“علينا ألا نعتقد بأن النمو سيسير من تلقاء نفسه” بهذه الكلمات، ردّ الرئيس الأمريكي جورج بوش على الأرقام السيئة المتعلقة بالتوظيف التي نشرت مطلع يناير/ كانون الثاني الجاري. ففي ديسمبر/ كانون الأول الماضي خلقت الولاياتالمتحدةالأمريكية 18 ألف وظيفة على الرغم من أن المحللين كانوا يراهنون على خلق 70 ألفاً. أما قطاع البناء الذي تأثر بأزمة الرهن العقاري فقد سرّح 49 ألف عامل. وقضت الصناعة على 31 ألف وظيفة على الرغم من ضعف الدولار وزيادة الصادرات. وفي قطاع الخدمات، ألغت التجارة بالجملة وظائف في عز موسم الأعياد. وتعتبر وتيرة خلق الوظائف هذه الأضعف في الولاياتالمتحدة منذ أغسطس/ آب عام ،2003 عندما خرجت البلاد بالكاد من أزمة فقاعة الانترنت، ودخلت في مستنقع الحرب على العراق. وفي ظل هذه الظروف السيئة ارتفع معدل البطالة من 4،7% إلى 5%، ليصل إلى أعلى مستوى له منذ نوفمبر/ تشرين الثاني عام ،2005 أي بعد إعصار كاترينا مباشرة. ولولا التوظيف في القطاع العام، الذي خلق 31 ألف فرصة عمل في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، واستطاع أن يعوض ال 13 ألف وظيفة التي ألغاها القطاع الخاص، لكان الرصيد سلبياً. وأسهمت هذه الأرقام السيئة المتعلقة بخلق الوظائف في الولاياتالمتحدة في انهيار البورصات الغربية. وتراجع داو جونز ونازداك بنحو 3،5% و5،57% على التوالي منذ بداية يناير/ كانون الثاني الجاري. أما بورصات باريس ولندن ومدريد وفرانكفورت فانخفضت على التوالي: 2،98% و1،68% و3،82% و3،21%. كما أسهم احتمال حلول الكساد في البلاد في سقوط سوق الأسهم. ويعتقد الخبراء ان سنة 8002 بدأت بشكل سيئ جداً في أمريكا. ومع ذلك، لم يستسلم المستثمرون للذعر، وهم يراهنون على دور الخزانة الفيدرالية الأمريكية لتجنب ما هو أسوأ. ويمكن أن يكون النموا سلبيا من دون أن يسبب النكبات لوول ستريت. ويقول الخبراء إن الكساد الأمريكي الناجم عن أزمة صناديق الادخار في نهاية عقد الثمانينات من القرن الماضي أسفر عن تراجع داو جونز بنحو 5%”. بيد أن بورصة نيويورك، بفعل تداعياتها تجر وراءها البورصات الأوروبية إلى الانزلاق. بالنسبة إليها، المصاعب تتراكم. فعلاوة على نمو باهت يخشى منه أن يقوض أرباح الشركات المسجلة في بورصة نيويورك، لأقل دخول إلى الديون بسبب أزمة القروض الأمريكية، هناك التوترات الجيوبوليتيكية التي أسهمت في زيادة أسعار النفط لأكثر من مائة دولار، والذهب إلى رقم قياسي عالمي. واعتقد الخبراء أن التأثيرات الاقتصادية للأزمة المالية جراء إفلاس سوق العقارات الأمريكية ستظل محصورة داخل الولاياتالمتحدة، وأنها لن تحدث خسائر إلا في المؤسسات الصغيرة المتخصصة، عقاباً لها على مخاطرتها المتهورة بمنح قروض لأشخاص غير قادرين على الدفع. لكن ها هي الأزمة مستمرة في إحداث اضطرابات في الأسواق المالية الدولية، وفي تهديدها في الوقت الحاضر للبنوك الأمريكية الراقية، وكذلك أيضا البنوك الأوروبية والآسيوية. وتؤكد الاحصاءات الأمريكية التي نشرت أخيراً مثل هذا التحليل، فمن هنا ينبع مصدر القلق بالنسبة للاقتصاد. لكن اليوم، الأزمة التي بدأت في قطاعي العقارات والبنوك، انتشرت لتشمل باقي القطاعات الاقتصادية الأخرى. وحذر المديرون التنفيذيون في صندوق النقد الدولي من تداعيات أزمة القروض العقارية على حركة النشاط الاقتصادي والاستثماري في الولاياتالمتحدة، ونبهوا من أن تأثر استقرار قطاع المال الأمريكي وقدرته على ابتكار الأوعية الاستثمارية سلبا، من شأنهما أن يضعفا فرص أمريكا في جذب الاستثمارات الدولية الضخمة ومدفوعاتها التي تحتاج إليها لسد فجوة التمويل الاستثماري الناجمة عن عجز ميزان الخارجية. وأهم التطورات التي حدثت، أن سماسرة العقار أغروا الأسر والأفراد بشراء المساكن من دون دفعة أولى، والأهم على أساس أقساط ثابتة لمدة قصيرة جداً، (سنة أو سنتين أو ثلاث)، ثم يخضع مبلغ الأقساط الشهرية بعد مرور الأشهر القليلة الأولى التي كانت ثابتة خلالها لتكاليف القروض في أسواق المال في نيويورك وشيكاغو، واذا تردد المشتري فيقال له إن قيمة المنزل سترتفع، وبالتالي يمكن إعادة وسائل تمويله. هذا هو التطور السلبي الأول. والتطور السلبي الثاني، أن الشركات المتخصصة في تمويل العقار، تبيع سندات الرهن أو القروض التي منحتها لمشتري المساكن بالذات، إلى منشآت أخرى، تخصصت ب “المضاربة” في شراء وبيع سندات التمويل أو تعهدات القروض. وهذا السوق الذي يشبه صالات “القمار” المتطورة من حيث استخدام النماذج الرياضية المعقّدة التي تسهّل على المستخدم “التخمين” ولا نقول: “التحديد” تطور برامج الكمبيوتر المتخصصة. قبل سنة بلغت البطالة في الولاياتالمتحدة حوالي 4،4% من السكان العاملين. لكن البطالة ازدادت في معظم القطاعات المهنية. وخسر قطاع البناء 236 ألف وظيفة منذ أزمة أغسطس/ آب عام ،2006 كما تم تسريح 212 ألف عامل من الصناعة في سنة 2007. و بصورة إجمالية، خلق الاقتصاد الأمريكي 111 ألف وظيفة شهريا كمعدل وسطي في سنة ،2007 مقابل 189 ألفاً شهرياً في سنة 2006. ويعتقد الخبراء أنه يجب خلق ما بين 110 آلاف و140 ألفاً شهرياً لامتصاص الا رتفاع في معدل البطالة. المؤشرات كلها، من الارتفاع في معدل البطالة، إلى ارتفاع أسعار النفط، خلال أسبوع، مرورا بأزمة الرهن العقاري، والتباطؤ في النمو الصناعي، وعودة التضخم من جديد على مستوى عالمي، تؤكد على حقيقة واحدة أن شبح الكساد بدأ يخيم على الولاياتالمتحدة. كاتب اقتصادي صحيفة الخليج آراء وتحليلات 21/1/2008