كاتب الدولة لدى وزير الفلاحة: اعداد خطة عمل بكافة الولايات لتفادي توسع انتشار الحشرة القرمزية ( فيديو )    انس جابر تغادر بطولة مدريد من الربع النهائي    اسقاط قائمتي التلمساني وتقية    عين دراهم: إصابات متفاوتة الخطورة في اصطدام سيارتين    الحكومة تبحث تقديم طلب عروض لانتاج 1700 ميغاواط من الطاقة النظيفة    تأخير النظر في قضية ما يعرف بملف رجل الأعمال فتحي دمّق ورفض الإفراج عنه    كمال دقّيش يُدشن مركز إقامة رياضيي النخبة في حلّته الجديدة    باقي رزنامة الموسم الرياضي للموسم الرياضي 2023-2024    القصرين: ايقافات وحجز بضاعة ومخدرات في عمل أمني موجه    تراجع عدد الحوادث المسجلة ولايات الجمهورية خلال الثلاثي الأول لسنة 2024 بنسبة 32 %    طلبة معهد الصحافة في اعتصام مفتوح    بمناسبة عيد الشغل: الدخول إلى المتاحف والمواقع الأثرية مجانا    هذه تأثيرات السجائر الإلكترونية على صحة المراهقين    على متنها 411 سائحا : باخرة سياحية أمريكية بميناء سوسة    نجلاء العبروقي: 'مجلس الهيئة سيعلن عن رزنامة الانتخابات الرئاسية إثر اجتماع يعقده قريبا'    القبض على شخص يتحوّز بمنزله على بندقية صيد بدون رخصة وظروف لسلاح ناري وأسلحة بيضاء    الليلة: أمطار غزيرة ورعدية بهذه المناطق    صفاقس: اضطراب وانقطاع في توزيع الماء بهذه المناطق    قفصة: تواصل فعاليات الاحتفال بشهر التراث بالسند    تحذير رسمي من الترجي التونسي لجمهوره...مالقصة ؟    الترجي الرياضي: نسق ماراطوني للمباريات في شهر ماي    تحذير من برمجية ''خبيثة'' في الحسابات البنكية ...مالقصة ؟    بنزرت: حجز أكثر من طنين من اللحوم    وزيرة النقل في زيارة لميناء حلق الوادي وتسدي هذه التعليمات..    سوسة: حجز كمية من مخدر القنب الهندي والإحتفاظ بنفرين..    أسعار لحم ''العلوش'' نار: وزارة التجارة تتدخّل    عاجل/ "أسترازينيكا" تعترف..وفيات وأمراض خطيرة بعد لقاح كورونا..وتعويضات قد تصل للملايين..!    مختص في الأمراض الجلدية: تونس تقدّمت جدّا في علاج مرض ''أطفال القمر''    يوم 18 ماي: مدينة العلوم تنظّم سهرة فلكية حول وضعية الكواكب في دورانها حول الشّمس    مدينة العلوم بتونس تنظم سهرة فلكية يوم 18 ماي القادم حول وضعية الكواكب في دورانها حول الشمس    خبراء من الصحة العالمية يزورون تونس لتقييم الفرص المتاحة لضمان إنتاج محلي مستدام للقاحات فيها    اتصالات تونس تفوز بجائزة "Brands" للإشهار الرمضاني الأكثر التزاما..    عاجل/ تلميذ يعتدي على أستاذته بكرسي واصابتها بليغة..    إحداث مخبر المترولوجيا لوزارة الدفاع الوطني    الحماية المدنية: 18 حالة وفاة خلال ال24 ساعة الأخيرة    فرنسا تشدد الإجراءات الأمنية قرب الكنائس بسبب "خطر إرهابي"..#خبر_عاجل    زيادة ب 14,9 بالمائة في قيمة الاستثمارات المصرح بها الثلاثي الأول من سنة 2024    تونس: تفاصيل الزيادة في أسعار 300 دواء    هام/ هذا موعد اعادة فتح معبر رأس جدير..    تفاقم عدد الأفارقة في تونس ليصل أكثر من 100 ألف ..التفاصيل    بطولة إيطاليا: جنوى يفوز على كلياري ويضمن بقاءه في الدرجة الأولى    عاجل : الأساتذة النواب سيتوجّهون إلى رئاسة الجمهورية    هدنة غزة.. "عدة عوامل" تجعل إدارة بايدن متفائلة    مفاوضات الهدنة بين اسرائيل وحماس..هذه آخر المستجدات..#خبر_عاجل    توزر...الملتقى الجهوي للمسرح بالمدارس الاعدادية والمعاهد    صدر حديثا للأستاذ فخري الصميطي ...ليبيا التيارات السياسية والفكرية    في «الباك سبور» بمعهد أوتيك: أجواء احتفالية بحضور وجوه تربوية وإعلامية    الخليدية .. أيام ثقافية بالمدارس الريفية    محاكمة ممثل فرنسي مشهور بتهمة الاعتداء الجنسي خلال تصوير فيلم    الاحتفاظ بالمهاجرة غير النظامية كلارا فووي    درة زروق تهيمن بأناقتها على فندق ''ديزني لاند باريس''    قيس الشيخ نجيب ينعي والدته بكلمات مؤثرة    جائزة مهرجان ''مالمو'' للسينما العربية للفيلم المغربي كذب أبيض    ثمن نهائي بطولة مدريد : أنس جابر تلعب اليوم ...مع من و متى ؟    انطلاق فعاليات الدورة السادسة لمهرجان قابس سينما فن    القواعد الخمس التي اعتمدُها …فتحي الجموسي    منبر الجمعة .. التراحم أمر رباني... من أجل التضامن الإنساني    أولا وأخيرا...هم أزرق غامق    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ملفات الشروق: بعد توسيع الإتحاد اللأوروبي: لماذا يصر العرب على السباحة ضد التيار؟
نشر في الشروق يوم 18 - 06 - 2005

بخطوات واثقة ورصينة، وبثبات وبدون ضجيج أو جعجعة، قطع الأوروبيون، هذا الشهر، خطوة عملاقة باتجاه استكمال الوحدة الأوروبية. ومن تنسيق المواقف بشأن الحديد والصلب، قبل أكثر من نصف قرن، يبحث الأوروبيون، اليوم، دستورا موحدا. وسياسات خارجية ودفاعية للاتحاد، وربما سيبحثون، بعد فترة، كيفية انتخاب رئيس للسلطة التنفيذية الاتحادية، أي رئيسا أوروبيا.
