عرفت الساحة التونسية العديد من الأحداث المتنوعة ومن أبرزها اعتبار سنة 2006 سنة العلامة التونسي ابن خلدون بمناسبة الذكرى المئوية السادسة لميلاده، وشهدت تونس على امتداد السنة العديد من الندوات الوطنية والدولية التي أبرزت مكانة ابن خلدون ضمن علم الاجتماع المعاصر باعتباره من أول من وضع قواعد علم العمران وكانت له إضافات واضحة في الرصيد العلمي للبشرية. واتسمت السنة المنقضية بسلسلة من الاعتقالات والمحاكمات في صفوف الشباب السلفي الذي يحال على المحاكم باسم قانون مكافحة الإرهاب وهو ما يقع لأول مرة في تونس، وقد قارب عدد المعتقلين في هذا السياق 500 شخص حسب مصادر حقوقية، ومنهم من سلمتهم الجزائر وسوريا، وكانوا يرغبون في الذهاب إلى العراق لمساندة المقاومة العراقية حسب ما صرحت به عائلاتهم. وفي مقابل تلك المحاكمات المتواصلة شهدت سنة 2006 الإفراج في مناسبتين عن أكثر من مائة قيادي من حركة النهضة الإسلامية المحظورة من بينهم ثلاثة رؤساء سابقين للحركة، وهو ما اعتبر من قبل المراقبين خطوة انفراج لكنها لم تتبع بالإفراج عن كافة المساجين السياسيين، الذي يعد مطلب القوى المدنية الديمقراطية في تونس. وفي المجال الاجتماعي أقرت الحكومة خلال هذه السنة زيادات في الأجور نتيجة للمفاوضات الاجتماعية بين مختلف الأطراف التي تدار ضمن جولات مستمرة تتم المصادقة عليها مرة كل ثلاث سنوات، وتعتبر السلطة أن التوصل إلى اتفاق ضمن تلك المفاوضات قاد البلاد إلى ما تسميه السلم الاجتماعي حيث يسود الاستقرار بين العمال وأرباب العمل والحكومة كطرف وسيط بينهما. لكن السلم الاجتماعي الذي تبرزه الحكومة في كل مناسبة لم يمنع العمال والموظفين من شن إضرابات خلال السنة في قطاعات حساسة مثل التعليم والمواصلات والبريد والكهرباء والصحة للمطالبة بتحسين أوضاعهم المالية والمهنية ونجحت قطاعات منها في تحقيق بعض المكاسب. وعرفت البلاد في هذا المجال تحركات جديدة من نوعها قام بها أصحاب الشهادات المعطلين عن العمل الذي تجمعوا ضمن اتحاد لم تعترف به الحكومة ونظموا اعتصامات متكررة أمام عدد من الوزارات مطالبين بحقهم في الشغل. وفي المجال الاجتماعي كذلك انعقد خلال السنة الماضية المؤتمر التأسيسي للمنتدى الاجتماعي التونسي الذي يدخل ضمن سلسلة التحركات العالمية المناهضة للعولمة في أوجهها المتعددة. كما عرفت تونس في المجال الاقتصادي والاجتماعي أكبر عملية خصخصة في تاريخها بالتفويت في 35% من رأسمال شركة اتصالات تونس الحكومية وقد فازت بهذه الصفقة شركة الإمارات للاتصالات بعد تنافس شديد مع شركات اتصال كبرى منها شركات إسبانية وفرنسية. وعلى المستوى السياسي شهدت البلاد الاعتراف بحزب جديد هو حزب الخضر للتقدم الذي أثار الاعتراف به ردود فعل متباينة في الساحة السياسية بين الرفض والقبول، وذلك لأن هناك حزبا بيئيا آخر سبق أن تقدم بطلب الترخيص إلا أن الحكومة أسندت الترخيص للحزب الجديد، وهو ما اعتبر إجراء لصالح حزب موال للسلطة. ولم تغب التحركات السياسية المطالبة بإصلاحات جذرية عن الساحة التونسية خلال السنة المنقضية فقد نظمت هيئة 18 أكتوبر للحقوق والحريات التي تضم أحزابا وجمعيات، العديد من الندوات والتحركات الميدانية جوبهت بالقمع الشديد من قبل قوات الشرطة وخاصة التحرك التي نظمته في شهر مارس/آذار الماضي بمناسبة الذكرى الخمسين للاستقلال. وترفض السلطات السماح لهذه الهيئة بتنظيم تحركات ونشاطات على الرغم من أنها تضم من بين مكوناتها أحزابا قانونية. وشهد الأسبوع الأخير من هذه السنة انتخاب مية الجريبي أمينة عامة للحزب