ومن نكد الدنيا على امرئ أن يرى »صديقا« له ما من »عداوته« بدّ (المتنبّي بتصرّف) هذا شأننا مع بعض أبناء جلدتنا في هذه الأرض الممتدّة من محيطها إلى خليجها.. لقد صارت استغاثة الرسول الأكرم إلى ربّه بأن يحميه من شرّ أصدقائه أمّا أعداؤه فهو كفيل بهم على كلّ فمّ يستجير بها الرجال من شرّ الخفافيش والغربان التي تظهر بعد أن تضع الحروب أوزارها ويجندل الأبطال في معارك الحريّة والكرامة لتمتصّ الدماء من أوردة الأمة النازفة وتنهش لحمها إرضاء لأسيادها وأولياء نعمتها.. نعلن أوّلا أنّنا نكتب هذا الردّ من باب الدفاع عن الأمّة وليس من باب الدفاع عن الأشخاص ؟ فهم إلى زوال "فلو دامت لغيرهم لما وصلت لهم..ولو دامت لهم لما وصلت إلى غيرهم" مهما كانت مكانتهم في قلوبنا أو مهما بلغ مدى إعجابنا بهم وافتتاننا بشمائلهم وخصالهم.. ببساطة لأنّ هؤلاء الأشخاص قد انتدبوا لخدمة قضايا أممهم والتضحية بالنفس من أجل أوطانهم، ولا أظنّ العكس يصح بأن تصبح الأوطان مزارع للأشخاص تسخر لخدمتهم ولخدمة من حولهم من المنافقين والطمّاعين المتكالبين على فتات الموائد.. لقد كتبنا على إثر اغتيال الرئيس صدّام حسين دراسة قاربنا فيها المسألة من وجهة نظر نفسيّة حضاريّة تبحث في تأثير هذا الاغتيال الإجرامي - الذي يعكس قدرا كبيرا من الساديّة والعدوانيّة التي تذكرنا بحفلات الموت القروسطيّة - تأثير هذا الحدث وتداعياته على الواقع العربي عموما وعلى الفكر القومي العربي بشكل خاص، نلخّصنا للإيجاز في الفقرة التالية:" إنّ احتلال العراق، واعتقال القائد الكاريزمي والنموذج الذكوري العربي الأكمل الشهيد صداّم حسين و الإمعان في إذلال الرجولة و الكرامة و البطولة العربيّة من خلاله، وطعن الكبرياء القومي مجسدا فيه، والتي كثّفتها خاصة لحظة إعدامه بتلك الطريقة التراجيديّة مثّلت جميعها كسرا للنظام "الجندري" العربي المستقرّ في تلك الثنائيات الثقافيّة الكامنة في المخيال الجماعي ( ذكر- أنثى، بطل خائن، شجاع - جبان، وطني- عميل)، وأحدثت رجّة في الضمير القومي العربي.. ولكنّها وبنفس العنف مثّلت لحظة إعتاق للنموذج الفحولي العربي من قبضة الاستثناء المحرجة فالبطل في المخيال الجمعي العربي يستشهد ولكنّه لا يؤسّر أو يهان.. إنّ لحظة الإعدام وما رافقها وحفّ بها من تناقضات تعكس حال الأمّة العربيّة (من خلال التجسيد الحسّي للرؤيا الإبراهيمية والتضحية بالابن يوم العيد) وتستعيد الجريمة الأولى في التاريخ وتنعش غرائز الثأر المرضيّة في دواخلنا، ولكنّها وللمفارقة العجيبة كانت إعلان انهيار المركزيّة التنظيميّة الحزبيّة القديمة التي فشلت في الدفاع عن الوطن والأمّة وانتهت باستباحة دم الأب، وإشعارا تاريخيّا غير خفي بولادة الإرادة الجماهيريّة العربيّة الحرّة.." القادمون على"ظهور الأفلام" لا أتصوّر أنّ الذين انتصبوا للدفاع عن سلسلة »بيت صدام« باختلاف مشاربهم وأنتماءاتهم وأطماعهم، ولا الصبيّ اليافع الخارج لتوّه من تحت جبّة والده بإمكانهم اتهامي ب"القومجيّة" والشوفينيّة وعبادة الأشخاص، كما يحلوا لأرهاط المتفسّخين والمهزومين من المتثاقفين العرب أن يشتموا حرّاس الأمّة ورجالها ..