: لفتت انتباهي قبل 3 أسابيع ملاحظة هامة أبداها السيد اسماعيل بولحية رئيس حركة الديمقراطيين الاشتراكيين , حين أكد أثناء مشاركته في برنامج الحدث السياسي على قناة تونس 7 بأن توسيع دائرة مشاركة المعارضة في المناصب الرسمية كان نتيجة تعليمات رئاسية بتعزيز حضور هذه الأخيرة في المجالس الاستشارية أو غيرها من المجالس المنتخبة وعلى رأسها مجلس النواب . وعلى العكس من ذلك فقد أشار السيد بولحية الى ماتلاقيه أحزاب المعارضة "الشرعية" من عنت ومشقة نتاج احتكاكها اليومي بقواعد الحزب الحاكم الراغبة في الاحتفاظ بمصالحها ومواقعها داخل هياكل الدولة ومؤسساتها دون مزاحم أو منافس . واذا كان طبيعيا أن تحرص الأحزاب الحاكمة في الحفاظ على ماتتصدره من مواقع فان "الغريب" تونسيا هو الامتزاج الحاصل بين النخبة السياسية الحاكمة ومجمل الهياكل الادارية المباشرة بشكل يومي لشأن المواطن , وهو مايعسر على رجل الشارع قضاء شأنه العادي دون شرط المرور على بوابة حزب حاكم يضم في عضويته مالايقل عن خمس سكان الجمهورية التونسية . شخصيا لايزعجني الدور التاريخي الذي يلعبه التجمع الدستوري الديمقراطي كحزب تونسي حاكم في ادارة الشأن العام , بل انني ذكرت مرارا وتكرارا بأنني فخور والى حد كبير بالدور الذي لعبه هذا الحزب في معركة التحرير وبناء الدولة وضخ مؤسساتها بجيل من الأطر الوطنية . غير أنني ومن باب النصيحة لحزب كبير وعريق لا أرى من الضرورة بمكان أن يشعر قادة التجمع الدستوري الديمقراطي بشيء من الانزعاج أو القلق على مستقبل البلاد أو العباد في حالة الاقدام على حالة انفتاح عام يتيح للتونسيين أن يعيشوا حالة حقوقية وسياسية أفضل ... ماتعرفه تونس اليوم من حالة استقرار أو تشهده من حالة نمو لايمكن أن يكون الا عاملا مشجعا على المضي قدما في خطوات اصلاحية تحمل رسالة طمأنة باتجاه الداخل والخارج , اذ لاضير من أن يستعيد التونسيون اليوم حالة الازدهار التي عرفتها البلاد بداية الثمانينات على الصعد الاعلامية والسياسية مستأنسين في ذلك بقدرة التونسيين على ادارة خلافاتهم ضمن أطر التدافع السياسي المدني والطبيعي . واذا كانت المؤسسة الرئاسية تحرص كل الحرص على مد جسور التواصل والتعاون مع الجسم المعارض ومن ثمة الدفع نحو مستويات متوازنة من الاصلاح بحسب ماأكده لي قبل أيام مصدر رسمي مطلع , فان الفرملة التي يمارسها البعض تجاه المضي قدما في اتخاذ اجراءات ترفع حالة الاشتباك مع المجتمع المدني تصبح عندئذ ليس لها من مبرر غير عرقلة الارادة الرئاسية أو الاشتغال على الاسائة لرصيد حزب وطني عريق أو العمل على تحقيق مصالح شخصية بعيدة كل البعد عن مصلحة تونس وشعبها . التعطيل الذي يشهده ملف الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان هو بمقياس ماقدمنا له سابقا أمر غير مفهوم , والتلكؤ في تسوية الأوضاع الاجتماعية والحقوقية لمن أفرج عنهم من معتقلي حزب النهضة المحظور هو أمر يثير أقدارا كبيرة من الحيرة والاستغراب, والاصرار على الاحتفاظ بعشرات من معتقلي هذا الحزب أو غيرهم من الشباب المندفع قضية تثير أكثر من استفهام , والتمادي في عرقلة المئات من شباب تونس عبر حرمانهم من حقهم الطبيعي والقانوني في السفر هو أمر يراد به عن قصد أو عن غير قصد الاسائة لرئيس الجمهورية التونسية الذي أذن مشكورا بتمتيع كافة أبناء تونس وبناتها بهذا الحق الدستوري بعيدا عن المزايدة أو المماطلة أو المساومة . التعامل بقساوة مع بعض نشطاء المعارضة ومحاصرتهم في موارد رزقهم والتضييق اليومي عليهم عبر سلسلة من الخروقات الحقوقية لايشكل هو الاخر الا رسالة عكسية يراد بها العمل على تحقيق أجندات غير وطنية وغير مفهومة الا من زاوية توفير الفرصة للقوى الخارجية كي تتدخل في تفاصيل حياتنا الوطنية أو تهدد سيادتنا ومكاسب استقلالنا . الانفتاح والاصلاح هما معالم واضحة في خطة الرئيس بن علي بعد مرور عشرين سنة على الذكرى الأولى لحدث السابع من نوفمبر , ومن يقف ضد هذين التوجهين الوطنيين اعاقة وعرقلة من داخل هياكل الدولة أو خارجها طمعا في تحقيق مطامح شخصية أو أهواء ذاتية لن يكون في تقديرنا الا متامرا على تونس ومصالح شعبها ... لايمكن بحكم الدستور والقانون والصالح العام أن نزين اعلاميا للناس فضائل الانغلاق وجمائل عرقلة المسار الديمقراطي , وهو مايفعله البعض اليوم طمعا في تسلق منصب أو تعزيز موقع , وليس طلبا للنصح الصادق أو مساعدة الدولة على تقديم حلول لمشكلات وتطلعات نخبها ومواطنيها . ان ثقة الناس في مؤسسات الحزب الحاكم وترسيخ ثقتهم الكبيرة في الرجل الأول للدولة تتجذر أكثر بتوسيع مناخ الحريات وتجذير احترام قيم حقوق الانسان وتوسيع دائرة المشاركة وبسط مزيد من العدل , وهو مايحتاج اليوم الى مراجعة صادقة للأخطاء ووقفة شجاعة مع تجاوزات الماضي في ظل اعتزاز بما حققته تونس من نماء ورقي علمي ومعرفي وتحديث قانوني واداري لابد أن يتعزز باحترام قيمتي تجذير الهوية والصدق في تحقيق المطلب الديمقراطي ولو بمراعاة توازنات معقولة ومفهومة على الصعيد المحلي والدولي. كتبه مرسل الكسيبي بتاريخ 28 جانفي 2008 للتفاعل مع الكاتب : [email protected] الهاتف : 00491785466311