بدعوة من المرصد الأوروبي للإعلام في لوغانو، جنوب سويسرا، انتظم يومي 16 و17 مارس الجاري ملتقى دولي بحضور خبراء عرب وأوروبيين وأمريكيين خصص لمناقشة دور الإعلام الغربي والعربي في العلاقة بين الغرب والإسلام. النقاش، الذي كان صريحا وموضوعيا من الطرفين، كشف عن عيوب وسائل الإعلام لدى الجانبين، انتهى إلى ضرورة البحث عن "نموذج إعلامي مسؤول ومهني لتفادي تعميق خطر صِدام الحضارات". "هل وسائل الإعلام الغربية تفهم العالم الإسلامي وهل وسائل الإعلام في العالم الإسلامي تفهم الغرب"؟ هذا هو التساؤل الرئيسي الذي حاول الملتقى، الذي احنضنته مدينة لوغانو جنوب سويسرا على مدي يومين الإجابة عليه من خلال مشاركة أكاديميين ورجال إعلام قدموا من عدد من البلدان العربية والغربية. هذا الملتقى الذي سهر على تنظيمه المرصد الأوروبي للإعلام في لوغانو، بمشاركة المدرسة السويسرية للإعلام بلوتسرن وكلية دراسات البحر الأبيض المتوسط بجامعة لوغانو، كان فرصة للتعرف على نتائج أربعة أعمال دراسية استغرق إعدادها أكثر من عام حول دور الإعلام الغربي ومدى فهمه للعالم الإسلامي، ودور الإعلام العربي ومدى فهمه للعالم الغربي، وهل بالإمكان ممارسة إعلام نزيه في زمن الإرهاب؟ وهل يعتبر انتشار الإنترنت في العالمين، الغربي والإسلامي، فرصة للتوعية أم خطرا داهما؟ عن سبب تنظيم هذا الملتقى في هذا الوقت بالذات، يقول مارتشيلو فوا، أحد مؤسسي المرصد الأوروبي للاعلام "لقد عشنا تطورات كبرى في العلاقات بين الغرب والإسلام خلال الأشهر الأخيرة، انطلقت بالرسوم الكاريكاتورية وانتهت بخطاب البابا بينيدكتس السادس في راتيسبورن. كما ظهر جدل بخصوص قناة الجزيرة او سي إين إين، لذلك، قلنا إنه لا يكفي أن نلقي نظرة على مقال من خمسين سطرا لتكوين فكرة عن مشكلة من مشاكل العالم، بل يجب أن نبحث في ما هو أوسع من ذلك وإرغام الصحفيين عل القيام بذلك، وهذا ما دفعنا الى طلب إعداد أربع دراسات قبل عام، عرضت نتائجها في هذا الملتقى". بما أن هذا النقاش دار بين بحاثة وأكاديميين من جهة، وبين محترفي مهنة الصحافة من جهة أخرى، وأنه جمع مشاركين من مصر وتونس والأردن ولبنان لتمثيل إعلام العالمين، العربي والإسلامي من جهة، ومشاركين من المانيا وسويسرا وبريطانيا والولايات المتحدة من جهة أخرى، يرى فيه الدكتور محمد النووي، الأستاذ المساعد في الاتصالات بالجامعة الملكية شارلوت بالولايات المتحدة أنه "يأتي في الوقت المناسب، لأننا نمر بمرحلة صعبة من عدم التواصل بين الشرق والغرب... ولأنه يملأ فجوة قائمة بين تقييم الأكاديميين وتقييم الصحفيين". الحوار الصريح الذي تم بين الطرفين حول دور الإعلام العربي اولإسلامي من جهة، ودور الإعلام الغربي من جهة أخرى، سمح مثلما يقول الخبير الألماني في وسائل الإعلام من جامعة إيرفورت، كاي حافظ ب "توضيح أننا نواجه اليوم مشكلة مشتركة، وهي أن هناك تضارب بين مفهوم الموضوعية والتعددية من الناحية الصحفية المهنية، وبين مفهوم الخبر الجيد كما هو مطبق اليوم". ويضيف كاي حافظ "الموضوعية المهنية، كما أفهمها اليوم، هي إعطاء الجمهور فرصة التعرف على صورة متوازنة لأحداث العالم، ولكن المهنة الصحفية المتبعة اليوم تحدد الخبر الجيد على أنه الخبر السيء او الخبر المثير، وهذا يبدو في نظري تحريفا للمفهوم الأصلي للموضوعية او التعددية. هناك اليوم في خضم الإعلام المتبع، تناسي تعريض وسائل الإعلام للنقد". وفي نقده لوسائل الإعلام يرى كاي حافظ أن "بعض الزملاء في العالم العربي قبلوا ما سمي بالموضوعية التي تفرضها الظروف، بحيث قالوا ما دام العالم الغربي ووسائل إعلامه تقدم صورة منحازة، فمن حقنا أيضا ان نكون منحازين لخلق توازن". وانتهى الخبير الألماني إلى خلاصة مفادها أن "المشكلة أصبحت تكمن في أننا لسنا نعيش في عالم عولمة، لأن الجمهور أصبح يستهلك إعلامه المحلي". أما فرج كامل، الخبير المصري وعميد كلية الإعلام بجامعة الأهرام الكندية، فيرى أن "الإعلام في شكله الخبري، لا يعطي صورة صحيحة في أشياء كثيرة، إذ أنه يهتم بالسلبي"، وقد ذكر في تدخله قولا مأثورا لأحد الصحفيين من