أمّا عن فارس الدراما العربيّة شوقي الماجري فنقول له بكلّ محبّة أنتبه لما تقول فانت لست نكرة يبحث عن الاعتراف ويتوسّل الشهرة..أمّا ملاحظاتك عن الجوانب الفنيّة فنذكرك أنّك خير العارفين بأنّ التقني يبقى دائما جسرا وقناة يتوسّل بها الفنّان لإبلاغ فكرته وإلاّ لاستوت سينما الدعارة الفائقة التقنية مع روائع السينما العالميّة التي احتفت بالإنسان .. فلا تتذاكى علينا كثيرا، فيكون مثلك كمثل البدوي الذي سئل أيّهما أصدق معاوية أو عليّ ؟؟ فردّ المغلوب على أمره : »الطعام مع معاوية أدسم والصلاة وراء عليّ أأجر«أم أنّ هدوؤك النسبي كان مقدمة لولوج عرين صدّام. إنّنا نعلن من دون مواربة أنّ باب التأويل والتقييم وإبداء الرأي مفتوح على مصراعيه لجميع أبناء الأمة -لا شكّ في ذلك -لإعادة قراءة تاريخهم الحديث بكلّ ما فيه من وثبات وانتكاسات من أجل الوقوف على الأخطاء واستلهام العبرة واستئناف مسيرة الكفاح والبناء على درب الوصول بالراهن العربي إلى أهدافه المتمثلة في تحرير الإنسان والارض واعتاق العقل العربي من وعي الهزيمة والاستسلام، ومشاعر الخوف والسلبيّة الذي تحاول القوى الاستعمارية تأبيدها وترسيخها أمرا واقعا يعكس النظرة الدونيّة العنصريّة التي كرّسها الإستشراق عموما وعلى رأسه "الإستشراق البريطاني" العنصري، الذي يرى العرب باعتبارهم قوما همجا ميالين بطبعهم إلى الفوضى والعنف واحتقار المرأة وامتهان كرامة الإنسان، تقودهم أهواؤهم ورغباتهم وشهواتهم الجنسيّة ويتراجع العقل عندهم حدّ الانعدام، كسولون لا يحبّون العمل ويكرهون النظام، إذا تركتهم لحريتهم يفسدون في الأرض لذلك لا تنفع معهم إلاّ الشدّة والقوّة ، متناسيا في حمّى عنصريته (الإستشراق) أنّنا أوّل من قال على لسانهم الفاروق عمر: "متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمّهاتهم أحرارا ؟؟" (بإمكانكم مزيد الإطلاع على صورتنا عندهم بالرجوع إلى كتاب "الإستشراق" لإدوارد سعيد /خاصة ملاحظات بلفور حول مصر التي سنورد بعضها لاحقا). نسمة الإستشراق الجديد إنّ المتابع لسلسلة "بيت صدّام " التي بثته قناة "نسمة تي في" لصاحبها ووليّ نشأتها "سلفيو بار لسكوني " ثالث المجرمين بعد "بوش وجروه بلير " الذين دمّروا العراق وسرقوا آثاره وقتلوا أطفاله وهتكوا ستر نسائه ورجاله، برلسكوني رئيس الوزراء المرفوعة عنه حصانته في بلاد الطليان لوضاعة سيرته الماليّة والتلاعب الحاصل في حساباته الأخلاقيّة. إنّ المتابع لهذه السلسلة المنتجة من طرف قناة "البي، بي، سي" البريطانيّة، لا يستغرب تلك الطريقة الوقحة التي صوّرت بها شخصيّة الرئيس العراقي صدّام حسين، ولا الأسلوب الكاريكاتوري الذي يقطر عنصريّة الذي صيغت به سيرته الذاتيّة بكلّ ما حفّ بها من علاقات عائليّة وعشائريّة واجتماعيّة ومن روابط وخلافات سياسيّة حزبيّة و من صراعات وحروب عربيّة ودوليّة..