بين الأوروبيين فوارق عديدة وعميقة ولكنهم على الرغم من كل ذلك نجحوا في ايجاد كيان موحّد، هو اليوم ثالث الأقطاب الاقتصادية الدولية، ب28 بالمائة من الثروة العالمية.. بحر هادر وحيوي من الأطلسي إلى الأورال، يمتد أمام أعيننا، وتنحت فيه شعوبه، على الرغم من الاختلافات الجذرية بينها مستقبلا مشتركا، فعّالا، بل ورائدا.
وبالمقابل لا تبدو هذه التجربة الوحدوية العقلانية، مغرية للعرب، بأي شكل من الأشكال، حتى وهذه الوحدة تستفزّهم لرصّ الصفوف عبر الدعوة الصريحة لذلك، فالاتحاد يمدّ يده إلى الجار المباشر، ولكنه يريده أن يبادر بحدّ أدنى من التكتّل والتوحّد، حتى يكون بالامكان تحقيق النمو والرفاه الاقتصادي للشعوب، على الأقل، في مرحلة أولى، مادامت كل الخطوات الوحدوية السياسية صعبة التحقيق، حتى في حدودها الدنيا.
أي موقع للعرب في ظل الظروف الدولية الحالية، والتي تتسم بالتكتل السياسي والاقتصادي؟ ما هو تأثير توسيع الاتحاد الأوروبي على المنطقة العربية؟ هل يمكن النظر إلى التوسيع باعتباره فرصة قد تستفيد منها الاقتصاديات العربية، كما قد تكون صيغة ناجحة لعمل جماعي أكثر فاعلية، يمكن للبلاد العربية اعتمادها؟ أم ان ما يحدث أمامنا سيشكل المزيد من المتاعب بالنسبة لنا؟
أسئلة عديدة يجيب عنها الدكتور عزّام محجوب، الخبير الاقتصادي الدولي، وقد كان ضمن مجموعة الخبراء العرب الذين أعدّوا آخر تقرير للتنمية البشرية بالعالم العربي، في إطار صندوق الأمم المتحدة الانمائي كما يجيب عنها السفير مارك بيريني رئيس بعثة الاتحاد الأوروبي في تونس.
راضية الزيادي
**هل من مكان للعرب في سباق الكبار؟
تونس «الشروق»:
منذ أطلق وزير الخارجية الفرنسي الأسبق روبرت شومان في التاسع من ماي 1950 فكرة بناء أوروبا موحدة متضامنة، تنأى بهذا البناء نهائيا عن الحروب المدمرة التي عاشتها، لم تعرف أوروبا حركة توسيع ضخمة، مثل التي عرفتها في الأول من ماي الحالي، حيث انضمّ إلى الاتحاد 10 بلدان جديدة، ليشكل الاتحاد قوة متجددة من 450 مليون ساكن. وإذا ما استعرضنا مسيرة الاتحاد منذ اطلاق المجموعة الأوروبية للحديد والصلب في 1951، فإنه لابد من الوقوف على مسيرة توحيدية، اعتمدت خاصة على الجانب الاقتصادي، والعمل على تنمية الاقتصاديات الأوروبية بصفة أفقية ومتضامنة، حتى تحقيق مستوى اقتصادي متقارب بين كل الدول الأعضاء في الاتحاد. حدث ذلك مع اسبانيا والبرتغال واليونان، ويحدث الآن مع الدول العشر التي انضمت إلى الاتحاد، في الأول من ماي الحالي، بهدف التقريب بين مستويات التقدم الاقتصادي في كل دول الاتحاد، وذلك عبر آليات مختلفة، تمكّن الدول الأقل نموا من تحقيق قفزة تنموية نوعية في ظرف زمني وجيز، وهذه اسبانيا التي كانت تعدّ إلى وقت قصير، قياسا بعمر الدول من البلدان الفقيرة اقتصاديا والمتخلفة علميا، ولكنها اليوم، وبفضل انتمائها للاتحاد الأوروبي فإن ناتجها المحلي الاقتصادي، يكاد يعادل الناتج الاقتصادي المحلّي العربي.
وفيما يقدر الناتج الاسباني، حسب تقرير التنمية البشرية العربية لسنة 2003، ب559 مليار دولار، فإن الناتج الاقتصادي المحلي العربي، لا يقدر إلا ب 604 مليار دولار... وبمثل هذا الأسلوب التضامني استطاع الاتحاد الأوروبي أن يحقق ما حققه، اقتصاديا وسياسيا، كما نجح في ادماج 25 دولة حاليا، وهو عدد مرشح للتصاعد مستقبلا. وقد رسم الاتحاد لنفسه هدف الحفاظ على مكانته كقطب اقتصادي دولي، بين القطبين الأمريكي من ناحية والآسيوي من ناحية أخرى.
وبالمقابل، وعلى الرغم من ان مسيرة العمل العربي المشترك قد انطلقت منذ 1945، بانشاء جامعة الدول العربية، فإن هذه المسيرة ظلّت تتعثر وتراوح مكانها، فيما كان الأوروبيون يعملون وفق هدف محدّد وهو تحقيق الاندماج الاقتصادي، بروح تضامنية، اقتضت التنازل عن بعض ملامح السيادة، كما اقتضت القيام بتضحيات من قبل الدول الغنية، والمتقدمة علميا وتكنولوجيا، من أجل النهوض بالدول الفقيرة والمتخلفة في الاتحاد.
وعلى الرغم من وعي العرب بأهمية تكتلهم وتضامنهم الفعلي، وهو ما انعكس في مشروع منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى، إلا أن التجارة البينية تظل في معدلات ضعيفة جدا، في وقت أصبح فيه البحث عن شركاء أو تكتلات اقتصادية هي السمة البارزة للعلاقات الدولية اليوم، بعد أن أصبح السباق اقتصاديا، وتبين انه لا مكان للدول الصغرى أو الكيانات الضعيفة على موائد الكبار، حيث يرى الخبراء انه لن يكون بامكان كيانات صغيرة يقل عدد سكانها عن المائة والخمسين مليون ساكن، مجاراة سباق السبعة الكبار.
العرب اليوم، خارج هذا السباق اقتصاديا، وهم من ناحية أخرى تحت ضغوط سياسية مختلفة، بل انهم وكما قال احد المتدخلين في هذا الملف، على جدول أعمال كل القوى الدولية، الكل يريد ان يفرض على هذه المنطقة، خيارات متنوعة ومختلفة والكل يريد ان يضبط أولوياتها، وذلك لن يكون بالضرورة إلا لصالح هذه القوى، في هذه المرحلة الحاسمة، سياسيا واقتصاديا.
