فتح قنوات دبلوماسية مع بيونج يانج وطهران ودمشق.. بذل المزيد من الجهد لحل مشكلة السلام بالشرق الأوسط.. محاولة جذب عقول وقلوب اللاتينيين، وسائل أقر مسئولون أمريكيون سابقون وحاليون بأهمية تحقيقها بعد إخفاق السياسة التي دأبت واشنطن على انتهاجها خلال السنوات الأخيرة. وأشار عدد من الصحف البريطانية والأمريكية الصادرة اليوم الأحد إلى تحول السياسة الأمريكية التي أثر فيها رحيل عدد من صقور الإدارة الأمريكية، وازدياد المعارضة داخل الكونجرس الأمريكي، وتدني شعبية الرئيس الأمريكي بوش، وإدراك واشنطن لترابط الصراعات المتفجرة في الشرق الأوسط. وفي تصريح لصحيفة "ذا واشنطن بوست صنداي" الأمريكية اعترف مسئول رفيع المستوى بإدارة بوش قائلا: "بعدما رأينا من حقيقة الأمر، أعتقد أننا تباطأنا في تبني مثل تلك الوسائل". مضيفا: "أستطيع أن أؤكد أن مشاكل الساحة العالمية وعلى رأسها كوريا الشمالية وإيران لن تحل إلا من طاولة المفاوضات". كما أشار الصحفي بصحيفة لوس أنجلوس تايمز الأمريكية نيكولاس كي جفوزدك في مقاله اليوم إلى أنه "تعد تحولات بوش بمثابة الاعتراف بأن الولاياتالمتحدة لن تنجح دبلوماسيا ما لم تتبن طرقا أكثر جدية في التعامل مع متطلبات الدول الأخرى". مضيفا: "ما قيل إنه ائتلاف تم تشكيله لتحسين الوضع في العراق، لم يغير شيئا حتى الآن مع دخول الحرب عامها الخامس". وأرجعت العديد من المصادر التحول في السياسة الخارجية الأمريكية إلى رحيل صقور الإدارة الأمريكية. وقال مستشار وزيرة الخارجية الأمريكية السابق أستاذ التاريخ الحالي بجامعة فيرجينيا الأمريكية فيليب زيلكو لصحيفة "ذا واشنطن بوست صنداي": "إن من الإدارة الأمريكية جعل التحول في السياسة سهلا". وتابع: "إن التغيير الذي لحق بالبنتاجون (وزارة الدفاع الأمريكية) كان له التأثير الأقوى". وبحسب الصحيفة فإن زيلكو كان يشير إلى وزير الدفاع السابق دونالد رامسفيلد. حيث يرى عدد من الدبلوماسيين والمسئولين أن رامسفيلد كان دائم التدخل في صناعة السياسة الخارجية، مضيفين أنه كان أحد الذين أصروا على رفض التفاوض مع طهران وبيونج يانج، بدعوى أن التفاوض معهما "سيقابله رد فعل سلبي". وأشار مسئولون إلى أن خليفة رامسفيلد روبرت جيتس قلص من العوائق التي تقف في طريق التحول نحو حوار دبلوماسي، مؤكدين أن جيتسكان حليف وزيرة الخارجية كونداليزا رايس في السابق، وعمل جاهدا على تبني طرق الحوار مع إيران، واصفين إياه ب"لاعب فريق الواقعية، ولديه القدرة على تعزيز ما تهدف إليه رايسداخل إدارتها". كما أرجع محللون ذلك التحول في سياسيات الإدارة الأمريكية إلى التقييمات الفاشلة للجمهوريين التي سبقت انتخابات التجديد النصفي للكونجرس في نوفمبر الماضي، ونمو المعارضة داخل الكونجرس لسياسة بوش الخارجية، خاصة في العراق. وقال مسئول سابق رفض كشف هويته: "لقد سقطت شعبيتنا بسبب تلك الحرب التي لم ترق لأحد، والتي على وشك دخولها عامها الخامس". وأكد مضيفا: "إن المعارضة الأخيرة لإرسال قوات إضافية للعراق دلت بشكل كبير على سقوط تلك الشعبية"، وتابع: "لقد وافق 35% على إرسال القوات الإضافية في مطلع مارس الجاري. لقد أخذنا 20 شهراحتى استطعنا أن نرسل المزيد". واعترف المبعوث الأمريكي السابق لإعادة بناء أفغانستان جيمس دوبنز بأن بوش "كان يسعى جاهدا لزيادة معدلات التصويت لصالح قراره". مضيفا لصحيفة "تايمز" البريطانية: "بقي على انتخابات الرئاسة الأمريكية أقل من عام ونصف، والجميع داخل الإدارة الحالية يدركون