إنّ الطريقة الإنتقائيّة والأسلوب المبهر تقنيّا التي صيغت بهما السلسلة البريطانيّة لم تكن تتناول شخصيّة صدّام حسين في ذاته ولذاته، وإنّما كانت من خلاله ترسم صورة العربي والشرقي النمطيّة في العقل الإستشراقي الغربي المحكوم بخلفيّة الدعايات الصليبيّة المترسبة فيه منذ قرون الظلام الكنسيّة، بحيث يصبح صدّام حسين نموذجا ومثالا يعكس السمات المميّزة والصفات الثابتة والملازمة "للجنس العربي" (نشير إلى استحالة الحديث عن الجنسانيّة في العلم الحديث بمعناها العرقي) القائمة على الفوضى والتخلّف والعدوانيّة والشبقيّة.. وللتدليل على ما نقول ليتسع صدر بعض ممثلينا ونقادنا الانسانيين والديمقراطيين حتى النخاع ممن انتصبوا للدفاع عن "نسمة الإستشراق الجديد" تحت مسمّى حريّة التعبير، الاستشهاد بهذه الفقرة المقتطفة من الملاحظات التي تفوح عنصريّة التي كتبها الوجه الإستعماري القبيح "بلفور" ..نعم "بلفور" نفسه صاحب الوعد الشهير (وعد من لا يملك لمن لا يستحقّ) الذي منح بفضله أجداد بطل "السلسلة الفضيحة" المثل الإسرائيلي متقمّص شخصيّة الشهيد صدّام حسين »ايغال ناعور« أرض فلسطين، حيث يصرّح فيها موضحا عدم صوابيّة إعطاء حكم ذاتي لشعب مصر مبررا بذلك مواصلة بريطانيا سياستها الاستعمارية، اذ يقول:" ويمكن أن تنظر إلى تاريخ الشرقيين بأكمله فيما يسمّى بشكل عام المشرق.. دون أن تجد أثرا لحكم الذات على الإطلاق. كلّ القرون العظيمة التي مرت على الشرقييّن ؟ ولقد كانت عظيمة جدا - أنقضت في ظلّ الطغيان، ظلّ الحكم المطلق. وكلّ إسهاماتهم العظيمة في الحضارة الإنسانيّة، أنجزت في ظلّ هذا النمط من الحكم. فقد خلق فاتح فاتحا، وتلت سيطرة سيطرة، غير أنّك في دورات القدر والمصير كلها لا ترى أمّة واحدة من هذه الأمم تؤسس بدافع من حركتها الذاتيّة ما نسميه نحن، من وجهة نظر غربيّة، حكم الذات، هذه هي الحقيقة، وليست القضيّة قضيّة فوقيّة أو دونية.." أحفاد »بلفور« غير الشرعيّين هذه هي الحقيقة!!! هكذا يقول العنصري "بلفور" بكلّ بساطة.. حقيقة الشرق التي كتبها عليه القدر والمصير بأن لا يحكم إلاّ من الخارج ولا يزدهر إلاّ تحت حراب وبنادق المستعمرين، أمّا مقولة الحكم الذاتي أو الاستقلال والتأسيس للحركة الذاتيّة فذاك شأن الحضارات الراقية والأعراق الأوروبيّة الغربيّة الحرّة والذكيّة كما شاء لها القدر والمصير أن تكون !! يقول" النهدي" في معرض ردّه على سؤال الصحفي بجريدة الصريح سمير الوافي "إذن هل نشارك في صياغة الموقف الغربي المعادي ونعبّر عنه؟؟" ان الفيلم وجهة نظر غربيّة لكنّه قريب جدا من الواقع، لم يتحامل ولم يتجنّ بل قارب الحقيقة (حقيقة بلفور). ويواصل في تحليله "حقيقة من يستعمل العقل أكثر من العاطفة والمنطق أكثر من الشعارات" إنّها تماما من صنو حقيقة المنبتّين المتذمّرين من كلمة " العروبة" والتوّاقون إلى أحضان أبناء العمومة من بني صهيون ..