امتحانات عديدة تعرض لها العرب، خلال السنوات، بل الأشهر الأخيرة.. تجارب عديدة عايشها العرب أيضا، ومنها أخيرا وليس آخرا، نجاح الوحدة الأوروبية على أبوابهم.. فرص عديدة أهدرها العرب منذ الخمسينات ولكننا اليوم وصلنا مفترق الطرق، ولن ينتظرنا الركب، فامّا التهميش النهائي، وانفتاح الأبواب مشرّعة أمام التبعية للآخرين، واما تصميم على الخلاص. وذلك ما ننتظره من قمّة تونس.
** السفير مارك بيريني: التحدّي الحقيقي لجيران الاتحاد هو الحفاظ على قدرتهم التنافسية
تونس «الشروق»:
في لقاء مع «الشروق» تحدث السفير مارك بيريني، رئيس بعثة الاتحاد الأوروبي في تونس، عن التحديات والفرص التي يمثلها توسيع الاتحاد الأوروبي، في علاقته مع دول الجنوب، وخاصة دول المغرب العربي. كما شرح عرض الشراكة الذي يقدمه الاتحاد ازاء جيرانه، والتصور الأوروبي لمستقبل العلاقة، معتبرا ان توسيع الاتحاد ينبغي أن يشكل فرصة للجميع.
* مع توسيع الاتحاد الأوروبي ليشمل 10 دول أخرى، هذا التوسيع، يفرز تحديات وفرصا للدول الأعضاء في الاتحاد، وكذلك بالنسبة لشركائهم، وخاصة العرب في الجنوب، فكيف ترون الأمر؟
التحدّي بالنسبة لأوروبا، هو أولا تحدّ مؤسساتي. فالاتحاد الذي كان يعمل ضمن الدول الأعضاء العشرة، أصبح عليه أن يعمل ضمن 25 عضوا. ويكفي أن نتخيّل مثلا، مجرّد توالي الأعضاء الخمسة والعشرين على الكلمة، حول طاولة مناقشات، لنقف على صعوبة تنسيق ذلك. حيث يتطلّب ذلك استعدادات أكبر، وأساليب عمل مختلفة.. أما التحدّي الثاني، فهو ضرورة التصرّف في كل هذه المستجدات، ولا يمكن النجاح في ذلك، إلا عبر استكمال خطوات الاعداد للدستور، ونطمح إلى الوصول إلى ذلك قريبا، فالأمر ليس سهلا حتى الآن، وهو يتناول مسائل تنظيمية عميقة جدا ومعقّدة جدا. نعم، فشلنا في ديسمبر الماضي، في تبني دستور موحد، وكان ذلك بعد 18 شهرا من العمل الجاد، ولكن هذه المدّة، لا تمثل شيئا في التاريخ، قياسا بالانجاز الذي نسعى للحصول عليه، وهو الدستور الأوروبي، وسوف ننجح في التوافق حول الأمر.
أما التحدي الآخر، بالنسبة لنا، هو أن نواصل النظر باتجاه الخارج، وذلك هو معنى سياسة الجوار الجديد التي اقترحت في مارس 2003، من قبل الرئيس رومانو برودي، بمعنى ان التوسيع، ليس انغلاق الاتحاد على نفسه، بل هو طريقة للتقدّم، ولذلك أقول أن توحيد الاتحاد بالنسبة لجيرانه هو أولا، أن تحافظ هذه الدول على قدرتها التنافسية إزاء الدول التي انضمت حديثا إلى الاتحاد، وكذلك الدول الأخرى المرشحة للانضمام مثل بلغاريا.التحدّي الحقيقي ليس سياسيا، لأن الاتحاد سيظل منفتحا. والتحدّي لا يرتبط أيضا بالمساعدات العمومية الموجهة للمتوسط، وخاصة برنامج «ميدا» لأنها ستستثمر مع انها لا تشكّل سوى جزء ضعيف في حركة رؤوس الأموال في المنطقة حيث أن القروض المقدمة من قبل القطاع الخاص، وكذلك الاستثمارات هي أهم من ذلك بكثير، وعلينا ان نذكر ان أوروبا الوسطى، تمكّنت من تحقيق تنمية ملحوظة من خلال الاستثمارات الخاصة، وليس من مساعدات القطاع العام. ولذلك أعتقد ان التحدي الحقيقي لجيران الاتحاد، هو الحفاظ على قدرتها التنافسية، وبالتالي مواصلة الجهد على مستوى التأهيل الاقتصادي، وكذلك الانفتاح الاقتصادي والاجتماعي، حتى يكون بامكان هذه الدول أن تصبح في وضع قابل للمقارنة مع الأعضاء الجدد في الاتحاد، فالمستثمر في سعيه نحو أسواق جديدة، فإنما يقارن بين السياسات الاقتصادية وبين حجم الأسواق وبين الموقع الجغرافي وغير ذلك من المقاييس.. وفي هذا المستوى، فإن هناك تحديا خاصا يطرح على دول المغرب العربي، هو تفعيل اتحاد المغرب العربي، فتونس هي سوق بلد العشرة ملايين ساكن أما المغرب العربي، فهو مجموعة ما بين 70 و80 مليون ساكن، والمستثمر سيتساءل ما إذا بامكانه مثلا أن يستقر في تونس ويبيع في بقية دول الاتحاد.
* وإذا ما نظرنا إلى الفرص، فكيف يمكن القول ان توسيع الاتحاد يمثل فرصة للطرفين، دول الاتحاد الأوروبي، ودول الجوار، وخاصة في الجنوب؟
تونس، شريك تجاري تقليدي وصلب للاتحاد، والفرص هي أن تبيع انتاجها إلى الدول المنضمّة حديثا إلى الاتحاد، وقد بدأ ذلك بصفة آلية، ففي مجال الأسلاك الالكترونية، والذي تتمتع فيه الصناعة التونسية بسمعة جيدة، وتتعامل فيه مع شركات أوروبية هامة، فإن هذا الانتاج تحوّل بصفة آلية مع تلك الشركات (فولكسفاغن مثلا) التي افتتحت مصانع لها في أوروبا الوسطى، وتونس التي تعدّ شريكا تقليديا لهذه الشركات في أوروبا الغربية أصبحت تصدّر بضاعتها، بفضل التوسيع، نحو أوروبا الوسطى.. هناك امكانيات كبيرة تتطلب جهدا كبيرا.
