صدام حسين لم يكن رئيسا عاديا لدولة عربية بل كان نسيج وحده: دكتاتورا دمويا قاسيا وبطلا قوميا غذى أحلاما عريضة في الوحدة والتحرر والنهضة العربية. توليفة هجينة تحمل في أحشائها تناقضا صارخا بين قيم الخير والشر. ردة الفعل، العربية والدولية، عكست في عمقها حقيقة هذا التناقض الذي يستحيل، نظريا وعمليا، الجمع بين أطرافه. الذين جعلوا من إعدامه عيدا وعبروا عن فرحتهم بالتهليل والتهريج لم يكونوا جميعا عملاء لأمريكا أو أحفادا للكسرويين والصفويين الحاقدين على المسلمين والأمويين، فكثير منهم تجرع علقم القهر وسيم من سوء العذاب ألوانا قبل أن يلقى في دهاليز الموت التي أعدها نظام دموي لخصومه السياسيين دون ذنب سوى التفوه بكلمة أو إبداء رأي لم يرض الزعيم أو أحد أعوانه في المدن والآفاق. حقائق قتل الطلاب واغتيال المعارضين وتعذيبهم وملاحقتهم في عواصم العالم، شرقا وغربا، لا يجحدها إلا مكابر أعمى الحقد الإيديولوجي بصره والحزبية المقيتة بصيرته. أما الذين حزنوا وغموا لقتله وعبروا عن سخطهم جهارا أو في مجالس اللحم الشهي والشاي الساخن يوم عيد الأضحى وهم يتابعون في بيوتهم الدافئة أطوار "جريمة الإعدام" على قناة الجزيرة، فلم يكن حزنهم غباء أو مجرد عاطفة تقودها نوازع الشفقة والمحبة الخالصة. لقد كان هناك شيء من ذلك وأكثر منه قليلا، فصدام حسين قائد عربي "قاوم الغزاة وبنى قاعدة علمية غير مسبوقة، وقضى على الأمية وأمم صناعة النفط وحولها إلى ملكية وطنية، وجعل من العراق قوة مهابة في منطقة ملتهبة ...إنه الزعيم العربي الوحيد الذي ألقى أربعين صاروخا على تل أبيب ووقف إلى جانب المقاومة الفلسطينية، ورعى أسر الشهداء، ودافع عن دمشق أمام الدبابات الإسرائيلية الزاحفة لاحتلالها في حرب العاشر من رمضان" (عبد الباري عطوان – القدس العربي 30-31 ديسمبر 2006) سوف يتواصل الجدل حول شخص صدام حسين ونظام حكمه كما حدث مع عبد الناصر من قبل. ولربما يبقى الوعي الجمعي منقسما يجتر الأمجاد والمآتم منتجا دوما لسجالية عصابية خالية من أي أفق مثمر. أعتقد أن للمثقفين العرب من العاملين في حقلي الفكر والسياسة دورا محوريا في تجاوز هذه السجالية العقيمة فضلا عن إعادة إنتاجها وتسويقها العبثي المدمر لمستقبلنا القومي. صحيح أن الشعوب والأمم تستلهم من تاريخها وأمجادها القومية غير أن صورة المستقبل المنشود هي التي تزودها بالمعنى فتعقلن وعيها وتوجه حركتها الجماعية. الأكيد أن صورة المستقبل لدينا نحن العرب والمسلمين ليست صورة نظام دكتاتوري مهما كانت إنجازاته القومية ولا صورة بطل تاريخي مغوار يثبت فحولته للرفاق والأعداء داخل السجن وفوق المقصلة. صورة المستقبل المنشود لدينا هي بالتأكيد وبالإجماع تلك التي تسود فيها دولة القانون والعدل ونظام الحرية والمواطنة حيث يكون الشعب هو البطل الحقيقي الذي لا تستطيع أي قوة على الأرض إعدامه. المصدر: الوسط التونسية