في الوقت الذي تتوالي فيه توقعات المراقبين وتشير استطلاعات مراكز الأبحاث خارج المغرب إلى أن حزب العدالة والتنمية سيحقق فوزا كبيرا في الانتخابات التشريعية المقررة في السابع من سبتمبر المقبل، يعرب زعيم الحزب سعد الدين العثماني عن تطلع حزبه لأن يصبح "القوة الأولى الفاعلة" في بلاد الأطلسي عقب الاستحقاق الانتخابي. وفي مقابلة خاصة مع إسلام أون لاين.نت لم يخف العثماني (51 عاما) إعجابه بتجربة حزب العدالة والتنمية التركي، وراح يرصد نقاطا مشتركة بين الحزبين، أبرزها "محاربة الفساد السياسي والإداري والمالي" غير أنه يبقي لكل حزب "خصوصيته" لاختلاف الأوضاع في البلدين. وعن أسباب عدم التحالف أو التنسيق مع الأحزاب الإسلامية الأخرى التي تترشح لأول مرة في الانتخابات، أكد العثماني على "انفتاح" العدالة والتنمية على باقي الأحزاب خصوصا ذات التوجهات الإسلامية، غير أنه أرجع عدم نشوء تحالف انتخابي مع الأخيرة إلى عدم مبادرة هذه الأحزاب لطلب ذلك. ونوه في هذا السياق بتحالف نشأ بين حزبه وأحد الأحزاب الصغيرة (القوات المواطنة). أما عن موقف الأحزاب الأخرى اليسارية أو الليبرالية التي عبر عدد من قيادتها عن رفضهم التحالف مع العدالة والتنمية في إطار أي ائتلاف حكومي محتمل، فاعتبر العثماني أن هذه المواقف "المتصلبة" ليست محل إجماع داخل هذه الأحزاب. وبوجه عام أعرب العثماني عن استعداد الحزب للمشاركة في ائتلاف حكومي بعد الانتخابات ولكن وفق شروط من أهمها أن يكون الائتلاف "على أساس برامجي وليس أيديولوجي" بجانب أن يكون اسم رئيس الوزراء الذي سيكلفه الملك بتشكيل الحكومة مقبولا بالنسبة للحزب. وعن رؤيته لموقف الملك محمد السادس من التيار الإسلامي توقع العثماني أن تشهد الفترة المقبلة "تطويرا في العلاقة بين الملك والقوى الفاعلة في البلاد"، في إشارة ضمنية منه -على ما يبدو- إلى حزب العدالة والتنمية. حاليا، لدينا اتفاق تعاون مع حزب "القوات المواطنة" الذي يرأسه شخص وطني، لكننا أيضا في حوار مفتوح مع عدد من الأحزاب، ونتمنى أن نتوصل إلى توافقات معها مستقبلا، لأن التحالف أمر مبدئي وواقعي وضروري، ويستحيل أن تدعي هيئة ما إمكانية القيام بالإصلاحات الضرورية وحدها. ومن هنا ينطلق حزب العدالة والتنمية في برنامجه الإصلاحي من ضرورة الارتكاز على أرضية توافقية صلبة مبنية على ثوابت وطنية، تكون ضمانا للاستقرار وحفظ المصالح العليا للبلاد، ويتم على أساسها التنافس السياسي الشريف وتداول السلطة. وهكذا فإن حزب العدالة والتنمية مستعد من حيث المبدأ للتحالف أو التنسيق مع أي حزب ما دام في ذلك خير الوطن والمواطنين، ومن باب أولى أن يكون ذلك مع الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية، ولم نغلق الباب في وجه أحد، ولا علم لي بانتقادات مما ذكرتم، ولم يتقدم لنا أحد من تلك الأحزاب للتعاون فرفضنا. إن مستوى علاقاتنا مع كل الأحزاب ليس واحدا، فقد نلتقي مع بعضها ونتباعد مع بعضها الآخر. أما المواقف المتصلبة لبعض المسئولين السياسيين فهي ليست محل إجماع داخل هيئاتهم من جهة، وغير مقنعة أيضا للمغاربة الذين يعلمون أن حزب العدالة والتنمية حزب التضامن والديمقراطية والفعل الاجتماعي والوسطية والاعتدال. إن قيادة الحزب في اتصال مستمر ومتواصل مع المواطنين، من خلال عدد من