انطلاق امتحانات ''البكالوريا التجريبية'' اليوم بمشاركة أكثر من 143 ألف تلميذ    بوفيشة: احتراق شاحنة يخلف وفاة السائق وإصابة مرافقه    لدى تلقيه مكالمة هاتفية من السوداني..سعيد يجدد دعم تونس لفلسطين ويدعو لوحدة الموقف العربي    العثور على جثث 13 موظفا من منجم للذهب في بيرو    ترامب يأمر بفرض رسوم بنسبة 100% على الأفلام غير الأمريكية    حصيلة المشاركة التونسية في البطولة العربية لألعاب القوى بالجزائر: 19 ميدالية....    ترتيب لاعبات التنس المحترفات: انس جابر تتراجع..    من الثلاثاء إلى الخميس: انقطاع مياه الشرب في هذه المناطق بالضاحية الجنوبية للعاصمة    الرحيلي: الأمطار الأخيرة أنقذت السدود... لكن المشاكل الهيكلية مستمرة    طقس اليوم: أمطار متفرقة والحرارة في انخفاض طفيف    باكستان تصعد حظرها التجاري ضد الهند    سوريا.. انفجار الوضع في السويداء مجددا.. اشتباكات وقصف ب"الهاون"    بيان للهيئة الوطنية للمحامين حول واقعة تعذيب تلميذ بسجن بنزرت    بوسالم.. فلاحون يطالبون بصيانة و فتح مركز تجميع الحبوب بمنطقة المرجى    معرض تونس الدولي للكتاب: الناشرون العرب يشيدون بثقافة الجمهور التونسي رغم التحديات الاقتصادية    بورصة تونس تحتل المرتبة الثانية عربيا من حيث الأداء بنسبة 10.25 بالمائة    كأس تونس لكرة اليد : الترجي يُقصي الإفريقي ويتأهل للنهائي    الرابطة الثانية (الجولة العاشرة إيابا)    البطولة العربية لألعاب القوى للأكابر والكبريات: 3 ذهبيات جديدة للمشاركة التونسية في اليوم الختامي    الإسناد اليمني لا يتخلّى عن فلسطين ... صاروخ بالستي يشلّ مطار بن غوريون    اليوم آخر أجل لخلاص معلوم الجولان    الأنور المرزوقي ينقل كلمة بودربالة في اجتماع الاتحاد البرلماني العربي .. تنديد بجرائم الاحتلال ودعوة الى تحرّك عربي موحد    وزارة العدل توضّح    رئيس اتحاد الناشرين التونسيين.. إقبال محترم على معرض الكتاب    بوشبكة.. حجز أجهزة إتصال متطورة لدى اجنبي اجتاز الحدود بطريقة غير قانونية    معرض تونس الدولي للكتاب يوضّح بخصوص إلزام الناشرين غير التونسيين بإرجاع الكتب عبر المسالك الديوانية    إحباط هجوم بالمتفجرات على حفل ليدي غاغا'المليوني'    الليلة: أمطار متفرقة والحرارة تتراوح بين 25 و29 درجة    دخل فرعا بنكيا لتحويلها.. حجز عملة أجنبية مدلسة بحوزة شخص    قابس.. حوالي 62 ألف رأس غنم لعيد الأضحى    ثنائية مبابي تقود ريال مدريد لمواصلة الضغط على برشلونة المتصدر بالفوز 3-2 على سيلتا فيغو    الصالون المتوسطي للبناء "ميديبات 2025": فرصة لدعم الشراكة والانفتاح على التكنولوجيات الحديثة والمستدامة    انتفاخ إصبع القدم الكبير...أسباب عديدة وبعضها خطير    هام/ بالأرقام..هذا عدد السيارات التي تم ترويجها في تونس خلال الثلاثي الأول من 2025..    إلى أواخر أفريل 2025: رفع أكثر من 36 ألف مخالفة اقتصادية وحجز 1575 طنا من المواد الغذائية..    الفول الأخضر: لن تتوقّع فوائده    تونس في معرض "سيال" كندا الدولي للإبتكار الغذائي: المنتوجات المحلية تغزو أمريكا الشمالية    إذاعة المنستير تنعى الإذاعي الراحل البُخاري بن صالح    خطير/كانا يعتزمان تهريبها إلى دولة مجاورة: إيقاف امرأة وابنها بحوزتهما أدوية مدعمة..    زلزالان بقوة 5.4 يضربان هذه المنطقة..#خبر_عاجل    هام/ توفر أكثر من 90 ألف خروف لعيد الاضحى بهذه الولاية..    النفيضة: حجز كميات من العلف الفاسد وإصدار 9 بطاقات إيداع بالسجن    برنامج مباريات اليوم والنقل التلفزي    تنبيه/ انقطاع التيار الكهربائي اليوم بهذه الولايات..