب ولوبيات الصهيونية ضد شعب فلسطين. فالذي شن الحرب ليس لا حماس ولا فتح بل ان هنية وعباس ضحيتان للحرب الجائرة والخفية حين قطعت الاعانة المالية عن فلسطين وطولبت الحكومة المنتخبة بشيء غريب لم تطالب به أية حكومة فلسطينية قبلها أي الاعتراف بدولة عبرية ترفض هي نفسها الاعتراف بالدولة الفلسطينية، وتعمل في بناء جدار العار ومحاصرة الشعب العربي البريء على قتلها في الأرحام حتى لا تولد أية دولة فلسطينية لا بحماس ولا بعباس، بل الجهود الشريرة متضافرة لادخال الخناس الوسواس في معابر السلطة ودق اسفين الفتنة والفوضى بين أبناء الشعب الواحد وقديما قيل بأن الجوع كافر. هذا هو المشهد العربي اليوم ويخشى بالطبع أن ينسحب التحالف من العراق لتبقى المنطقة كلها ليس على كف عفريت واحد بل مجموعة عفاريت. والعفريت الأشرس هو العفريت الداخلي أي الانقسام والفرقة والعداوات المتفاقمة والحسابات الأنانية والمصالح الانفرادية والقضايا الهامشية، في حين يخطط أعداء الأمة في الظلام لضرب جميع العرب بلا استثناء مهما اعتقد البعض منا بأنه في مأمن وهو في الحقيقة المستهدف الأول وعلى مرمى قريب من النارالعدوة. فاجتمعوا على كلمة سواء يرحمكم الله، قبل أن ينفخ في الصور!