المحطات، سواء في إطار قافلة المصباح التي من خلالها ينظم برلمانيو الحزب زيارات ميدانية ومباشرة للمواطنين، أو من خلال تأطير قيادة الحزب لعدد من اللقاءات المفتوحة التي ينظمها في مختلف الفروع، ونلمس الإقبال المتزايد والمتصاعد للمواطنين، وإعلان عدد من الطاقات والأطر عن رغبتها في الانخراط في الحزب، والرضا المهم لفئات عريضة من المواطنين على أداء البلديات التي يسهر على تسييرها أعضاء الحزب. وتوقعات المتتبعين والمهتمين والمراقبين هي في صالح تقدم حزب العدالة والتنمية بل تترقب صدارته للنتائج. كما أن نتائج كثير من استطلاعات الرأي رغم تحفظنا على منهجية بعضها تتوقع تقدم حزبنا، ومع ذلك لن نركن لمجرد التوقعات بل سنخوض حملتنا بكل حماس وثقة وتطلع نحو المستقبل. ولا بد من الإشارة إلى أن مستقبل البلاد رهن بكون الاستحقاقات الجارية نزيهة، وقادرة على أن تفرز أحزابا وأغلبية حقيقية لها تمثيل على أرض الواقع، وقادرة على القيام بمسؤولية التنمية، وطبعا نتمنى أن نكون من القوى الأولى الفاعلة لتحقيق هذا المستقبل إن شاء الله. مع اقتراب موعد الانتخابات، تتعدد التحليلات داخل وخارج المغرب التي تعقد مقارنات بينكم وبين العدالة والتنمية التركي وتذهب إلى حد وصفكم بأردوغان المغرب.. هل ترون في حزبكم نسخة مكررة من العدالة التركي.. وما هي أوجه الشبه والاختلاف بينكم وبينهم؟ تجمعنا مع حزب العدالة والتنمية التركي علاقات طيبة وودية، ويهمنا تطوير العلاقات الاقتصادية والتجارية بين بلدينا تحقيقا لمستقبل أفضل، لكن لكل منا خصوصيته نظرا لاختلاف أوضاع بلدينا السياسية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها. ونعتبر تجربة حزب العدالة والتنمية التركي تجربة ناجحة، لأنها أسهمت في تطوير الديمقراطية ببلادهم، ولعبوا دورا كبيرا في استقراره السياسي. ويظهر أن النتائج الإيجابية التي حققوها لحد الآن في المجالات الاقتصادية والاجتماعية وتقوية سلطة القانون مشجعة ونتابعها باهتمام بالغ، وليس عندنا مانع من الاستفادة منها، وربما إفادتها إذا اقتضى الحال ذلك، وتبقى بعض نقط الالتقاء بيننا هو التركيز على محاربة الفساد السياسي والإداري والمالي، وتخليق الحياة العامة وجعله أولية في العمل السياسي. كيف تقيمون مواقف جلالة الملك من التيار الإسلامي المغربي عموما ومن حزب العدالة والتنمية خصوصا.. هل ترون أن هذه المواقف والسياسات تسمح بأرضية مشتركة بينكم وبين السلطات تقود إلى تنفيذ أجندتكم؟ أولا تعتبر الملكية من الثوابت التي يقوم عليها المغرب، وهي الإسلام والوحدة الترابية والملكية الدستورية، وتعتبر هذه الأخيرة محل إجماع لدى الشعب المغربي وقواه السياسية، وعلاقة حزب العدالة والتنمية مع جلالة الملك هي نفسها علاقة الملك مع باقي القوى السياسية، وحزبنا لديه قناعة راسخة بضرورة التعاون بين الملك والقوى السياسية، لأن مستقبل المغرب رهين بها، والتاريخ المعاصر خير شاهد على ذلك، فمعركة الاستقلال قادها الملك محمد الخامس وقيادات سياسية أخرى، وفترات الصراع مع الملكية كانت على حساب التنمية والاستقرار في فترة السبعينيات، وأعتقد أن المرحلة القادمة من التطور في المغرب سوف تحدث تطويرا في العلاقة بين الملكية والقوى الفاعلة في البلاد. هل العدالة والتنمية يتطلع للمشاركة في الحكم (السلطة التنفيذية) لأول مرة أم أن طموحه يتوقف على محاولة التغيير من خلال السلطة التشريعية؟ وهل لديه استعداد للدخول في ائتلاف حاكم مع قوى قد تتعارض توجهاتها مع توجهاته؟ طموح حزب العدالة والتنمية هو الإسهام ما أمكن في نهضة البلاد وتقدمها، وأي موقع سيمكننا من التأثير الإيجابي لصالح بلدنا فلن نتردد من ولوجه، ولا يجوز لنا تفويت فرصة لذلك، إلا إذا كان سيؤدي إلى نتائج عكسية في مرحلة معينة، ولدينا بطبيعة الحال شروط للمشاركة في ائتلاف حكومي حتى نضمن نجاحها في تقديرنا، ونرى أن التحالفات الحكومية ينبغي أن تكون على أساس برنامجي وليس إيديولوجي. سيرتبط قرارنا بعدد من المعطيات منها نتائج الانتخابات المقبلة، ومن هو الوزير الأول الذي سيتم تكليفه من قبل جلالة الملك، ثم المناصب الحكومية التي يتم الاتفاق عليها. ومشاركتنا في حكومة ما بعد 2007 غير مستبعدة، لكن البقاء في المعارضة غير مستبعد أيضا. فنحن نريد أن تكون مشاركتنا إيجابية مفيدة، لا صورية مضيعة للوقت والجهد. تناقلت بعض الأوساط أخبار غاضبين من حزبكم توجهوا إلى أحزاب أخرى وخاصة حزب النهضة والفضيلة، هل يزعجكم ذلك؟ لا يتعدى الأمر ثلاث أو أربع حالات، وهي بالتالي محدودة جدا، ونحن نعتبر أن أي مواطن حر في الانتماء إلى حزب سياسي وفي تغييره، إذا لم يعد مقتنعا بالعمل في صفه. وستبقى علاقاتنا طبعا مع جميع أعضاء الحزب الذين اختاروا إطارات حزبية أخرى علاقة ود واحترام. وأؤكد لكم أن هذه الاستقالات لا تؤثر في حزب العدالة والتنمية وفي حيويته وعمله السياسي المتصاعد. تميزت دورة الولاية الحالية المشرفة على نهايتها بحضور قوي لنساء العدالة والتنمية، هل سيكون حضورهن أقوى بعد 07 سبتمبر؟ طبعا لأنه ما دمنا نترقب ونتوقع نتائج أحسن في الاستحقاقات، فإن ذلك يشمل العنصر النسوي كذلك. ما هي برأيكم أبرز الخطوط العريضة لبرنامجكم؟ لكي أقرب الصورة لكم سأبسط التوجهات الكبرى للبرنامج الانتخابي الذي نتقدم به للمغاربة، وهي ثمانية توجهات تندرج ضمنها مختلف الأولويات والأهداف، وهي: رفع جودة منظومة التعليم والنهوض بالبحث العلمي، وإطلاق دورة جديدة للتنمية الاقتصادية قادرة على توفير فرص شغل وتمكن من مضاعفة الاستثمار، ورفع مردودية وفعالية القطاعات الإنتاجية، وتعزيز الخيار الديمقراطي وتأهيل نظام "الحكامة"، وتقوية منظومة القيم الوطنية وتعزيز الهوية الحضارية الإسلامية للمغرب، ومضاعفة المجهود الوطني في التنمية البشرية بما يحقق أهداف العدالة والاجتماعية، وتثمين وتعزيز التنمية المجالية وصيانة الموارد الطبيعية، وتدعيم السيادة الوطنية وتقوية الإشعاع الخارجي. وقد اخترنا للبرنامج شعارا مركزيا هو: جميعا نبني مغرب العدالة، وذلك بسبب أهمية ومركزية قضية العدالة الاجتماعية في مغرب اليوم. أخيرا.. ما هي أبرز التحديات/التخوفات التي تتوقعونها لحزبكم في المرحلة المقبلة؟ التحديات كثيرة ومتنوعة، منها الداخلي المرتبط بالتطورات الفكرية والتفاعلات التربوية الناتجة عن الابتلاءات التي يتعرض لها أعضاء الحزب في مختلف المراحل. وهناك تحديات خارجية مرتبطة بلوبيات الفساد الذين لا يريدون أن يعيشوا مثل باقي المواطنين.. أيا كان فنحن متفائلون للمراحل المقبلة وللدور الذي سيقوم به الحزب في مستقبل الإصلاحات ببلادنا. *كاتب وباحث سياسي.