#خبر_عاجل    الاطاحة بتلميذين بصدد سرقة الأسلاك النحاسية من مؤسسة تربوية..!    الدورة الاولى لصالون المرضى يومي 16 و17 ماي بقصر المؤتمرات بتونس العاصمة    بطولة فرنسا - باريس يخسر من ستراسبورغ مع استمرار احتفالات تتويجه باللقب    سوسة: الإعلامي البخاري بن صالح في ذمة الله    لبلبة تكشف تفاصيل الحالة الصحية للفنان عادل إمام    كارول سماحة تنعي زوجها بكلمات مؤثرة    هند صبري: ''أخيرا إنتهى شهر أفريل''    قبل عيد الأضحى: وزارة الفلاحة تحذّر من أمراض تهدد الأضاحي وتصدر هذه التوصيات    صُدفة.. اكتشاف أثري خلال أشغال بناء مستشفى بهذه الجهة    تونس: مواطنة أوروبية تعلن إسلامها بمكتب سماحة مفتي الجمهورية    الأشهر الحرم: فضائلها وأحكامها في ضوء القرآن والسنة    خطبة الجمعة .. العمل عبادة في الإسلام    ملف الأسبوع.. تَجَنُّبوا الأسماءِ المَكروهةِ معانِيها .. اتّقوا الله في ذرّياتكم    أولا وأخيرا: أم القضايا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الصادق المهدي : يا أهل القبلة: تعالوا إلى كلمة سواء

ما من ديانة اجتمعت لأمتها عناصر الوحدة مثلما اجتمعت للأمة الإسلامية. فكتابها واحد نصه محفوظ، ورسولها واحد ثابت تاريخيا، وتاريخها مدون لا مثل ديانات أخرى غارقة في الضبابية. ومع ذلك فالأمة مفرقة.
تفرق المذاهب نتيجة حتمية للاجتهاد لاستنباط الأحكام، اجتهاد كان ولا زال وسيظل دليل عافية. والمذاهب الأشهر: حنفي مالكي شافعي حنبلي جعفري زيدي ظاهري وأباضي، متقاربة وباختلافاتها رحمة للأمة.
أهم جدليات الاختلافات الفكروية: جدلية الظاهر والباطن والنقلي والعقلي والسنة والشيعة. الجدليتان الأوليتان أدتا لنشأة فرق ومدارس كثيرة وستتكاثر اجتهاداتها مع الحرية. ولكن الثالثة مصدر تفرق اختلط بصراع السلطة والسياسة، وببدايته أدى لأوائل المعارك التي فرقت كلمة صحابة النبي، صلى الله عليه وسلم، رضي الله عنهم جميعا، وأورثت فتنة ما زالت قابلة للاشتعال.
همّ النبي، صلى الله عليه وسلم، لدى احتضاره بكتابة وصية كما روى بعض الصحابة، ولكنهم اختلفوا حول ذلك. وهنالك روايات أنه بغدير خم وقبل ذلك، وبعده أوصى لابن عمه علي. صحابة آخرون أنكروها.
وبسقيفة بني ساعدة همّ الأنصار بمبايعة سعد بن عبادة، ولكن عمر بايع أبا بكر الصديق فصار الخليفة الأول، وأعقبه عمر ثم عثمان. وبعد مقتل عثمان وقعت الفتنة الكبرى وما تلاها من أحداث أفرزت موقفين:
أهل السنة أقروا بشرعية حادثة السقيفة وما تلاها من ولايات وعهود (الأموي، والعباسي، والعثماني) أو سلموا لواقع العهود على أساس ولاية المتغلب.
الموقف الآخر رفض هذا التسلسل، واعتبر الخلافة الوحيدة الصحيحة لعلي بن أبي طالب. معتبرا عترة النبي، صلى الله عليه وسلم، أساساً لشرعية الولاية، وآل البيت هم علي وولداه من فاطمة بنت محمد، صلى الله عليه وسلم، والولاية إمامة مسلسلة من علي لابنه الحسن، ثم ابنه الحسين، ثم ابن الحسين علي زين العابدين للحفيد السابع عند السبعية. وللحفيد الثاني عشر عند الاثني عشرية: محمد الحسن العسكري الذي اختفى ويعود مهديا. وهناك فرقة شيعية ثالثة: الزيدية. هذا أقام ولاءً روحيا لأئمة بلا سلطة زمانية، فخلق توترا مستمرا بالمجتمع المسلم. وحاول المأمون إزالته باختيار الإمام الشيعي علي الرضا خليفته، ولكن المعادلة واجهت معارضة فأخفقت.
الاتجاه الشيعي قام بدور معارضة للسلطة بالبلدان التي تغلب فيها السنة. وبالمغرب أسس السبعية الدولة الفاطمية التي تمددت وتمركزت بمصر وأسست أول جامعة إسلامية: الأزهر الشريف. والزيدية أقامت دولة باليمن. أما الاثنا عشرية، فقد كان لها وجود مهم بعدد من البلدان العربية وتبنتها الدولة الصفوية بإيران.
