يحب الامير بندر بن سلطان الثقافة الامريكية، وهو من بين امور اخرى من المدمنين على تناول »بيرغر« ماكدونالد. لذا، هو يقدر ايضا القول الذي يتردد على ألسنة البعض هذه الايام وهو: عندما تعاني ادارة بوش من ازمة ما في الشرق الاوسط تتجه لبندر لاصلاح الامر. وربما ليس من المبالغة القول ان تأثير الامير السعودي على اتجاه السياسة الامريكية في الشرق الاوسط بات موازيا لتأثير وزيرة الخارجية الامريكية كوندوليزا رايس. وفي مقال آخر كتبه في ال »نيويوركر«، يقول سيمور هيرش ان عملية اعادة تحديد الاتجاه في الاستراتيجية الامريكية، التي تضمنت نشاطات سرية، دفعت الولاياتالمتحدة اكثر نحو مواجهة مفتوحة مع ايران وفي بعض اجزاء المنطقة بل وادخلتها في الصراع الطائفي الدائر بين المسلمين السُنة والشيعة. ويضيف هيرش ان اللاعبين الاساسيين الذين وقفوا وراء اعادة الاتجاه في هذه الاستراتيجية هم: ديك تشيني نائب الرئيس، اليوت ابرامز من مجلس الامن القومي الامريكي، زلماي خليل زاد السفير الامريكي في العراق والامير بندر ولا تتضمن هذه القائمة اسم رايس. واذا كان ما يعنيه هذا الامر ليس واضحا تماما بعد، الا ان ما امكن معرفته حتى الآن هو ان السعوديين نجحوا على نحو مميز في اصلاح الضرر الذي لحق بعلاقاتهم الدبلوماسية بأمريكا بعد هجمات 9/11، وان ادارة الرئيس بوش بدأت تتطلع نحو الملك عبدالله للقيام بدور ايجابي اكثر في دعم السياسات الامريكية بالشرق الاوسط. وبالطبع، رحب السعوديون بهذا الدور، وتصادف هذا مع مغادرة الامير بندر واشنطن، بعد ان عمل فيها سفيرا لبلاده ل 22 سنة، ليصبح مستشارا للملك عبدالله لشؤون الامن الوطني. ولو اخذنا خبرة بندر الواسعة بعين الاعتبار لأمكن لنا القول ان هذا المنصب يجعل منه وزيرا للخارجية على اساس الامر الواقع. واذا كان من الصعب معرفة دور بندر الدقيق داخل المؤسسة السياسية في المملكة، الا انه كان على الدوام من اول المهتمين بسياسة بلاده الخارجية. وفي هذا الاطار، عقد بندر منذ بداية عام 2007 ثلاثة اجتماعات مع نظيره الايراني علي لاريجاني لتخفيف حدة التوتر في لبنان وفي الاراضي الفلسطينية المحتلة باعتبار حزب الله اللبناني وحركة حماس الفلسطينية من حلفاء ايران. وكان هدف تلك الاجتماعات ايضا تهدئة التوتر السني الشيعي في العراق ومنعه من الامتداد الى كامل المنطقة. والواقع ان من الاشياء التي تجعل بندر »مقاولا من الباطن« لا يستطيع الرئيس بوش الاستغناء عنه، هو قدرته على التحدث مباشرة مع المسؤولين الايرانيين ومع »حماس« وحزب الله، وهو في هذا على عكس رايس، التي كبلتها السياسة الامريكية، ومنعتها من القيام بهذا الدور. ولا شك ان بندر قام بعمل غير عادي عندما كان سفيرا لبلاده في واشنطن، فقد لعب دورا في معالجة العديد من الازمات الدولية، واقام علاقات استثنائية مع سماسرة السلطة في واشنطن، ويعتبر اسرة بوش وتشيني من اصدقائه الشخصيين كما اكتسب بندر سمعة طيبة في امريكا لمساعدته واشنطن عندما تكون بحاجة له. فقد لعب دورا رئيسيا، على سبيل المثال، في انهاء خلاف امريكا مع ليبيا حول مسألة »لكيربي« ودفع العقيد القذافي فيما بعد للتخلي عن الارهاب وبرنامج اسلحته النووية. وكان هذا واحدا من النجاحات الواضحة القليلة لادارة بوش في الشرق الاوسط. وطبقا لكتاب بوب ودورد، الصادر عام 1987 تحت عنوان »الستار«، تعاون مستشار الرئيس رونالد ريغان لشؤون الامن القومي مع بندر بارسال اموال امريكية بما يعادل ملايين الدولارات لثوار الكونتراس في نيكاراغوا. ويزعم الكتاب ايضا ان الاستخبارات المركزية طلبت من بندر تقديم مليوني دولار لمنع الشيوعيين من الوصول الى السلطة في ايطاليا. لكن اذا كان السعوديون يريدون حد نفوذ ايران في المنطقة، وتعزيز دورهم كمدافعين عن القضايا الاسلامية، الا ان هناك عددا من الاسئلة يتعين طرحها هنا وهي: هل تشترك المملكة العربية السعودية وامريكا في نفس المصالح؟ وهل تتفقان على الوسائل؟ ومن سيؤثر على الآخر ايجابيا أو سلبيا؟ وهل يتمكن بندر من منع بوش من القيام بمغامرات جديدة في الشرق الاوسط؟ وما احتمال ان يعطي الاضطراب، الذي تعاني منه الادارة الامريكية حول كيفية العمل، الامير بندر نفوذا مفرطا غير ملائم يؤدي لاتخاذ خطوات جريئة قد تندم عليها الولاياتالمتحدة بعد ذلك؟ لقد كان دور بندر في اتفاق مكة الاخير مثيرا فعلا. فقد امضت كوندوليزا رايس اشهرا من قبل في ترتيب اجتماع قمة يجمع ايهود اولمرت رئيس الحكومة الاسرائيلية بالرئيس الفلسطيني محمود عباس بهدف استئناف المفاوضات حول التسوية النهائية بين الفلسطينيين والاسرائيليين. وعلى الرغم من ان تلك الجهود حظيت بتأييد قوي من جانب العديد من حلفاء امريكا، وعلى الاخص منهم الاردن، الا ان تشيني، صديق بندر، لم يكن متحمسا لها. لكن، قبل اسبوع من قمة مكة، نجحت السعودية بمباركة ايرانية على ما يبدو في ابرام اتفاق وحدة وطنية فلسطينية بين عباس وحماس. هذا الاتفاق الذي يضع حركة فتح، التي يقودها عباس في نفس حكومة حماس التي تنادي بتدمير اسرائيل، ابعد الرياح عن اشرعة سفينة رايس.