لم يتوقف الوحدويون العرب في المشرق والمغرب وفي كل مكان من الأرض العربية عن الدعوة للوحدة لأن فيها مصلحة للوطن وضمانا لمستقبل أجياله خاصة في ظل التكتلات والتجمعات الإقليمية هنا وهناك. لم يشعروا بالتعب وبعجز الحناجر ولم تجف أقلامهم عن الكتابة من أجل إقناع الناس حكاما ومحكومين بان لا مناص من الوحدة والاندماج. وكانوا كل مرة يشعرون بما يشبه رجع الصوت وكان بأحد من خلف ستار يردد دائما بيت شعر "للمهلهل": "لأسمعت لو ناديت حيا ولكن لا حياة لمن تنادي" لأن السلطات العربية والنظام الرسمي العربي بكل مؤسساته لا يسمع ولا يري ما يجري من حوله وترفض أذنه أن تفتح لغير نصائح ما وراء البحر أو التوجيهات التي تصدر عن بعض المؤسسات الدولية ولأن الشعب العربي الغائب والمغيب عن القرار السياسي والمشاركة في الشأن العام لا حول ولا قوة له. اختلفت التصورات وتعددت المقترحات وتنوعت الأساليب الداعية إلى كيفية تحقيق الوحدة والتقدم خطوة في اتجاهها فمنا من يتصور أن الحل في الاندماج المباشر من خلال القرار السياسي ومنا من يؤمن بوحدة الخيارات في التعليم و الثقافة وحتى الفن في تقريب اليوم الموعود وثالث يبني تصوره على ما يسمى بلغة المصالح المشتركة التي أسسها العامل الاقتصادي وهناك طبعا رابع وخامس إلى أخره. بعد كل قمة أو لقاء مشترك وفي نهاية كل مرحلة وبداية مرحلة جديدة يتوقع الطيبون من أبناء شعبنا العربي بأن الأمور بدأت تتغير وبدأت تسير في الاتجاه الصحيح. خاصة وأن بيانات كل قمة تؤكد على المصلحة المشتركة والمصير المشترك وضرورة الإصلاح. لكن بعد مدة وجيزة يكتشف الناس بان الحال هو الحال أو أكثر سوءا وتراجعا وترسيخا للإقليمية والانعزالية. حتى التجمعات التي أريد لها أن تكون بديلا عن الوحدة العربية الشاملة عجزت عن التقدم وهي في موضع السير في نفس المكان الذي انطلقت منه منذ سنين أو ربما تراجعت عنه. فدول الخليج العربي بما يجمع بينها لا تتقدم في الاتجاه الصحيح رغم اتفاقها في كل شيء تقريبا بما في ذلك ولاء ساستها مجتمعين ومنفردين للخيارات الأمريكية في المنطقة ولا نتوقع التزامها الحرفي بما صدر عن قمة قادتها المنعقدة أخيرا لأنهم علمونا لسنين طويلة السير على الطريق المسدود بما يتعلق بوحدة دول الخليج العربي. اتحاد المغرب العربي في حال لا يحسد عليها رغم ما نسمعه من خطابات وتصريحات من طرف كل القادة في المنطقة فإننا نخشى من انه يعاني من حالة موت سريري عجزت كل الحلول وجرعات الدواء على معاجلته. كل شيء من حولنا يدفعنا للوحدة والتعاون والتكامل ونحن لا نتقدم في الاتجاه الصحيح سلطات حاكمة وأحزاب ومنظمات وقوى مجتمع مدني. منذ مدة غير طويلة وصل مبعوث أمريكي رفيع المستوى للمنطقة وتجول في تونس والجزائر والمغرب وتحادث مع قادتها ومسؤوليها في مستويات ومراكز متعددة وعلمنا يومها إن في حقيبة الإدارة الأمريكية مشروع اتفاقية شراكة ومنطقة تبادل حر مع الدول الثلاث ولكن بشرط أن تكون مندمجة اقتصاديا أي إن المشروع المقترح لا يعني كل دولة بذاتها إنما هو موجه للدول الثلاث في إطار سوق مغاربية واحدة ومندمجة . للإدارة الأمريكية مصالحها وتصوراتها و حتى على المستوى الاقتصادي قد لا تعنى بأسواق قزمية لا يتجاوز عدد المستهلكين فيها 10 أو20 أو30 مليون لا تمكنهم إمكانياتهم والمقدرة الشرائية لأغلبيتهم من الاستهلاك الذي تسعى إليه السوق الامريكية. جوهر الموضوع: وبغض النظر عن الموقف السياسي من الإدارة الأمريكية، إن مصلحة شعوبنا في خطر والمرحلة تتطلب قرارات وإجراءات عديدة تمس العملة والحدود الجمركية وتنقل الأشخاص والبضائع وغيرها كثير ولكنها إجراءات مرتبطة كلها