سبعين سنة حين قال "لو عض كلب إنسانا، لما كان ذلك خبرا مهما، ولكن لو عض انسان كلبا لتحول ذلك الى خبر مهم جدا". وأضاف فرج كامل "أعتقد ان وسائل الإعلام تنتهج هذا النهج، لذلك، لا نتوقع من الإعلام أن يكون مرآة صادقة لكل ما يحدث في المجتمع، بل هي مرآة مشوهة ولا يجب ان نحكم على الحقيقة من خلال ما يذاع بوسائل الإعلام، لأن الإعلامي يعمل تحت ضغوط شديدة مثل الوقت والمساحة، بالإضافة الى السياسات التحريرية والتوجيه وغيره". مسؤولية الإعلام والإعلاميين في الطرفين تطرق كل من الخبراء العرب والغربيين لتحليل واقع الإعلام في الطرفين كان بطريقة موضوعية وجريئة. فالخبير الألماني في وسائل الاتصال كاي حافظ قال "إن الإعلام من الطرفين يواصل تغطية الأحداث بطريقة تعكس صورة العداوة. وسائل الإعلام الغربية تركز على قضايا تصف الإسلام ليس كدين، بل كإيديولوجية سياسية، أصولية وإرهاب واضطهاد المرأة وتخلف اجتماعي كبير". ويضيف "ووسائل الإعلام العربية والإسلامية تقوم بنفس الشيء فيما يتعلق بالغرب. وإن لم توجد دراسة فعلية معمقة حول هذا الموضوع، فإنه يمكن القول بأن الصورة التي تعطيها وسائل الإعلام العربية والإسلامية عن الغرب هي صورة منحازة، وهذا حتى بالنسبة للجزيرة التي لا تعتبر معادية للغرب بالمفهوم التقليدي". أما محمد النووي، الأستاذ المساعد بجامعة الملكة شارلوت الأمريكية، فيقول "بدون ان ننظر الى الإعلام الغربي بشكل متجانس، يمكن القول ان هناك توافقا كبيرا في النظر الى أن الاعلام الغربي ينظر الى الإسلام والعرب بنظرة نمطية ونظرة منحازة تعتمد على تغذية افكار ليست صحيحة الى حد كبير". أما الصحفي التونسي زياد كريشان فاعتبر أن "تحالف رأس المال الخليجي، وبالأخص من السعودية، مع الإيديولوجية الوهابية ومع توجهات الأخوان المسلمين دفعت الى ظهور تيار إعلامي تبشيري كانت الجزيرة من الرواد فيه"، ويرى كريشان أن "تخصيص قناة الجزيرة بث برنامج الشريعة والحياة في افضل وقت مشاهدة ممكن، يعتبر البرنامج الوحيد الذي لا يخضع للشعار الذي تردده الجزيرة، أي الراي والراي الآخر". من جانبه، انتقد نيكولا جونس من هيئة الإذاعة البريطانية لُجوء وسائل الاعلام البريطانية الى المبالغة في "اختيار العناوين المثيرة والصور المسيئة للمسلمين والإسلام، في الوقت الذي يكون فيه مضمون المقالات موضوعيا"، وهو ما أيدته الباحثة الألمانية من جامعة إيرفورت الألمانية كاترينا نوتسأولد بقولها "ضعف الترجمة الثقافية عند الصحفيين الغربيين فيما يتعلق ببعض معالم الإسلام، كعرض صورة الكعبة في مقال يتحدث عن الإرهاب"، وهذا التباين في الانتقاد والنقد الذاتي، هو ما رأى فيه استاذ العلوم السياسية بجامعة تونس حمادي الرديسي "عبارة عن وجود نفس نقدي من الطرفين". مواصلة النقاش بطرق أخرى منظمو ملتقى لوغانو ومعهم كل المشاركين عبروا عن الارتياح لما تمخض عنه الملتقى من تقييم موضوعي لواقع وسائل الاعلام لدى الطرفين، العربي الإسلامي والغربي، وتوصلوا في ختام أشغال الملتقى إلى قناعة مفادها أن هناك ضرورة للبحث عن أسلوب إعلامي جديد لتفادي تعميق الهوة فيما يعرف بصِدام الحضارات. وأفاد مؤسس المرصد الأوروبي للإعلام وأحد منظمي هذه الندوة مارتشيلو فوا أن "نتائج الملتقى ستُعرض في كتاب، كما ستوضَّع على موقع المعهد على الإنترنت ليستفيد منها البحاثة في هذا المجال". وعما إذا كانت هناك نية لمواصلة النقاش بتنظيم لقاء مماثل على الجانب الآخر، أي في العالم العربي أو الإسلامي، ترك السيد فوا الباب مفتوحا لمثل هذه الإمكانية "إذا ما عرضت جهة من الجهات استضافة هذا النقاش". أستاذ العلوم السياسية بجامعة تونس حمادي الرديسي عبر عن تمنياته بأن يتم ذلك، ولكن مع إشارة (فيما يشبه التحذير) إلى أنه "يا حبذا لو نجد مؤسسات مستقلة مثل المرصد الأوروبي للاعلام الذي استدعانا لهذا الملتقى. لقد شاركت في عدة ندوات في العالم العربي، وصدقني مع كل الاحترام، كثيرا ما تكون هذه الندوات منظمة من قبل أجهزة الدولة او من مصالح قريبة منها او مراقبة منها، وكأننا عالة على حرية الإعلام ولسنا طرفا فيها"، على حد تعبيره.