من الاكيد ان بعض المواقف الاخيرة والاشاعات الخطيرة تستدعي من جميع التونسيين وقفة صارمة مع مضامينها، بعدما تم ضبط اصحابها في حال تلبس مشهود تعفينا من قراءة ما هو بين السطور، اصبح الوضوح محتوما بعدما تجاوزت هذه الاطراف اسلوبها المراوغ والمخاتل والمغالط المعتاد لتكشف دون التباس ما كان مستورا وتؤكد ان اصحاب هذه المواقف مستعدون لارتكاب المحظور في سبيل تحقيق مآربهم الخاصة على حساب مصلحة الوطن. انه سقوط مدو وليس مجرد انزلاق هذا الذي ترجمته الاطروحات التي لا مقدمات لها ولا قرائن تسندها في الواقع وانما هي اطروحات مأجورة يسترزق أصحابها فائضا من الربا السياسي والرياء ايضا!! لقد كنا نعتقد ان المصالح العليا للبلاد لا تحتمل المزايدات ولا بيانات القفز في المجهول ولا فتح الابواب للغول الظلامي لما في ذلك من خطر على التجربة الديموقراطية ذاتها.. ولكن المفارقة الفاجعة ان رهطا ممن يدعون الانتساب الينا داسوا على هذه القاعدة مما اضحى يستوجب منا جميعا، وعلى اختلاف ألواننا، كشف هذا السقوط الرهيب لتخليص القيم النبيلة من براثن المزايدة المكشوفة والمساومة الخسيسة، ومن اجل تعرية اصحاب الاسهم في الاسواق والبورصات السياسية التي تتلاعب بتطلعات الشعوب وامالها المشروعة. ان افراد هذا الرهط الانتهازي يتباكون على الديموقراطية وهم يمعنون في تفخيخ طريقها والتحالف مع شياطينها. ويقيمون المناحات على حقوق الانسان وهم يرفعون النخب مع اكبر الدائسين عليها والكافرين بها. ولئن كنا على قناعة راسخة بأن شعبنا لن يقبل بتحالف الاموات هذا، لانه يدرك بوعيه التاريخي ان المنافق والقادر على استبدال جلده في كل ظرف ومناسبة لا يمكنه الحديث عن القيم النبيلة، وان الذي يلبس معطفه عندما تمطر في بلاد اسياده لا يمكنه الحديث عن الوطنية الاصيلة، وان الذي كذب على نفسه قبل ان يكذب على الاخرين لا يمكنه ان يتعمم بالفضيلة، فان استنفار مخزوننا العقلاني ويقظتنا السياسية اكثر من مطلوبة اليوم بعد اكتشاف هذا المشهد الدرامي الذي يستدعي الرثاء والمتمثل في تحالف يسار «مزطول» بهوس الهروب الى الامام واصولية لا جذور لها في هذه الديار، تحالف يدعونا الى نفي مستقبلنا ورهنه الى مزاجية اصحابه واهدافهم الخاصة. ان المناورة والتكتيك مشروعان في العمل السياسي ولكنهما يتحولان الى ضرب للمصلحة العليا للوطن اذ ما اسيء استخدامهما، واذا ما اصبحا اداة لاجهاض تجربة رائدة في الصلاح والتغيير والبناء والتعمير اثبتت جدارتها وصواب مقاربتها في كل المجالات. كما ان السياسي الذي لا يملك الشعور بالمسؤولية في تعاطيه مع الشأن العام يحكم على نفسه بنفسه بالخروج من الاجماع الوطني ويتحمل وحده وزر ما قد يترتب من نتائج سلوكه الشاذ واللامسؤول. ولاشك ان ما اقدم عليه تحالف الاموات من اختلاق لوقائع وترويج لافتراءات تعدت سقف السياسة لتتنزل في سياق خطاب مشحون بالارهاب، خطاب معصوب العينين يسقط قسرا ما يعشش في فكر اصحابه من سواد على الواقع، لدليل على فقدان البوصلة والوقوف على ارضية اعمدتها رخوة ويكفي اصحابها صك واحد حتى يستبدلوا جلدتهم وينقلبوا مساء على كل الافكار التي كانوا يروجون لها صباحا. انه لتحالف عجيب هذا الذي يجمع بين الذين لا يفقهون في الدين وبين الذين تكشف مسيرتهم جهلهم بالسياسة. ولكنه تحالف رغم ادراكنا لهشاشته لا يعفي الوطنيين الصادقين من مهمة فضحه حماية للوطن ومسيرة التغيير فيه. ان خيار التعددية في بلادنا خيار لا رجعة فيه بالتأكيد. ولكن هذا الخيار يجب ألا ينسينا جميعا القاعدة الكونية وهي انه لا ديموقراطية في غياب سلطة القانون، لان الديموقراطية الحقة لا تعني الفوضى، بل من شروط النجاح في ترسيخها سلوكا وممارسة وثقافة، احترام الجميع لسلطة المؤسسات باعتبارها شرطا لا تستقيم التعددية في غيابه. فاحترامنا للقانون لا يتعارض مع ايماننا بالتعددية والديموقراطية، وانما هذا الاحترام ينطلق من الادراك بأن الحياة السياسية السليمة تستدعي احترام حرمة القوانين وعدم تجاوزها والحرص على ان يكون القانون فوق الجميع. وقراءة سريعة لمجمل مواقف تحالف الاموات تكشف نزوع اطرافه الى الاستهتار بالقوانين المنظمة للحياة السياسية في بلادنا وفي هذا اساءة بليغة لجوهر الممارسة الديموقراطية والتعددية التي ينشدها شعبنا والتي هي حزام امان الاستقرار الذي تنعم به بلادنا وضمان استمراره. لكل هذا نعتبر ان مواقف تحالف الاضداد اراجيف ملغومة تشكل خطرا على تطور حياتنا السياسية القائمة على الحرية والمسؤولية معا.. في رباط لا تنفصم عراه.. تبقى الاشارة الى ان محاولة نقل الحراك السياسي من مجاله المدني الى مجال المقدس محاولة فاشلة اصلا.. لان اسلام التونسيين يبقى اسلاما لا يحرض ولا يكفر ولا ينشر بذور الكراهية والضغينة وانما هو اسلام الايمان والتقوى والموعظة الحسنة.. اسلام لا يوظف لاعتبارات سياسوية رخيصة، اسلام يحظى بالرعاية والمنزلة الرفيعة في عهد صالح البلاد مع كل مكونات هويتها.. تلك الهوية التي بقدر اعتزازها بالجذور لن تتخلى عن وعيها بحتمية الانخراط في مسار الحداثة والتفاعل مع محيطها ومع ثقافات العالم. ان النرجسية، حتى في اتعس حالاتها، وان الانتهازية، حتى في ابغض تجلياتها، وان التحجر الفكري حتى لما يعصف بالعقل، لا يمكن ان تبرر كلها ابدا التشكيك في مقومات هذا الوطن او ان نراهن على تأليب جحافل الظلامية عليه. (*) محامي