لست أدري كم هو حجم الخسارة المادية والبشرية الذي عرفته منطقتنا منذ أن أطلت ظاهرة "الاسلام الاحتجاجي" برأسها من شباك السياسة الداخلية على الصعيد العربي والاسلامي ...؟! أجيال من الضحايا تدفقوا على السجون ومراكز الاعتقال ودورة غير متوقفة من المنفيين تشهد على سوء التدبير والتخطيط الذي يتخبط فيه كثيرون من قادة الحركات الاسلامية ... عشرات الالاف من القتلى والجرحى بين فريقين ينتميان الى منطقة واحدة وثقافة واحدة ودين واحد ولسان واحد , وشعوب طحنتها على مدار عشريات كاملة ماكينة الحرب الأهلية في ظل منطق طهوري صور الاسلاميين على أنهم أتباع الرسل والأنبياء في مواجهة "سلطات فرعونية" كل قادتها وأجهزتها نسخة أخرى من فرعون وهامان وجنودهما !!! ... قادة صادقون ووطنيون ومخلصون من طراز رفيع.., تأثروا بكتابات الأزمة في تجربة الاخوان المسلمين على عهد الزعيم الراحل جمال عبد الناصر , فأرادوا في غير حكمة أو تدبير نقل فصول معركة مصرية داخلية الى باقي بلاد المنطقة العربية ! اخرون رأوا في الترابي اماما مجددا فاذا بهم يحاكون منطقه الانقلابي ليصنعوا تجارب سياسية أقرب ماتكون الى العبث بجزء عظيم من مقدرات الأوطان والأمة ... وعلى وتيرة وضع جزائري ذي خصوصية انتخابية ذات ظروف تاريخية طمع اخرون في تقلد زمام الأمور على حساب رصيد من المدنية والحداثة القانونية والسياسية والاجتماعية , حداثة مدنية لايمكن نسف مكتسباتها بمحاكاة ساذجة لمن وضعوا قول الله وقول الرسول في تضاد تام مع القانون والدستور !!! - لنتذكر شعار الجبهة الاسلامية للانقاذ حين رفع متظاهروها شعار " لاقانون ولادستور بل قال الله وقال الرسول " ...! حركات اسلامية أهدرت طاقات بشرية ومادية عظيمة وحولت البوصلة من موضوعات البناء والتنمية والنهوض العلمي والتقني والوحدة الوطنية والتصدي للتحديات الخارجية الى موضوعات تقسيم الصف الوطني وانهاكه في تحديات سياسية وأمنية داخلية على حساب التشييد والاعمار والانماء ورص الصفوف في قضايا الاستعمار والتخلف المادي والمعرفي في زمن العولمة... نزبف لازال مستمرا في كثير من أقطار بلاد العرب والمسلمين حيث لم يتعظ قادة بارزون من تجارب فاشلة على الصعيد السياسي , ولقد كان أحرى وأجدر أن يمتلك القائمون عليها شجاعة المراجعة والتقويم بدل الاصرار على المغامرة بأجيال جديدة أوشحذ الهمم باتجاه فكرة الصراع والمواجهة مع أبناء الوطن الواحد والمصير المشترك ونقصد بذلك حتما الحكومات . فك الاشتباك وتطبيع العلاقات بين قوى المجتمع المدني الاسلامية خاصة والحكومات بات في نظرنا ضرورة دينية ووطنية وسياسية لاتحتمل التأخير وذلك أمام مارأيناه من هول كوارث العمل المعارض الذي يرتمي في أحضان الأجنبي طمعا في تسلق أسوار الحكم على ظهر دبابة أجنبية ... مجتمعات مدنية اسلامية لابد أن تتمايز عن أجندات مجتمعات مدنية وهبت مفاتيح تصرفها ومساهمتها وترشحها واشتباكها وصراعها وخصومتها لقوى خارجية تسندها ماديا وسياسيا وأدبيا واعلاميا في مقابل طموحات مخفية لاعادة رسم خرائط المنطقة ... خلافات وهمية أو حقيقية مع حكومات عربية واسلامية مهما بلغت درجة التقصير فيها فان ذلك لن يبرر الخروج عليها بمنطق السلاح أو الجلوس مع أعدائها وأعداء الأمة من أجل التفاوض على كعكة حقيرة لاترتقي الى أن تكون ثمن تضحيات الاستقلال ... الاسلاميون مدعوون اليوم أكثر من اي وقت مضى الى أن يكونوا في صف حكوماتهم في مواجهة كل أشكال الارهاب المادي والفكري الذي يروج له البعض دون الوقوف على حقيقة الاسلام كدين علم وحضارة وتسامح مع الأقليات والمدارس الفكرية والسياسية المخالفة ... أصحاب القناعة الاسلامية الوطنية والوسطية الصادقة ليسوا جسرا للاخر كي يضعف حكوماتنا ويبرر التدخل في تفاصيل مشهدنا الوطني ومن ثمة يضعنا جميعا شعوبا وانظمة على كف عفريت ...! "المعارضة الاسلامية" لفظ يحتاج اليوم الى اعادة نظر وتأمل على أساس فكر استراتيجي ينظر لحكوماتنا مهما صدر منها من أخطاء أو تقصير على أساس أنها امتداد لافراز شعبي واجتماعي لايمكن تخوينه أو التشكيك في وطنيته لمجرد أنه سلطة أو حكومة !!! الحكومات أحببنا أو كرهنا هي قدر الاجتماع البشري ولم تخل منها أمة منظمة أو مجتمع قديم أو حديث الا في ماخلى من العصور البدائية التي هيمنت عليها الفوضى ومنطق قانون الغاب , ومن ثمة فليس من العيب بمكان أو من المخجل بمحل أن يكون الاسلاميون الوسطيون والوطنيون رافدا وداعما لها وحليفا استراتيجيا في قضايا الاعمار والتنمية والمشاركة السياسية والاصلاح والتطوير في القضايا الحقوقية وغيرها من قضايا الشأن العام ... ان الحكومات التي تبني وتشيد وتخلص في خدمة أوطانها وتوثق الصلة ولو تدريجيا وبشكل هادئ ومعاصر مع اسلامها السمح وقيم العدل , هي أقرب الى الله تعالى من بعض المعارضات التي لاتحسن الا التشكيك في الأرقام والنوايا وحتى مصادر الهوية والتاريخ والانتماء الحضاري والديني لشعوبها بدعوى النضال من أجل الديمقراطية والاصلاح ..! نعم للاصلاح وألف نعم للديمقراطية ولكن لابد من فقه سياسي جديد يعجل بالأهم على المهم ويقدم درء المفاسد على جلب المصالح في زمن تختطف فيه صورة الاسلام المشرقة من قبل جماعات الموت ويتخذ فيه من الديمقراطية والاصلاح جسرا لتبرير الاحتلال وصناعة حقبة جديدة من الاستعمار بفصول مختلفة واخراج لايضاهيه اغراء في الاخراج ... كتبه مرسل الكسيبي بتاريخ 9 فبراير 2008 للتفاعل مع الكاتب : [email protected] الهاتف : 00491785466311