أو حقيقة صاحب "صنع في تونس " الذي صال وجال في مسارحنا يلقي مواعضه الوان مان شوويّة !!.. فجميعها حقائق لا يطالها الشكّ ولا تقربها الريبة من جنس التعاليم والدعوات التي يطلقها قساوسة البيت الأبيض الجدد مثل القسّ »رامسفيلد« صاحب أكذوبة أسلحة الدمار الشامل العراقيّة !! الشهرة والمال هما البوابة التي تتسلل منها المهانة في سبعينيات القرن الماضي قال أحد قادة النضال الفلسطيني أظنّه وديع حدّاد "إنّ أكثر ما أخشاه أن تصبح الخيانة وجهة نظر". المال -لعنة اللّه عليه - ذلك الفيروس الفتّاك الذي ينخر الضمائر ويصرع المبادئ ويقتل إنسانية الإنسان .. مرّة أخرى ليس دفاعا عن صدّام فهو ليس في حاجة لمن يدفاع عنه، فقد كفانا ورفاقه مشقّة ذلك وهو يقارع الحجّة بالحجّة أثناء جلسات محكمة الدجيل" الشهيرة.. ولأنه وبكلّ بساطة من طينة رجال مختلفين.. لكنّه عمى البصيرة والبصائر يجعل العيون الغبيّة والمهانة التي تطيل النظر إلى أضواء الشهرة وبريق الحضارة الماديّة والإثراء السريع من العطايا المجزية التي توهب من صهاينة تل أبيب وروما وبريطانيا، ولا يسعفها بنعمة كتشف حقيقة ما جرى وما يجري وما لن يكتب له أن يجري بفضل المقاومة الباسلة التي يجترحها الشعب العراقي الذين لم تفتهم وصيّة صدّام حسين يكتبها بما تبقّى من عمر جلاّديه وهو يستقبل الموت ضاحكا من جبنهم، مستهزئا بخسّتهم ووضاعتهم، مناديا بالحياة لفلسطين وبالعزّة للأمّة التي لا تكع.. ما لا يمكن أن يفهمه بعض نقادنا وممثلينا المغرّر بهم أو الذين بأنفسهم غرروا، هو أنّ سلسلة "بيت صدّام "لم تكن سوى محاولة للردّ على ذالك المشهد بالذات الذي هزم فيه صدّام كلّ ما فعله الأعداء لإذلال هذه الامّة وإلحاق الهزيمة النفسيّة بها، وهو مشهد صدّام الإنسان وهو يصعد إلى المشنقة مكبّرا ومذكرا أعداءه الأقزام "بالمرجلة" دون أن يخاف أويتعثّر أو يتلعثم أو يهتزّ له جفن.. هذا درب الرجال مهما كانت أخطاؤهم، مرّ به من قبله شيخ العروبة عمر المختار وقوافل لا يمكن أن تحصيها أذهان المتساقطين على طريق الحريّة والإنعتاق.. "هيك مرجلة" هيك مرجلة.. أن يبيع الإنسان رجولته وقضايا أمته ويشارك الصهاينة في التمثيل بذكرى وتاريخ رموزها، الذي هو بالضرورة تاريخهم وذكرياتهم أحبّوا ذلك أم كرهوا.. لقد كان صدّام بيت كلّ العرب وعمود خيمتهم وحامي تاج عزّتهم في زمن ظنّ فيه الرجال وخرجت علينا فيه الضباع وبنات آوى من جحورها .. لم يكن شيطانا ولا ملاكا، لم يكن ديمقراطيّا كما يشتهي الإمعات وسقط المتاع و لم يكن مجبولا على الخطيئة ولا معصوما من الخطأ، كان بكلّ بساطة مثلنا تماما يغضب ويفرح، يكره ويحب، يخطئ ويصيب، يقسو ويرحم، يبكي ويضحك.. وكان بيته بيتنا بكلّ تناقضاته ومفارقاته، ببنيانه ودعائمه وجدرانه ما تداعى منها وما وقف صامدا، ثابتا، يشهد علينا وعلى زمننا الذي جنيناه على أنفسنا أو الذي جناه علينا أعداؤنا.. ولكنّه كان أكثرنا عروبة ووطنيّة وحبا للأمّة ولفلسطين وأشدّنا حسما مع الأعداء من الصهاينة والعنصريّين احفاد بلفور وموسيليني الذين لم يتجرؤا على الرغم من عماراتهم التي رفعوها على جماجم الفقراء من الشعوب، أن يخرجوا مسلسلات عن بيوتهم وأوكارهم التي تشبعت واجهاتها بدماء الإنسانية.. لم نسمع عن دراما تحكي عذابات المقهورين والمبادين جماعيّا في "بيت موسيليني " و "بيت تشرشر " و" بيت ديغول" و "بيت ايزنهاور" و "بيت البوشين الوضيع