* إذا ما نظرنا إلى الآليات الحالية للتعامل بين دول المغرب العربي والاتحاد الأوروبي، هل تعتقدون انه في سياق سياسة الجوار الجديد سيكون بامكان هذه الدول الحصول على نفس الفرص التي حصلت عليها الدول الأوروبية التي أصبحت أعضاء، بعد، في الاتحاد الأوروبي؟
سياسة الجوار الجديد تهدف إلى تعميق الشراكة مع هذه الدول لتمكين الدول الراغبة في ذلك، من الاقتراب أكثر ما يمكن من الدول التي انضمت إلى الاتحاد الأوروبي، أو التي ستنضم قريبا للاتحاد، وذلك يمسّ التشريعات السياسية والاقتصادية وغيرها، في مسيرة موسعة جدا حتى ان الاتحاد قرر أن يتم ذلك، حالة بحالة وحسب الطلب، لأننا ندرك انه ليس بامكان كل بلد أن يستوعب ما نطلق عليه اسم المكاسب الاتحادية (Les acquis commuautaire) في مجملها، كما ان الانتماء إلى الاتحاد ليس الهدف النهائي لهذه المسيرة، وبالتالي لا يمكن أن يكون الاستيعاب التام لتلك المكاسب شرطا أساسيا، إلا أنه من المهم جدا الاقتراب من التشريعات الأوروبية في جميع المجالات؟
* إلى أي مدى يمكن أن تصل السياسة الأوروبية للجوار؟
إنها تتجه إلى تحقيق الحريات الأربع المنصوص عليها طبقا لمدى زمني معقول، وذلك لن يستكمل غدا، والفكرة الأساسية للجوار هي ايجاد اندماج حقيقي اقتصادي واجتماعي، بدون الانضمام إلى مؤسسات الاتحاد أي بدون اندماج سياسي، ولكنها تهدف إلى تحقيق تقارب كبير.. أما إلى أي مدى يمكن أن يصل هذا التقارب، فإن ذلك يرتبط بمسألتين، أولا الامكانيات التي سيوفرها الاتحاد الأوروبي لتحقيق هذا الهدف، وقد أعلن الاتحاد، بعد، ان حجم التعامل المالي لسنتي 2005 و2006، لن يتغيّر وان الأمر سيتحسن بداية من 2007 .. كما ان الأمر يرتبط أيضا بقرار الشركاء حول ما يريدونه فعلا من هذه الشراكة.. العرض إذن طموح جدا، فهو (على المستوى الاقتصادي) يتجاوز الشراكة الحالية ويفتح المجال أمام توحيد التشريعات، وهو لا يختلف في صميمه على العضوية، باستثناء الانضمام إلى المؤسسات السياسية للاتحاد، إذن المسيرة اختيارية، وهي مفتوحة للراغبين في ذلك، ولكنها ستكون مسيرة تنافسية، فالبلد الذي يحقق مكاسب أكثر هو الذي يكون في الصورة أكثر.
* وذلك بطبيعة الحال على أساس الحريات الأربع؟
نعم، وحرية التنقّل وهي الأصعب ولن تتحقّق بين يوم وليلة، لأن ذلك يعني أيضا افراغ دول الجنوب من نخبها، وتلك حسابات خاطئة.
* لا أحد يرغب في ترك بلده، إذا ما توفرت له فرص الشغل، وبالتالي فإن النظر إلى هذه «الحرية» باعتبارها من أصعب الحريات الأربع تنفيذا، في «الجوار»، هي مسألة خاطئة، خاصة اذا ما كانت سياسة الجوار تهدف إلى توفير التنمية والمصلحة المتبادلتين؟
ليس من مصلحتنا أن يتم افراغ الدول النامية من نخبها العلمية، ولكن لتحقيق ذلك ينبغي مواصلة مسيرة التأهيل الاقتصادي والنمو المتكامل على جميع المستويات الاقتصادية الاجتماعية الديمغرافية والسياسية.. والتحدي الأساسي بالنسبة لدول الجنوب هو استقطاب الاستثمار الخاص.
* في هذا المجال هل الآليات التي يوفرها الاتحاد لدول الجوار، هي نفسها التي وفرها في مواكبته للتأهيل الذي حدث في الدول التي كانت تستعدّ للانضمام إلى الاتحاد؟
نعم هي نفسها، ولكن الدول التي كانت مرشحة للانضمام قامت بجهد كبير في التأهيل.. بولونيا مثلا غيّرت جذريا منظومتها المصرفية.
* وكم يتطلب ذلك من الوقت؟
الأمر لم يتجاوز أربع سنوات وأعتقد ان اربع سنوات تعد فترة طويلة نسبيا، لأن الشركاء المغاربيين مثلا، لم يخرجوا لتوهم من المعسكر السوفياتي كما هو الشأن بالنسبة لبولونيا، فهناك منظومة مصرفية فعّالة، تختلف عن المنظومة التي خرجت بها دول أوروبا الشرقية من ذلك المعسكر سنة 1989، ولكن، ولأن أوروبا الوسطى شهدت تلك الرجة السياسية، فإن الاقتناع كان يسود بضرورة الحصول على المكاسب السياسية والاجتماعية لدول الاتحاد، خلافا لدول أخرى لا تزال غير مقتنعة بذلك ولكن على الرغم من كل شيء فإن الصورة الأساسية، هي ما الذي ينبغي القيام به لجلب المستثمر الأجنبي الذي يتساءل عن أفضل المواقع التي يمكنه أن يستثمر فيها هل هي سلوفاكيا مثلا، أم المجر، أم تونس في هذا السياق أعتقد ان تونس هي في موقع ضعف أمام هذين البلدين مثلا.. ففي سلوفاكيا مثلا، هناك تحرير تام لخدمات البريد والنقل، والمستثمر الالماني مثلا بامكانه أن يستعجل خدمات المؤسسة الدولية التي تعوّد على استخدامها. والأمر لا يتعلّق بالقول أن البريد التونسي مثلا، هو مؤسسة فعالة جدا، المسألة على هذا المستوى تتعلق بسياق كاقتصاد ليبرالي في الخدمات اللوجستية في هذه الدول والعكس في تونس أو أي دولة أخرى في المغرب العربي.
* وقد يكون ذلك هو المرحلة الأخيرة التي يكون الوصول إليها، عبر المرور أولا بعدة مراحل أخرى؟
ربما يقتضي الأمر طرح سؤال حول المنطق من الابقاء على سيطرة الدولة مثلا على مجال كالبريد.. ومهما يكن من أمر، فإن هذا الأمر يعدّ نقطة سلبية في حكم المستثمرين الأوروبيين، سرعة الموانئ، ومرونة الاجراءات.
