كيف استعد الحزب الديموقراطي التقدمي لمؤتمره الرابع الذي يفتتح أشغاله اليوم؟ ما الذي سيميّز هذا المؤتمر وما هو الجديد المتوقع منه؟ وماذا عن الترشحات للأمانة العامة التي اقتصرت على مرشح وحيد إلى حد الآن؟ وإلى أي مدى سيحتضن المؤتمر التباينات والخلافات التي ظهرت قبل بضعة أسابيع حول تمشيه السياسي وخطابه وأسلوبه التنظيمي وعلاقته بالمشهد السياسي العام؟ هذه التساؤلات وغيرها، طرحناها على السيد محمد قوماني، عضو المكتب السياسي للحزب، وأحد الذين قدموا مبادرة لتطوير الحزب، وكانت أحد الأسباب الرئيسية وراء انسحابه من التنافس على الأمانة العامة. وفيما يلي نص الحوار.... * اليوم يبدأ مؤتمر حزبكم، كيف كانت الاستعدادات لهذه المحطة التنظيمية؟ - الاعداد انطلق منذ أشهر عديدة، وقد تم الاشتغال على مستويين: الاعداد المضموني للمؤتمر بصياغة مسودات اللوائح وعددها تسعة، وادارة حوار صلب الهياكل الحزبية في هذا الاتجاه، وربما استحوذت لائحة السياسة الداخلية على الجزء الأكبر من الحوار الذي ما يزال يثير بعض التباينات. كما تم الاستعداد على الصعيد التنظيمي عبر ضبط قائمات المنخرطين، وانتخاب نواب المؤتمر حسب الجامعات أو الفروع، حيث سيحضر نحو 304 نواب في المؤتمر.. واستحوذ الشهر الأخير على الاعداد المادي من حيث الضيوف ومكان انعقاد المؤتمر والجوانب اللوجستية والدعائية.. على أن هذه الاستعدادات للمؤتمر، دارت في ظروف مالية صعبة بسبب عدم تمتع الحزب بالتمويل العمومي.. ويبدو الحزب في الحقيقة، جاهزا لعقد مؤتمره الرابع، الذي هو في الواقع، المؤتمر الثاني للحزب الديموقراطي التقدمي. * ما الجديد في هذا المؤتمر؟ - الجديد هو أن الحزب يدشن مبدأ التداول على الأمانة العامة، بعد أن قرر الأستاذ نجيب الشابي، التخلي عن المسؤولية الأولى في الحزب، وسيختار المؤتمر أمينا عاما جديدا، والأخت ميّة الجريبي، هي المرشحة الوحيدة لهذه المسؤولية. والجديد الثاني، هو أن المؤتمرين - في تقديري - يتطلعون إلى البناء المؤسساتي للحزب بعد 5 سنوات من تأسيسه، وهذا سيعكسه الحوار حول النظام الداخلي في ضوء مقترحات واسعة للتعديل والتطوير والتوصيات التي سترفع للقيادة الجديدة بغاية تفعيل البناء التنظيمي للحزب. على أن القوانين الداخلية والعلاقات الوظيفية بين الهياكل، هي الضامن الأساسي للعلاقات الديموقراطية داخل الحزب، بالإضافة إلى مضامين اللوائح التي تعكس درجة التوافقات المسجلة في مختلف القضايا الاقتصادية والاجتماعية والتربوية وغيرها. * إلى أي مدى تعكس مشاريع اللوائح، درجة من التوافق داخل الحزب، سيما وأن الوقت الذي خصص لإعداد هذه اللوائح، كان ضيقا نسبيا؟ - صحيح أن أغلب مسودات اللوائح أنجزت في المدة الأخيرة، وهي لم تحظ بالنقاشات الكافية داخل الهياكل، لكنها في تقديري، لن تثير خلافات كبيرة، خصوصا في القضايا الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتربوية والشبابية، لأنها تميل إلى رصد الثغرات والنواقص في الآداء الحكومي، وتقترح محاور عامة للمعالجة.. وسينحصر الخلاف في اللائحة السياسية، وربما أيضا في اللائحة التنظيمية.. فقد عكست الحوارات داخل المكتب السياسي وصلب كوادر الحزب وقواعده، تحفظات وتباينات حول مسودة اللائحة السياسية.. * ما هي أبرز هذه التحفظات والتباينات؟ - يوجد تباين أول في تقدير المهمة السياسية المرحلية، بين من يميل إلى أن المرحلة تستوجب تقديم المعارضة كبديل جاهز، ومن يرون أن المرحلة تقتضي التركيز على تحقيق شروط حياة سياسية أفضل مما هي عليه الآن.. أما الخلاف الثاني فيتمحور حول التمشي السياسي للحزب، بين من يرفع شعار القطيعة، وثمة من يؤكد على أن التشجيع على المشاركة السياسية، هو الأكثر انسجاما مع الطبيعة الاصلاحية والقانونية للحزب. ويوجد خلاف ثالث في مستوى الخطاب السياسي، بين من يستبطن نوعا من التنافي والصراع بين المعارضة والسلطة، ومن يشدد على الطبيعة التنافسية والصراع السياسي بين الطرفين. * هل أن الوثيقة التي أصدرتها بمعية الدكتور فتحي التوزري، عضو المكتب السياسي، تطرح مراجعة الخط السياسي للحزب باتجاه المشاركة وإلغاء القطيعة؟ - الوثيقة التي تشير إليها، مساهمة في إثراء الحوار صلب المؤتمر حول قضايا تنظيمية وسياسية، ونحن في الحقيقة، لا نطرح مراجعة الخط السياسي للحزب، بقدر ما نطلب تثبيت الخط الإصلاحي للحزب الذي تأسس عليه في مؤتمر 2001، حماية له من أي انحراف محتمل. لا... للقطيعة.. * ما الذي تعنونه بتثبيت الخط الإصلاحي تحديدا؟ - نحن نعارض مثلا، شعار القطيعة مع السلطة، ونرى أن وظيفتنا تتمثل في كسر أية قطيعة قائمة بما يفسح المجال أكثر للمشاركة السياسية، ويسهّل قيام الحزب بوظائفه في المعارضة.. فشعار القطيعة مبهم ويحيل على احتمال المواجهة، وهو بالتالي لا يفتح أفقا سياسيا.. أما دعوة النخب والمجتمع والحزب أولا إلى خيار المشاركة، فإنه يستهدف اخراج النخب من حالة الاستقالة والاحباط والعزوف عن المشاركة في الحياة العامة.. وهذا عمل حيوي في تعديل ميزان القوى بين السلطة والمعارضة.. كما أن خيار المشاركة وخطاب التنافس والدفع باتجاه تحسين شروط الصراع السياسي، يتيح للحزب وللمعارضة بصورة عامة، شروطا أفضل للبناء التنظيمي وتقوية الذات.. إذ أن ضعف المعارضة واستنزاف طاقاتها في مهمّات لا تتناسب مع حجمها، لن يساعد على تعديل ميزان القوى، وهو شرط أساسي للتغيير المنشود. مبادرة سياسية * هل يمكن القول أن ما جاء في جزء من الوثيقة، يعدّ مبادرة صلب الحياة السياسية في البلاد؟ - فعلا، نحن نعتقد أن الوضع السياسي الحالي، يحتاج إلى مبادرة، وأن المعارضة تعاني من مأزقي الموالاة والقطيعة.. واعتقادي أن التقدم بمبادرة سياسية لحلحلة الوضع بين السلطة والمعارضة، من شأنه أن يدخل ديناميكية على الجمود الحالي، ويعزز موقع الحزب ويكون أحد الأدوات الرئيسية للدفع باتجاه الاصلاح.. لأن المعارضة المسؤولة، هي تلك التي تمارس الاحتجاج، ولكنها أيضا تقترح الحلول لحماية المجتمع من الاحتقان، ولتطوير الحياة السياسية. * إذا كان لديكم تحفظات حول التمشي السياسي ومقترحات لتفعيل الحزب، فلماذا انسحبتم من حلبة التنافس على الأمانة العامة؟ - شخصيا راهنت على اقتران التداول بالتنافس، كما راهنت على أن يكون المؤتمر فرصة لتعزيز مصداقية الحزب عبر قوة الاقتراح، وتحقيق مزيد من الانصهار داخله، لكنني قدرت أن التنافس على الأمانة العامة، بدأ ينعكس سلبيا على الأجواء التحضيرية للمؤتمر، وربما ينحرف بطبيعة التنافس، لذلك أعطيت الأولوية للصراع على الأفكار والمقترحات، بدلا من الصراع حول المواقع والنفوذ.. وإذا لم يحقق الحزب في هذا المؤتمر مبدأ التنافس على الأمانة العامة، فيكفيه تحقيق التداول على هذه المسؤولية والتنافس السياسي حول البرامج والمقترحات. أجرى الحوار: صالح عطية