بالإرادة والقرار السياسي للسلطات الرسمية الحاكمة. لا نعرف ماذا كان الرد في حينه، وفي الغالب لم يكن من موقع الرفض نظرا للعلاقة التي تربط الدول الثلاث بالإدارة الأمريكية وقد يكون دبلوماسيا ولا يتجاوز جوانب البروتوكول. ولكننا على يقين أن لا شيء تحقق منذ ذلك التاريخ ولم نلاحظ ولا خطوة في اتجاه الاندماج المدروس والمبرمج على أساس أننا لا نعتبر إن السماح بتهريب بعض السلع بين هذه الدولة أو تلك على الحدود المشتركة أو غض الطرف عن عرض بعض السلع منها ما هو مستورد في الأسواق الموازية في كل الدول المغاربية أو حتى بعض الإجراءات البسيطة تدخل في إطار الاندماج والوحدة. لا نبحث عن تحديد المسؤولية ، فقد يكون هذا المشكل أو ذاك وقد تكون هذه الدولة أو تلك وقد تكون كل الدول مجتمعة عن قصد أو عن غير قصد متشبثة بوطنية وهمية لا وجود لها وهي في حقيقتها إقليمية انعزالية. ولنا بالتأكيد قسطنا من المسؤولية ولكن علينا أن نتذكر أن العالم من حولنا يتشكل في تكتلات رغم الاختلاف والتباعد والتقاتل في بعض الأحيان وعلينا أن لا ننسى ذلك الجدل الذي دار بين بعض فلاسفة الفكر الاقتصادي إبان الحرب الباردة والذي مضمونه " الاقتصاد يوحد من تفرق بينهم دروب السياسة "l'économie rassemble ceux que la politique sépare". طبعا هذا الأمر غير صحيح دائما ولا يمكن أن يكون في المطلق وهناك حالات عديدة في العالم التي لا يمكن أن تكون ضمن هذا التصور مثل العلاقة أو التبادل مع عصابات الكيان الصهيوني. في أواخر شهر نوفمبر 2007 عقد في تونس ملتقى لتدارس إشكالية الاندماج الاقتصادي بين دول المغرب العربي. رغم أن أحد كبار المسؤولين الجزائريين قد سبق الملتقى بتصريح تقليدي استبعد فيه إمكانية العملة الموحدة والمنطقة النقدية الموحدة، فان المجتمعين وفي غالبهم يمثلون القطاع الخاص قد أوصوا بالسير قدما على طريق الاندماج وقد اعتبروا أن القطاع الخاص في هذه الدول قادر على الدفع باتجاه الاندماج من أجل مصلحة الجميع. الملتقى اشرف عليه نائب رئيس صندوق النقد الدولي وقد نقل عنه انه قال بان لا مناص لدول المغرب العربي من الاندماج الاقتصادي أسوة ببقية التجمعات في آسيا وأوروبا وبقية مناطق العالم. هذا الموقف ينطلق من قناعة راسخة بأن الدول القزمية والأسواق الصغيرة لن تستطيع الحياة في ظل التكتلات والتجمعات الكبرى وذلك بغض النظر عن الخيارات الاقتصادية. الصحف الرسمية والشبه رسمية أبرزت هذا التصريح وباركته وكأنه يقال لأول مرة. مرة أخرى يقال - لا من وراء البحار - ماذا علينا عمله؟، ومرة أخرى نقول لكم وأنتم مدركون ومقتنعون فعلا بأن الدولة القطرية المنعزلة لا مستقبل لها، ومرة أخرى نشكك في جدوى العلاقات المتميزة مع الاتحاد الأوروبي وفي جدوى اتفاقيات الشراكة التي رفضتها اغلب الدول الإفريقية في قمة البرتغال لأنها لا تحقق مصلحة دولها وشعوبها ولكن مرة أخرى نخشى أن نرتد على أعقابنا ككل مرة. لسنا على توافق مع صندوق النقد الدولي بل نقف موقفا متناقضا مع سياساته وحلوله ومعالجته لأوضاع الدول النامية والفقيرة ومنها دولنا ولكننا لن نكفر بالوحدة والاندماج لمجرد أن ذلك المسؤول الكبير وغير العربي في هذه المؤسسة دعانا إلى الوحدة انطلاقا من فهم اقتصادي واجتماعي وتوازنات دولية. ماذا لو كانت دول المغرب العربي مندمجة؟ هل كنا سنعيش إشكاليات الطاقة والمواد الفلاحية ومعظلة التشغيل وندرة موارد تمويل المشاريع في ظل الطفرة النفطية؟بالتأكيد لا ! أليس كذلك أم أننا كمن يحرث في البحر. لن نتوقف عن الدعوة للوحدة والإقناع بالاندماج كخطوة تتلوها خطوات نحو التحرر ونحو دولة الوحدة. وان غدا لناظره قريب.