* وهل تعتقدون أن مخاوف دول الجنوب ازاء التوسيع هي مخاوف مبرّرة؟
على المدى القصير نعم، هذه المخاوف مبرّرة لأن ما نعايشه حاليا، قد يكون يدفع إلى مثل هذه المخاوف، فمثلا شركة «بيجو» ستفتتح مصنعا لها في سلوفاكيا، هذه السنة، وسيشغل ثلاثة آلاف وخمس مائة عامل، وبطبيعة الحال، فإن القرار لم يتخذ الآن، أو قبل سنة، بل كان بالضرورة نتيجة دراسة جدوى معمّقة، وقد كان ذلك منذ 8 سنوات وسلوفاكيا، تعني بالنسبة لهؤلاء المستثمرين، مركز أوروبا، جغرافيا، بما يعنيه ذلك من امكانيات الاطلالة على كل الأسواق الأوروبية.. ولا يوجد أي سبب يجعل، منطقيا، سلوفاكيا تحظى بمكانة أفضل لدى المستثمرين، من احدى دول المغرب العربي، باستثناء ان هذه الدول لا تشكّل حتى الآن سوقا كبرى، يمكن أن تكون مغرية للمستثمرين... كما انه لا يوجد أي سبب يمنع تحرير الخدمات اللوجستية مثلا... المسألة إذن تتعلّق بمدى اقتناع الجهات الرسمية بذلك.
* التحرير التام لقطاعات قد تكون حيوية، ربما ينبغي أن يكون المرحلة الأخيرة، في مسيرة طويلة؟
نعم هي مسيرة تدريجية، وليست سهلة ولكن أعتقد انه ينبغي الاسراع في هذه المسيرة، لأن التطورات في العالم لا تنتظر ثم ان موقف المستثمر لا يرتبط فقط بتحرير الاقتصاد، لأن الجوانب السياسية والاجتماعية هي هامة جدا في حكم هذا المستثمر.. الصحافة مثلا والعدالة... ذلك يشكل كلاّ لا يمكن تقسيمه.
* أوروبا الموحدة، ألا تعتقدون أنها في حاجة للتعبير عن نفسها، عبر سياسة خارجية، أكثر وضوحا، ثم ألا تعتقدون انه بانضمام مجموعة من الدول، تعدّ بشكل أو بآخر من أنصار السياسات الأمريكية، فإن ذلك قد يجعل السياسة الخارجية الأوروبية، تسير في نفس الاتجاه؟
أعتقد ان القضية لا تطرح بالنسبة لنا بهذا الشكل، فالدول الأعضاء الجدد، وخاصة، دول أوروبا الوسطى، هي دول خرجت من تحت التأثير السوفياتي، وانضمت في نفس الوقت إلى الحلف الأطلسي وإلى الاتحاد الأوروبي، وهذان الانضمامان مختلفان تماما، فالحلف الأطلسي هو تحالف عسكري، أما الاتحاد الأوروبي، فهو عائلة سياسية، وأعتقد ان هذه الدول في حاجة إلى مزيد من الوقت حتى تتعوّد بقواعد سير هذه العائلة وبردود فعلها، وذلك لا يعني ان الأوروبيين مثلا سوف يتوحدون بشكل تام وفي وقت قريب، حول قضية هامة مثل القضية العراقية، ولكن الأكيد ان التقدم سيحصل تدريجيا، حول توحيد المواقف.
وعموما فإني لا أعتقد أن توسيع الاتحاد، سوف يحدث شللا في السياسة الخارجية الأوروبية، فالدول المنضمّة حديثا إلى الاتحاد، سوف تدرك، تدريجيا، أهمية أن تكون موحّدة. وسوف يحدث ذلك.
* بشأن انضمام تركيا إلى الاتحاد، هل تعتقدون انه سيكون هناك حل لهذه القضية؟
أتمنى ألا يتحوّل النقاش الدائر حول انضمام تركيا إلى الاتحاد، ليأخذ صبغة دينية، وقد بدأت بعض الأحزاب اليمينية المتطرفة في أوروبا، بجرّ الحوار إلى هذا المستوى. وقد يكون ما يحدث في العراق وفي فلسطين، لا يسهّل كثيرا طرح هذه القضية في ابعادها الحقيقية، ثم ان هذا الحوار لا يتعلّق بتركيا فقط، فقد تطرح نفس الاشكاليات، بالنسبة لدول البلقان.
* نعم، طرح هذه القضية من منظور ديني، قد يبرّر مخاوف الجنوب أكثر، إزاء مشروع سياسة الجوار، باعتبار ان هذا الموقف الديني قد يشكّل كابحا، لسياسة الجوار؟
نعم، هذه المخاطر موجودة، ولكن اعتقد انه يمكن تجاوزها، فإذا ما نظرنا إلى الانتاج الأدبي والثقافي المغاربي عموما، فإن له مكانة جيّدة في أوروبا.
* قد يكون بالامكان التعايش، ثقافيا، وذلك يحدث الآن، ولكن هل ان ذلك قد يصل حدّ تقاسم مؤسسات هامة، في إطار شراكة عميقة جدا؟
أعتقد ان جزءا كبيرا من الجمهور الواسع في أوروبا يرفض هذه الفكرة فعلا، وليس مستعدا لذلك، ولكن أعتقد انه علينا ان نأمل في حوار عقلاني على هذا المستوى.
** الدكتور عزّام محجوب: ما يهم الامريكيين هو الجانب الأمني العسكري في الشراكة
تونس «الشروق»:
في حديث خصّ به «الشروق» تحدّث الدكتور عزّام محجوب استاذ الاقتصاد بالجامعات التونسية، والخبير الدولي الاقتصادي المرموق، عن الخيارات المطروحة أمام العالم العربي، وقال إننا نعيش منعرجا مصيريا وخطيرا، فإما التهميش، وإما استعادة المبادرة من جديد.
الدكتور عزّام محجوب شدّد على أهمية رصّ الصفوف العربية وترتيب البيوت داخليا، للنهوض الفعلي والاستفادة مما هو معروض علينا، ودعا الى الإقدام في أسرع وقت ممكن على تبنّي الاصلاحات الجذرية، باعتبارها خيارا نابعا منّا. كما قال انه لا ينبغي التعلل بأي ذريعة لعرقلة الاصلاح.
الدكتور عزام محجوب تحدث عن المشروعين الامريكي والأوروبي وعن كيفية الاستفادة من كل ذلك.
والدكتور عزّام محجوب، هو من الخبراء العرب الذين اعدّوا آخر تقرير للتنمية البشرية بالعالم العربي، في إطار برنامج الامم المتحدة الانمائي.
