لم يكد إضراب جوع كل من مية الجريبي وأحمد نجيب الشابي يدخل أسبوعه الثاني، حتى انطلقت من جديد الآلة الدعائية الحكومية والتجمعية إضافة إلى أحزاب الديكور في حملة عدائية عنيفة ضد المضربين بشكل خاص وضد المعارضة بشكل عام، وطالت حتى مكونات المجتمع المدني والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان. ولأن حكومتنا مازالت إلى حدود اليوم غير قادرة على إدارة الأزمات بشكل جدي ومسؤول ولأن إعلامها لا يجيد تنظيم الحوارات، ناهيك عن المناظرات التلفزيونية، فإن ردة الفعل الحكومية جاءت كعادتها في شكل جوقة سئمها التونسيين، خرجت لتعيد على أسماعنا أغنية الإستقواء بالأجنبي، والدور المشبوه لسفارات أجنبية.الأمر الذي يسترعي بعض التعليقات السريعة على أن نعود إلى الموضوع باكثر تفصيل. أولى هذه النقاط هي مسألة المبدأ، فقبل كل شيئ لسائل أن يسأل هل يحق لحزب ما، أن تكون له علاقات خارجية، ورؤية ديبلوماسية أم لا؟ الإجابة الطبيعية لا يمكن أن تكون إلا بالإيجاب. وهو أمر بديهي لا يحتاج عادة في الديمقراطيات إلى أي تبرير، حيث أن أي حزب معارض، يحترم نفسه، ويعتبر نفسه مشروع بديل عن الحكم القائم، لا بد له من علاقات مع الأطراف الدولية التي سيكون عليه أن يتعامل معها في صورة وصوله إلى الحكم. إذن لماذا كل هذا الإستنفار من الحكومة، واحزاب الديكور الدائرة في فلكها؟ ولماذا كل هذه العدوانية من الناطقين الغير رسميين باسمها ؟ ولماذ حالة الطوارئ الإعلامية الغير معلنة ؟ أحد هؤلاء قال في مقال نشرته إحدى الصحف اليومية ما معناه أنه كان على نجيب الشابي أن يطرد السفير الأمربكي من على باب المقر. نحن إذ نقدر هذه الحمية المعادية للامبريالية الأمريكية التي عادت لتسري في عروق الحكومة والناطقين الغير رسميين باسمها بعد غياب طويل، فإننا نرى أنه كان عليهم قبل كل شيء أن يقولوا هذا للسيد حامد القروي نائب رئيس التجمع، وهو يستقبل نفس السفير الأمريكي يوم 26 جوان الفارط بدار التجمع (انظر الصورة المرافقة)، كما كان عليهم أن يقولوا نفس الشيء لأمين عام التجمع وهو يستقبل نفس السفير يوم 18 أفريل. حيث طلع علينا في حينها الإعلام الحكومي وشبه الحكومي بجمل من نوع : " اعتزاز بالصداقة والتعاون بين البلدين" و " مزيد دعم التعاون الثنائي وتنويع المجالات"، واختفت بقدرة قادر مفرادات الهجاء والشتيمة، ليتأكد من جديد مدى محدودية مصداقية هذه الوسائل الإعلامية، إن صح وصفها كذلك. إذن كان على الناطقين الغير رسميين للحكومة، وكل الذين التحقوا فيما بعد بمواكب النتديد في نشرة الأخبار، أن يبدؤوا بتلقين الدروس في الوطنية لحزبهم العتيد، ماداموا يعتبرون العلاقة بين الأحزاب والهيئات الديبلوماسية خيانة. مما يضعنا أمام احتمالين اثنين، فإما أن التجمع الدستوري الديمقراطي "سوبر حزب" يجوز له ما لا يجوز لغيره من الأحزاب وهو ما تريده الحكومة ويريده هذا الحزب ، وهو أمر لادستوري ولا قانوني نرفض الإعتراف به وقبوله كأمر واقع، وإما – وهو الأرجح – أن الإرتباك الذي تعيشه الجهات الحكومية أمام التعاطف الداخلي والخارجي مع مية الجريبي وأحمد نجيب الشابي لعدالة قضيتهما، يدفع بها إلى ممارسات بليت وتقادمت، أكل عليها الدهر وشرب، وتؤكد أن النظام السياسي في تونس أصبح فعلا ينتمي إلى زمن آخر، حيث لم تعد مثل هذه الممارسة تنطلي على أي كان، حتى أولئك الذين تعودوا على القبض مقابل التصفيق. المضحك المبكي في الأمر، هو أن حكومتنا التي تحاول إعطاءنا دروسا في الوطنية - يعرف القاصي والداني أننا في غنى عنها، ومواقف الحزب من قضايانا الوطنية أكبر دليل على ذلك – تنسى أن بيتها من زجاج أكثر من أي كان، ومن باب الذكر لا الحصر، تجدر الإشارة إلى ما نشره الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون في مذكراته، حيث يشير إلى أنه حاول الحصول على ضغط من الحكومات العربية على الزعيم الراحل ياسر عرفات للقبول بتسوية في مفاوضات كامب دافيد، غير أن تونس والأردن فقط قبلتا بالضعظ على عرفات. والأمثلة على مثل هذا الأمر كثيرة ومتعددة. في الختام لا أذكر أن أحدا في فرنسا اتهم ساركوزي، المرشح للانتخابات الرئاسية الفرنسية، بالخيانة وهو يزور جورج بوش في البيت الأبيض، و لا أحد اتهم المرشحة سيجولين رويال بالتعامل مع السفارات الأجنبية وهي تلتقي برئيس الوزراء الإسباني زاباتيرو، حيث أنه من جوهر العمل السياسي بناء علاقات ديبلوماسية مع شركاء البلاد. أما أن يحتكر الحزب الحاكم تمثيل التونسيين أمام العالم فهو ليس إلا استثناء يحاول هذا الحزب فرضه علينا وعلى العالم ، إلا أننا نرى أن الحزب الديمقراطي التقدمي قادر على تمثيل التونسيين وإيصال صوتهم إلى العالم، ولهذا فنحن لا نخجل من لقاء الهيئات الديبلوماسية مادمنا على ثقة من مواقفنا الوطنية التي لا تخفى على أحد في داخل تونس وخارجها وهي مواقف نحن على قناعة بأنها أقوى من أن تمس بها مثل هذه الحملة، ولا أدل على ذلك من مادة الموقف وبيانات ولوائح الحزب في هذا المجال، بقي سؤال أخير للذين تدفقت في عروقهم معاداة الامبريالية هذه الأيام، من منع الحزب الديمقراطي من إرسال المساعدات الإنسانية لضحايا العدوان الصهيوني على لبنان صيف 2006 ؟ المصدر - جريدة الموقف عدد 422