والاكثر وضاعة منه" هذه البيوت التي خطّط فيها لنهب الشعوب واستباحة مقدراتها وسرقة تاريخها وآثارها" في حين لم يتردّد الإمّعات في فتح بيوتنا للأعداء، ومشاركتهم في دقّ إسفينهم المسموم في جدرانها وإعمال معاولهم في أساساتها خدمة لحقد أسيادهم و جشعهم الذي لا ينتهي. لم يمثّلوا إذ مثّلوا، ولكن مثّل بهم! بقي علينا أن نوضّح أنّنا في حديثنا لم نقصد التمثيل بمعنى تقمّص الأدوار وتجسيم الأحداث الاجتماعية والسياسيّة وهو المفهوم الفنّي السينمائي، لأنّ ما قصدناه بالتمثيل هو ما ذهب إليه المفكّر الفلسطيني إدوارد سعيد باعتباره إنشاء للآخر لا بوصفه حقيقته واقعيّة وموضوعيّة متجلية في التاريخ، وإنّما طبقا لما تتصوره وتتخيله الذات المنشئة المحكومة بأحكام مسبقة ..وبين المفهومين فرق لا أظنّ أنّ ممثلنا الصاعد ولا مخرجنا الواعد ولا غيرهما من "الكومبارسات "المأجورة والموتورة المنبتّة الفاقدة لشرف الانتماء لهذه الأمّة قادرون على فهمه، فكيف بإمكاننا إقناعهم أنّهم "لم يمثّلوا إذ مثّلوا، ولكن مثّل بهم إذ مثّلوا "، فالتمثيل الإنشائي غير التمثيل التقمّصي. لأنّ الأوّل يسعى للتنميط والاختزال، أمّا الثاني فيسعى للتقريب والتجسيم والإثراء، الأوّل تمثيل استعماري عنصري والثاني فنّ إنساني نبيل .. لكلّ ذلك نقول إنّ الممثّلين التونسيين الذين شاركوا في هذا العمل العنصري الذي يستهدف تشويه الشخصيّة العربيّة عموما عبر تشويه النموذج والمثال (العيّنة)، في الحقيقة، يستدعون الشفقة لسببين : الأوّل لأنّه وقع التمثيل بهم و تحقيرهم وامتهان شخصياتهم الحضاريّة في الوقت الذي ظنّوا فيه أنّهم يعبرون إلى سماء النجوميّة والشهرة، والسبب الثاني لأن حصاد مشاركتهم في السلسلة كان فعلا هزيلا وهامشيّا اتساقا مع الصورة النمطيّة الثابتة التي لا تقبل أن يكون الشرقيّ صاحب دور حضاريّ إنسانيّ فاعل ومؤثر ومركزيّ حتّى ولو كان دورا سلبيّا، فغاية ما يسعفه به عقله البسيط الساذج واستعداداته الغرائزيّة المتخلفة الحيوانيّة هو أن يكون "كومبارسا" في مسيرة الحضارة الإنسانّيّة، لنلاحظ إن دور البطولة حتى في أبعاده السلبيّة (صدّام البطل المأزوم "العصابي "رغم كلّ ما فعله، ولعلّ سرّ صموده أمام محققيه وجلاديه ولحظة إعدامه لا تعود لشخصيته العربيّة القويّة ووطنيته وإنّما تعود لأسباب نفسيّة مرضيّة وإلى عقد كبت وحرمان ، وهذا التفسير الإستشراقي العنصري نفسه الذي فسّر به المستشرقون عبقريّة وفرادة شخصيّة الرسول صلى الله عليه وسلّم، وهو عينه الذي تبنته بعض الأنظمة العربيّة من خلال نعتها الجنود الذين أقدموا على تنفيذ عمليات حدوديّة ضدّ الصهاينة بالاضطراب النفسي والجنون)، قلنا أنّ دور البطولة لم يسند إلى ممثّل عربي أو تونسي لأنّه لا يستحقه، بل أسند إلى ممثل صهيوني، فهم وحدهم يستحقّون المركز أمّا نحن فلا مكان نستحقّه في رأيهم غير الهامش !!لا شيء غير الهامش ليس بعيدا عن المكان الذي تحتلّه الديدان أو السحالي أو الزواحف في سلّم ارتقاء الكائنات، هذا مارتضاه لنا بعض الآخر وما كاد يقنعنا به بعض أبناء جلدتنا.