وفي القرن الخامس عشر الميلادي تعاصرت دولتان عظميان: العثمانية السنية بتركيا، والصفوية الشيعية بإيران، وتنافستا ودخلتا في حروب ساخنة وباردة وواصلتا النزاع الموروث بصورة حادة، ورسخت بالأذهان والثقافة والسياسة تسميات إقصائية، فالشيعة لدى أهل السنة روافض، والسنة لدى الشيعة نواصب. والأمة ضحية سجال ساخن بينهما!.
هكذا ارتبط التسنن، والتشيع برؤى فكرية مرتكزة على خلافات الصدر الأول التاريخية ومتنافسة على السلطان.
الدول التي غلب عليها السنة اضطهدت مواطنيها الشيعة، والعكس صحيح. وكانت العلاقة بينهما قائمة على التنافر والتخوين والتكفير، تنافر في الكيانات والدول استقر على توازن بارد حينا وساخن أحيانا. ومنذ سبعينيات القرن العشرين مال التوازن نحو الشيعة الاثني عشرية للآتي:
أولا: الثورة الإسلامية الإيرانية وضعت المؤسسة الشيعية بقيادة آية الله الخميني في السلطة.
ثانيا: انطلقت حركة تحرير وتمكين للشيعية بلبنان بقيادة حركة أمل ثم بقيادة حزب الله.
ثالثا: اليد العليا بسوريا ذات الأغلبية السنية للطائفة العلوية. وبرغم اختلافها مع الشيعة، إلا أنها أقرب لهم منها للسنة.
رابعا: كانت الغلبة بالنظام العبثي العراقي للسنة، ولكن التطورات بعد إطاحته صارت للشيعة.
احتل الانبعاث الشيعي مكانة شعبية إسلامية عامة بسبب التصدي الإيراني للولايات المتحدة وإسرائيل والأداء الجهادي المميز لحزب الله بمواجهة إسرائيل.
هذه العوامل أثارت مخاوف لدى بعض الدول السنية، مخاوف استغلتها الولايات المتحدة بحملتها ضد البرنامج النووي الإيراني واستغلتها إسرائيل.
صحيح الدول والكيانات السياسية بالمنطقة ليست مستغرقة في الصفة السنية أو الشيعية، فالأمر أكثر تعقيدا. ولكن أحداث العراق ولبنان حاليا أبرزت هذا الاصطفاف أكثر من أي وقت مضى. اصطفاف يدمر مصالح الأمة الإسلامية الحيوية ويفرض على المنطقة أولويات تطغى على قضاياها الحيوية مثل قضية الاحتلال، والقضية الفلسطينية وترهن حاضر الأمة ومستقبلها نهائيا لبقع سوداء بماضيها.
هذه طامة كبرى توجب اهتمام أصحاب القرار والعلماء والمفكرين والتصدي لها بجدية وإحاطة، بدءا بإبرام ميثاق كالآتي:
أولا: كتابنا واحد ونبينا واحد، ونلتزم بقطعيات الوحي التي نقر جميعا بها. وما دون ذلك أمور اجتهادية لا تلزم بعضنا بعضا. ويكون النقد المتبادل على سنة المقولة العمرية: رحم الله امرأً أهدى إليّ عيوبي. بلا سب أو تجريح.
ثانيا: الخلافات التي ضربت الأمة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، حقيقة تاريخية نقر بوجودها وباختلافنا حول حيثياتها وتفسيراتها ونعذر بعضنا الآخر حولها ونرفع أمرها لله: «اللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ».
ثالثا: عقيدة المهدي محل خلاف نعذر بعضنا الآخر فيها ونرفع أمرها لله «ثُمَّ إِلَى رَبِّكُم مَّرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ». ومع ذلك نتفق جميعا أن بالأمة خيرًا باقيا وتطلعا مشروعا يبسط العدل والرخاء والرضا بسطاً شاملا وعدا حقا: «وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ».. هذه المهمة أو الوظيفة تجتمع فيها أشواق الأمة.
رابعا: نلتزم جميعا بكفالة كرامة الإنسان وحريته وحرمة نفسه وماله وبالسعي لإقامة الحكم على العدالة، والمشاركة، والمساءلة فهذه من مقاصد الشريعة.
خامسا: التنمية الهادفة للاستثمار والتعمير وتحقيق العدالة الاجتماعية بين الناس من مقاصد الشريعة الملزمة للكافة.
سادسا: أهل الأديان الأخرى أخوتنا في الإنسانية ونلتزم معهم بالاحترام المتبادل والتعاون لدعم المعاني الروحية والخلقية المشتركة ونخاطبهم بالتوجيه الرباني «ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ».
سابعا: نقيم العلاقات مع الدول الأخرى على أساس «لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ»، ونواجه من يعادينا على أساس «إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ». بهذه الضوابط الربانية نسعى لتعاون أممي شامل يدعم السلام العادل، والتعاون الدولي، في ظل الإخاء الإنساني.
الفتنة المطلة علينا معادلة صفرية فيها خسارة لطرفيها وليس فيها رابح. هذا النداء لدرئها واجب ديني ووطني، بل وإنساني نأثم جميعا إذا تركنا الفتنة تدمر مصيرنا. وسأقدم اقتراحا عمليا بآلية للميثاق ولمتابعته.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.