أنهم في ورطة"، واستطرد: "الجميع يدرك أهمية التخلي عن المواقف السابقة، الكل يبحث عن طرق جديدة ليثبتوا أنهم لا يزالون مناسبين وأن أمامهم مجالا للإنجاز". نقاط مشتركة من ناحية أخرى، لاحظ دبلوماسيون أن واشنطن صارت تلتفت إلى نصائح حلفائها المقربين في الشرق الأوسط، وذلك لتحريك عجلة عملية السلام المتوقفة. وقال مسئول عربي بارز: "لم يكن هناك أي عملية سلام منذ عام 2000، لكن الإدارة الأمريكية حاليا بدأت تتفهم الوضع"، وأضاف: "بدأت الإدارة تصل بين نقاط الأزمات المختلفة في الشرق الأوسط". وقامت رايس بدراسة الجهود التي بذلت في الشرق الأوسط خلال السنوات الماضية لإحلال عملية السلام، خاصة تلك التي قام بها الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون، بحسب صحيفة "ذا واشنطن بوست". ومن جانبهم، قال مسئولون أوروبيون لصحيفة "لوس أنجلوس تايمز" الأمريكية: "أدركت الإدارة الأمريكية أخيرا أن قضايا العالم العربي متصلة ببعضها؛ ولذلك فإن الجهود التي تقوم بهاواشنطن ستلقى المزيد من الثقة في العالم العربي وأوروبا وغيرهما؛ فالعملية الآن تتحرك في الاتجاه الصحيح". ومن جانبه، قال ريتشارد هاس المسئول السابق في إدارة بوش: "عهد أمريكا في الشرق الأوسط انتهى بسبب الحرب على العراق، والإصرار المستمر على دعم إسرائيل". غير أن عددا آخر من المسئولين بالإدارة الأمريكية ينكرون أن التحول المفاجئ في السياسية الأمريكية نتج عن صعوبة الوضع في العراق وسقوط شعبية بوش، وقال مسئول لصحيفة "ذا واشنطن بوست": "كل شخص يتحدث عن تحول فجائي في السياسة، على العكس، ما يحدث دليل نجاح؛ فالدخول في مفاوضات مع إيران ليس مجرد اندفاع مفاجئ، نحن نبحث عن فرص كبديل لتعزيز التحول في الطريقة. تلك هي الدبلوماسية". وحتى قبل 3 أشهر، كان بوش يصر على أنه لا يوجد سبب للجلوس حول نفس المائدة التي تجلس حولها كل من إيران أو سوريا للحديث بشأن أي موضوع، وذلك ما لم تقوما بخطوة استباقية، في إشارة إلى تقديم إيران تنازلات جوهرية بشأن برنامجها النووي، وإيقاف سوريا تدخلها في لبنان والعراق. كما شهدت المشكلة الكورية انفراجة كبيرة خلال الشهرين الماضيين، بعد 6 أعوام من رفض واشنطن الجلوس حول نفس المائدة التي تجلس حولها الدولة النووية الشيوعية. لكن واشنطن وافقت الشهر الماضي على استئناف المحادثات مع بيونج يانج والتي من المنتظر أن ترفع العقوبات المالية عن العاصمة الكورية الشمالية، كجزء من اتفاق يضع حدا لنشاط بيونج يانج النووي. ومن جانبها أشارت الصحيفة إلى أن المسئولين الكوريين والأمريكيين التقوا الأسبوع الماضي في نيويورك لاستئناف المحادثات حول تطبيع العلاقات. وعلى الصعيد الأمريكي الإيراني السوري، أشارت الصحيفة أنه وبعد أشهر من تبادل الاتهامات والألفاظ المثيرة للحرب، جلس الأمريكيون والسوريون والإيرانيون في حجرة واحدة السبت 10 مارس 2007، في مؤتمر غير مسبوق في محاولة لإيجاد طرق تعمل على إنهاء العنف الطائفي. ومن المقرر أن يعقد مؤتمر إقليمي ثان لدول جوار العراق في إبريل المقبل بإستانبول. وصرح السفير الأمريكي لدى العراق زلماي خليل زاده أن "مؤتمر السبت الذي ضم إيران وسوريا كان بناءً وجادًّا". من ناحية أخرى، أخذت أمريكا اللاتينية موقعا قويا على أجندة السياسة الخارجية الأمريكية، والتي يعتبرها بوش أنها عهد جديد للاقتصاد والرفاهية، ويقوم حاليا بزيارة عدد من الدول اللاتينية في محاولة لجذب عقول وقلوب اليساريين الذين هاجموا سياسته الخارجية.