الديمقراطي التقدمي المعارض في بادرة هي الأولى من نوعها تتولى فيها امرأة المسؤولية الأولى في حزب سياسي. تحركات حقوقية لم تخل سنة 2006 من تجاذب بين الحكومة وعدد من القضاة المستقلين الذين اتهموا وزارة العدل بالانقلاب على المكتب التنفيذي الشرعي لجمعية القضاة التونسيين وتنصيب هيئة موالية لها، وعمدت وزارة العدل إلى تشتيت شمل القضاة المستقلين بنقلهم إلى محافظات مختلفة بعيدة عن العاصمة في محاولة لمنعهم من مواصلة نشاطهم. وواصلت السلطات منع الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان من عقد مؤتمرها السادس بحجة وجود حكم قضائي يمنع الهيئة المديرة الحالية من القيام بأي نشاط تحضيري للمؤتمر وهو ما اعتبرته قيادة الرابطة تدخلا في شؤون الرابطة لمنعها من القيام بدورها الطبيعي في الدفاع عن حقوق الإنسان ولا تزال القضية محل صراع بلغ صداه البرلمان الأوروبي الذي طالب في أكثر من لائحة الحكومة التونسية بالسماح للرابطة بعقد مؤتمرها والقيام بنشاطاتها في كنف الحرية. وخاض المحامون في منتصف السنة اعتصاما بدار المحامي بالعاصمة للاحتجاج على ما أسموه سيطرة وزارة العدل على المعهد الأعلى للمحاماة وتهميش مكانة الهيئة الوطنية للمحامين، وقد أدى الاعتصام إلى مواجهات مع قوات الأمن لم تشهدها تونس منذ عقود طويلة. زيارات واتفاقيات على المستوى الدولي دعمت تونس شراكتها مع الاتحاد الأوروبي على الرغم من الاحتجاجات المتكررة التي أبداها الاتحاد حول أوضاع حقوق الإنسان في تونس إذ نص البند الثاني من اتفاق الشراكة بين تونس والاتحاد الأوروبي على ضرورة احترام حقوق الإنسان. وقد أبرمت تونس خلال سنة 2006 العديد من الاتفاقيات تهدف أغلبيتها لتطوير التعاون في المجال الاقتصادية والتجاري. كما شهدت السنة الماضية زيارة وزير الدفاع الأميركي السابق دونالد رمسفيلد ورئيس ال(أف بي أي) في إطار جولة مباحثات أمنية في عواصم بلدان المغرب العربي. وسمحت الحكومة لوفد من منظمة الصليب الأحمر الدولي بزيارة السجون التونسية لإعداد تقرير عنها بعد أن تعددت التقارير التي أشارت إلى تدهور الأوضاع داخل تلك السجون. الحجاب و تدنيس القرآن ومن أهم الأحداث المثيرة في تونس خلال السنة الماضية ما حدث في المجال الديني حين شنت الحكومة حملة جديدة على الحجاب أثارت موجة من الاستنكار الواسع وطنيا وعربيا مما دفع الحكومة إلى توضيح موقفها ضمن سلسلة من المقالات والندوات للتأكيد على أنها لا تمنع الحجاب وأنها مع الحشمة، لكنها تمنع اللباس الطائفي الدخيل وتشجع اللباس التونسي الأصيل. إثارة قضية تدنيس القرآن الكريم في أحد السجون التونسية أغضبت السلطات كما أثيرت في هذا السياق من قبل فرع مدينة بنزرت للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان قضية تدنيس القرآن الكريم في أحد السجون التونسية مما أثار غضب السلطات التونسية ودفعها إلى اعتقال رئيس الفرع المذكور واثنين من المسؤولين، أفرجت عنهم في اليوم نفسه بعد فتح قضية عدلية ضد رئيس الفرع. الإعلام وحقوق الصحفيين رغم إلغاء السلطات خلال السنة المنقضية الإيداع القانوني الذي يعد بمثابة الرقابة المسبقة على الصحف واصلت سيطرتها على الصحف ومنع نقابة الصحفيين التونسيين من عقد اجتماعاتها، وسكتت عن طرد الصحفيين مما دفع اثنين منهم إلى خوض إضراب عن الطعام لمدة شهر كامل للاحتجاج على طردهم بطريقة تعسفية على حد قولهما من إحدى الصحف اليومية. وكان مطلب تحرير القطاع الإعلامي من سيطرة الحكومة أحد أهم مطالب القوى السياسية والمدنية بالبلاد على امتداد السنة المنقضية.