* كيف تنظرون الى أوضاع العالم العربي اليوم، ونحن في مفترق طرق واختيارات عديدة، وأمام تحديات جديدة لعل اهمها توسّع الاتحاد الاوروبي بطريقة غير مسبوقة؟
عالمنا العربي، يوجد اليوم، على جدول اعمال القمم الدولية. وفي الاسابيع القادمة ستنحت ملامح مستقبل العالم العربي، على المستوى الأطلسي والاوروبي. وهنا الأمل بالنسبة لنا في ما ستسفر عنه القمة العربية، وفي ان تكون القمة العربية بمستوى التحدي الكبير الذي يواجهنا وسيكون العرب في احد المواقع التالية:
اما مفعول بهم، اذا ما فشلت القمة العربية وانعدمت الرؤية المستقبلية بشأن رفع هذه التحديات من الداخل وبالتالي فإننا سنصبح محل تنافس بين القطبين الاوروبي والامريكي الاطلسي.
واما التفاعل الايجابي مع الأحداث، من خلال ايجاد هامش نسبي للتحرك والمبادرة والتعامل مع المشاريع المقترحة علينا.
أما الموقع الثالث، فهو ان نكون فاعلين ونشرع في استعادة دورنا وفي العودة الى التاريخ الذي خرجنا منه منذ قرون.
لذلك اعتقد اننا، كعرب، في منعرج مصيري وربما تكون المأساة التي نعيش في فلسطين وفي العراق، فرصة لنا لرد الفعل والتحرّك باتجاه النهضة من جديد، واستعادة المبادرة (احتلال نابليون لمصر، أحدث رجّة لدى العرب، وردّوا الفعل من خلال النهضة التي عرفوها في القرن التاسع عشر).
نحن في منعرج خطير، وعلينا ان نستغل ما نعيشه الآن من أحداث، لنكون فاعلين فيها. الأمريكيون يعتبرون المنطقة الممتدة من مراكش إلى أفغانستان، قوس عدم الاستقرار ومصدر الارهاب، وبالتالي فإن الوضع خطير، وعلينا التحرك في مواجهته.
العرب، ولعدّة اعتبارات، ليسوا مهمّشين حتى الآن، كما هو شأن افريقيا جنوب الصحراء مثلا، فهم:
يحوزون على موقع استراتيجي هام.
يمتلكون ثروات نفطية هامة.
يمتلكون ميزة القرب أو الجوار المباشر مع الاتحاد الأوروبي.
لكل هذه العوامل، فإن العرب أمام رهان وجودي كبير، فهل يمكن رفع هذا الرهان؟ من سوء حظنا اننا كعرب في موقع الضعف هذا، وربما من حسن حظنا، في نفس الوقت، إننا على جدول الأعمال الدولي.
* ما الذي يمكن أن يمثله توسّع الاتحاد الأوروبي بالنسبة لنا كعرب، هل ينبغي أن نعتبر ذلك فرصة نستغلها أم تحدّيا علينا الحذر منه؟
أكبر خطر يتهدد العالم اليوم هو الهيمنة الأمريكية المطلقة، والتوجه الأمريكي الانفرادي (ميزانية الدفاع الأمريكية تفوق الانفاق العسكري للدول العظمى العشرة التي تليها) وبالتالي فإن العالم فقد توازنه، بسبب هذه الانفرادية (والتي يتم التعبير عنها من خلال تيار المحافظين الجدد أو نيو امبريالي)، وازاء هذه الهيمنة، فإنه بامكاننا كشعوب عربية من خلال التحالف مع الشعوب الأوروبية، ان نتصدى لهذه الهيمنة وان نعمل على اقرار منظومة علاقات دولية متعددة الأطراف، ترتكز على تعدّدية الأقطاب. ويوجد حاليا في العالم، ثلاثة أقطاب:
+ قطب أمريكي يدور حول الولايات المتحدة الأمريكية والمكسيك ودول المركسور.
+ قطب آسيوي يدور حول الصين واليابان وكوريا ودول الآسيان.
+ الاتحاد الأوروبي ويدور حول أوروبا ومجموعة الدول المستقلة ودول المتوسط.
ويمثل القطب الأول 31 بالمائة من الثروة العالمية، أما القطب الثاني فيمثل 35 بالمائة اما القطب الثالث، والذي يمهنا، فيمثل 28 بالمائة. ولئن يبدو التوازن نسبيا بين هذه الأقطاب، فإن الاشكال بالنسبة للقطب الثالث هو البقاء في هذه المكانة. وحسب دراسة هامة قام بها المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية فإنه من المصلحة الاستراتيجية بعيدة المدى لأوروبا، أن توثّق علاقاتها مع محيطها المباشر، والرهان بالنسبة لحفاظ أوروبا على مكانتها كقطب اقتصادي عالمي، أن تنجح في إقامة علاقات جوار تمكّن من نهوض اقتصادي واجتماعي شامل للدول في محيطها المذكور. أما إذا لم يحدث ذلك، فإن أوروبا مهدّدة بالانسحاب من السباق الحالي بينها وبين الولايات المتحدة الأمريكية، انسحابا نهائيا. كما انها إذا فشلت في تحقيق هذا الرهان فإنها ستصبح مهدّدة بزيادة عدم الاستقرار في جوارها المباشر، فتفاقم الفوارق الاقتصادية سيولد مخاطر تهدّد أمن واستقرار كل المنطقة.
أما إذا نجحت أوروبا في رفع هذا التحدّي المصيري، أي الاستمرار كقطب أساسي يستند على حتمية النهوض ببلدان الجوار، فإنه، وحسب دراسة استشرافية إلى حدود سنة 2025، سيكون بامكان القطب الأوروبي ان يرفع نصيبه من الثروة العالمية من 28 بالمائة إلى 32 بالمائة (الفشل يعني تدهور حصتها من 28 بالمائة إلى 20 بالمائة). وبالنسبة لنا فإن نجاح أوروبا في هذا الرهان يعني ارتفاع حصتنا من الثروة العالمية لتصل إلى 9 بالمائة وإذا فشلت فيعني تدهور حصتنا إلى 6. ذلك هو رهان أوروبا، والذي يرتبط بالنهوض بدول الجوار.
وإذا ما صحّت هذه الأرقام الاستشرافية، فإنه علينا أن ندرك ان هناك مصلحة مشتركة ومصيرا مشتركا بين أوروبا والعرب وان مستقبل أوروبا يرتبط بنا، في مسار مشترك.
إذن أعتقد ان شراكتنا مع أوروبا هي الأفضل بالنسبة لنا، لأننا نحقق الاقلاع الاقتصادي من ناحية، وندعم مفهوم التعددية القطبية في العلاقات الدولية من ناحية أخرى.
* ولكن نجاحنا كعرب مع أوروبا لا يبدو انه يرتبط، بجهد منّا، فكيف ذلك؟
نجاحنا في المسار مع أوروبا يرتبط إلى حد كبير بنجاحنا في ايجاد تمش تكاملي بين بلداننا العربية. وذلك أساسي. والشريك الأوروبي، بمفهوم الجوار، هو شريكنا الاستراتيجي، ولكن هذه الشراكة لا يمكن أن تنجح إلا عبر خطوات ثابتة في التكامل والتضامن العربي الحقيقي، لذلك لابد من إعادة ترتيب بيوتنا داخليا، حتى يكون بامكاننا الاستفادة مما هو معروض علينا.
* كيف يتم التفاعل الآن مع الشراكة في ضوء توسّع أوروبا وانضمام دول جديدة ذات ميولات أمريكية؟
نعم في أوروبا الموسعة الآن، نزعتان. نزعة تدافع عن الاتجاه الأطلسي، أي ان الارتباط بالحلف الأطلسي هو العنصر الأساسي المحدد للسلوك الأوروبي في المجال الدولي، بالتالي الخضوع إلى حدّ ما، للموقف الأمريكي، ويمكن القول ان هذا الموقف يدعم التوجه الانفرادي الحالي في العلاقات الدولية. وأصحاب هذه النزعة يهمّشون ربط صلات متينة مع دول الجنوب (في حرب العراق أعطت الدول المنضّمة حديثا إلى الاتحاد الأوروبي صورة عما يمكن أن يكون عليه الموقف).
أما النزعة الثانية، فهي العاملة من أجل هامش استقلال ذاتي أوروبي، ومن أجل تحرّك منفصل نسبيا، في مجالات العلاقات الدولية خدمة للاتجاه التعدّدي. والاشكال بالنسبة لنا كعرب، سنتابعه خلال الأسابيع القادمة، وهو مدى تفاعل أو تنافر هذين التيارين في تحديد مستقبل الموقف الأوروبي.
* ما هي مرامي وملامح المشروعين الأمريكي والأوروبي؟
المشروعان هما «مبادرة الشرق الأوسط الكبير» الأمريكية وكذلك المبادرة الأوروبية حول «الشراكة» الاستراتيجية بين أوروبا وبلدان المتوسط والشرق الأوسط، وقد جاءت ردّا على المشروع الأمريكي.
المشروع الأمريكي، وقع طرحه بدون التشاور المسبق، وهو موجه إلى البلدان العربية واسرائيل وايران وأفغانستان وباكستان، أو المنطقة التي تعتبرها الولايات المتحدة الأمريكية «قوس المخاطر ومصدر الارهاب». ويرى الأمريكيون أن الارهاب يرتبط بالأوضاع الاقصادية المتردية والسياسية والثقافية المتخلفة والمتزمتة. وبدون الخوض في تفاصيل المشروع، فإنه وباستثناء اقتراح انشاء بنك للاستثمار، فإن كل الاقتراحات الأخرى هي تفاصيل بدون دعم مالي حقيقي. لكن ما سيسعى إليه المشروع الأمريكي هو تحقيق الجانب الأمني والعسكري في هذه الشراكة المعروضة، بما يعني ضمّ أغلبية البلدان المعنية بهذه الشراكة، تحت مظلّة الحلف الأطلسي. كما انه سيسعى إلى اقامة مناطق ثنائية للتبادل الحرّ بين الولايات المتحدة وهذه الدول. وهذه المسألة هامة جدا، إذا ما عدنا إلى آخر اجتماع للمنظمة الدولية للتجارة في «كانكون» حيث تمكّنت كتلة من بلدان الجنوب من التصدي إلى السياسات التجارية لكل من الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا، والتي تعيق التنمية في بلدان الجنوب، وبالتالي وللحيلولة دون تكرار ذلك، لجأت الولايات المتحدة الأمريكية إلى اتفاقيات تبادل حر ثنائية مع عديد البلدان في أمريكا الجنوبية، وكذلك خارجها (الأردن، المغرب وقريبا تونس ومصر) وإضافة إلى ذلك فإن الولايات المتحدة الأمريكية تشكو من عجز في ميزانها التجاري مع المنطقة العربية (هي تستورد البترول بكثافة) وبالتالي فإنها تسعى عبر هذه الشراكة وعبر مناطق التجارة الحرّة إلى معالجة هذا العجز وكذلك منافسة الاتحاد الأوروبي في الأسواق العربية ولا يحظى هذا المشروع بالقبول لدى الرأي العام العربي، بل يرى فيه «العرب» مشروعا استعماريا جديدا، تحت قناع نشر الديمقراطية، إذ لا تحظى الادارة الأمريكية الحالية بالمصداقية (أسلحة الدمار الشامل في العراق والعلاقة التي قيل انها موجودة بين صدّام وبن لادن، وأخيرا احداث التعذيب الأخيرة والتي أكدت هذا الموقف.
* المشروع الأوروبي وهو الأقرب إلينا، والذي جاء دعما لسياسة الجوار، ما هي نقائصه وكيف نتفاعل معه؟
المشروع الأوروبي يمكن اعتباره ردّا على المشروع الأمريكي، وقد قدّمه الاتحاد إلى الجامعة العربية
(EU strategic partener ship with the mediterranean and the middle East)
الأوروبيون يطرحون شراكة، يعني حوارا وتشاورا حتى يصبح هذا المشروع مشتركا. وربّما علينا أن نتساءل، إذا كان المشروع الأوروبي ينص على الحوار، فما هي حقيقة هذا الحوار، وأي دور للمجتمعات المدنية التي يتعهد المشروع باشراكها؟
هذا المشروع، يهم الدول المنضوية في إطار مسار برشلونة، اضافة إلى العراق واليمن وموريتانيا ودول الخليج وايران. ويتعهد نص المشروع بالعمل على حلّ الصراع العربي الاسرائيلي والأخذ بعين الاعتبار المسألة العراقية. والتمشي الذي تعهد به المشروع ليس واضحا حتى الآن الأوروبيون يعتبرون ان عملية الاصلاح السياسي ينبغي أن تكون موازية لاحلال السلام في المنطقة، خلافا للموقف الأمريكي الشاروني، الذي يريد الاصلاح ثم السلم. وبالنسبة لنا كشعوب عربية فأعتقد ان المطلبين ينبغي أن يسيرا بصفة موازية.
وينصّ المشروع أيضا في مرجعيته على السياسة الجديدة للجوار التي قدمها الاتحاد الأوروبي في مارس 2003، والتي تعني الدول العربية المتوسطية واسرائيل وروسيا وأوكرانيا ومولدوفا وبيللاروسيا وهي سياسة تسعى إلى دعم مسار برشلونة بادراج امكانية التمتع بالسوق الأوروبية الموحدة والحريات الأربع وهي حرية تنقل الأشخاص والأموال والخدمات والممتلكات، بدون الانضمام إلى مؤسسات الاتحاد، كل ذلك مقابل «شروطية ايجابية» وهي تحقيق الاصلاحات الداخلية طبقا لما يسمى بالمكاسب الاتحادية (في السياسة وحقوق الانسان والديمقراطية).
المشروع الأوروبي، يهدف إلى تحقيق 11 هدفا، يمكن تلخيصها ضمن مجموعات، تتعلّق الأولى بتحقيق التنمية، طبقا للطلب الداخلي للبلدان ومساندة الاصلاحات وخاصة في مجال بناء الديمقراطية والتعليم والمساواة بين الجنسين، وكذلك تسهيل تبني التبادل الحر ودعم القطاع الخاص، كما تتعلق بالحوار السياسي وحقوق الانسان، وكذلك بالتعاون في مجال محاربة الارهاب وأسلحة الدمار الشامل وكذلك في مجال الأمن تحت مظلتين، المنظومة السياسية الدفاعية الأمنية الأوروبية وكذلك في نطاق المؤسسة الأطلسية. (وربما بامكاننا هنا أن نتساءل عن حقيقة التعهد باشراك المجتمع المدني، والاصلاح في المجال السياسي والمؤسساتي، هل هو عنصر حقيقي في الشراكة أم انه ليكون غطاء لتمرير المعيار الأمني).
وإذا ما اعتمدنا على الترابط بين المشروع الأوروبي و»الجوار الجديد»، فإن الجوار الجديد، يمثل اطارا أوضحا وأعمق. ويمكن القول ان فيه محاولة لتجاوز مرحلة مسار برشلونة إلى ما هو أوسع وأشمل، ولكننا نتساءل ما إذا سيكون الدعم المالي في المستوى المنشود حتى يصبح دافعا حقيقيا لعملية التنمية في بلداننا، مع العلم انه وفي إطار مسيرة برشلونة لم يتحقق إلا القليل على هذا المستوى، حيث يحقق الاتحاد الأوروبي فائضا تجاريا لصالحه ب22 مليار أورو على حجم تبادل مع المتوسط قدره 150 مليارا. كما تقدر ديوننا الخارجية ازاء الاتحاد 160 مليارا. وبالتالي فإن صافي الأموال المنقولة، والتعامل مع هذه الديون (Le transfert net) يقدر ب 19 مليار أورو. وبالمقابل لا يمثل الاستثمار الخارجي المباشر سوى 7 مليارات فقط، اما المساعدات في اطار برنامج «ميدا» (من 0.7 إلى 0.8 مليار أورو سنويا) والبنك الأوروبي للاستثمار (من 1.2 مليار إلى 1.4 مليار أورو سنويا) فانها ضئيلة جدا، وإذا ما قارنا الأرقام، فإن المعادلة ليست في صالحنا، اطلاقا ولابد هنا من مراجعة الأمر، باتجاه توازن أكثر، وذلك أساسي جدا، إذ أنه بدون التوازن المالي التجاري، لا يمكن أن نأمل في حدوث تغيير حقيقي من شأنه أن يدعم المسار التنموي، إذ ان بلداننا في حاجة إلى رفع نسق النمو السنوي من 3 و4 بالمائة إلى ما بين 6 و7 بالمائة حتى نتمكّن من الاستجابة إلى طلبات الشغل في عالمنا العربي خلال العشر سنوات القادمة والتي تقدر بما بين 45 و50 مليون موطن شغل. لذلك اعتقد انه لابد من طرح قضية المديونية ومعالجتها، وكذلك لابد من فتح ملف الزراعة لايجاد حل منصف على هذا المستوى، فالمشروع الأوروبي ينص على تمكين الشركاء من السوق الأوروبية، فإلى أي مدى يشمل ذلك موضوع الزراعة الشائك؟ علينا ان نبحث ذلك كما انه علينا أن نبحث أيضا مدى جدية شركائنا حول وعدهم بشأن الحريات الأربع وخاصة حرية تنقل الأشخاص، فما هي جدية وحدود هذا الوعد؟
** مسيرة أوروبا الموحدة
9 ماي 1950: وزير الخارجية الفرنسي، روبرت شومان يقترح دمج صناعات الحديد والفحم في أوروبا الغربية وقد كان هذا المشروع الأساسي الذي انبنت عليه في 1951، المجموعة الأوروبية للحديد والصلب، والذي يتشكل من ألمانيا بلجيكا فرنسا ايطاليا اللوكسبورغ وهولندا. وقد تم تشكيل هيئة قرار موحّدة ترأسها جون مونيي.
1957: دول المجموعة الست، تمضي اتفاقية، روما، التي انشأت المجموعة الاقتصادية الأوروبية، والمجموعة الأوروبية للطاقة الذرية.
1967: دخول العاهدة الموحدة للمجموعة الأوروبية للحديد والصلب والمجموعة الاقتصادية الأوروبية والمجموعة الأوروبية للطاقة الذرية، حيز التنفيذ.
1973: انضمام الدانمارك وايرلندا والمملكة المتحدة.
1981: انضمام اليونان.
1986: انضمام اسبانيا والبرتغال.
1992: امضاء معاهدة ماستريخث، وبذلك تصبح الوحدة الاقتصادية والمالية الأوروبية، واقعا.
1993: معاهدة ماستريخث تدخل حيز التنفيذ، بذلك تصبح للمجموعة الأوروبية، ذات البعد الاقتصادي، اتحادا ذي بعد سياسي (سوق موحدة، وعملة أوروبية موحدة).
1995: انضمام النمسا وفنلندا والسويد ودخول معاهدة شنغن حيز التنفيذ، وقد أبرمت سنة 1990 وتنص على حرية تنقل الأشخاص.
2002: بداية التعامل بالأورو، بهدف تيسير تنقّل الأموال.
2004: انضمام قبرص واستونيا والمجر وليتونيا وليتوانيا ومالطا وبولونيا وجمهورية التشيك وسلوفاكيا وسلوفينيا.
مشاريع الاتحاد في المستقبل: انضمام بلغاريا ورومانيا، وربما تركيا، ووضع دستور موحّد للاتحاد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.