يعتبر السّرطان مرض العصر لشدّة انتشاره و عدم ارتباطه بجنس معيّن أو بشريحة عمريّة محدّدة، وكثيرا ما يوصف ب”الخبيث” لخطورته و سرعة انتشاره بجسم الإنسان خاصة و إن تم التفطّن إليه في مراحل متقّدمة. و في السنوات الأخيرة انتشر مرض السرطان بسرعة مهولة في مختلف دول العالم و من بينها تونس حيث أنّه و حسب تقرير المعهد الوطني للصّحة الخاص بمنطقة الشّمال التونسي و الذي تحصّلت تونس الرقميّة على تلخيص منه، فإنّ مرض السرطان يصيب 149.2 شخص على مائة ألف بالنسبة للذكور و 112.3 شخص على مائة ألف بالنسبة للإناث و ذلك ما بين سنتي 2007 و 2019. ورغم انتشار هذا المرض بسرعة نجد أنّ المراكز أو المستشفيات العموميّة التي تُعنى بالمصابين به قليلة و غير مهيّأة كما يجب، و هو ما سبّب تشكيات عديدة من قبل المرضى من أبرزها خاصة طول المواعيد و تذبذب المعاملة الطّبية التي لا تراعي في أحيان كثيرة الوضعيّة النّفسية للمريض. مختلف هذه المشاكل جعلت المجتمع المدني يتدخّل بكثرة لنجدة المصابين بالسرطان و على رأسه الجمعيات التي تعمل على تسليط الضّوء على مجموع المشاكل التي يمرّ بها المصابون بالأورام الخبيثة في المستشفيات العموميّة و تحاول لفت الانتباه لبعض التجاوزات التي يقوم بها الأطباء خاصة في كيفية التعامل مع المريض و قد تحدّثت السيدة روضة زروق رئيسة جمعيّة مرضى السّرطان لتونس الرّقمية عن البعض منها. والسيدة زرّوق هي إحدى المصابات سابقا بهذا الورم الخبيث و عايشت الصّعوبات التي يتعرّض لها مريض السرطان في المستشفيات العموميّة حتى و إن لم تكن مرتبطة بها في شخصها، لتلفت انتباهنا خاصة إلى عدم توفّر الإحاطة النفسية بالمريض إلى جانب الإحاطة الطبية، لأنّ تجاوبه مع العلاج يعتمد خاصة على الراحة النفسية وفق رأيها. و تضيف محدثتنا أنّ من بين التفاصيل التي لايوليها البعض أهمية كبرى رغم حساسيتها ودقّتها هي كيفية إعلام المريض بمرضه من قبل طبيبه المباشر منذ البداية إذ يجب أن يكون الطّبيب مرفوقا بأخصائي نفسي و هذا من منطلق تجربتها الشخصية كمديرة جمعيّة في تواصل دائم و مباشر مع عدد لا بأس به من الحالات. صعوبة التأقلم مع شبح الموت الذّي أصبح يهدّد حياتك منذ تلقّيك خبر إصابتك بالسرطان و ذلك الألم الحاد الموجود في أنحاء مختلفة من جسدك، فقدانك لأجزاء مختلفة منك قد تشمل معايير جمالية في بعض الأحيان كالشّعر بالنسبة لكلّ أنثى هكذا تصف رئيسة جمعية مرضى السرطان دقة الموقف وتأثره في جانب كبير منه بالعامل النفسي … وتضيف أنّ هذا التغيّر المفاجئ يستدعي بالضّرورة معاملة مختلفة و هو الجزئيّة الغير متوفّرة في أحيان كثيرة بالمستشفيات التونسيّة حسب محدّثتنا التي أشارت إلى عدم إيلاء الجانب النفسي لمرضى السرطان حق مقداره فحسب، بل قد يتعرّضون أحيانا إلى معاملة “غير لائقة”… الصعوبات التي يواجهها مرضى السرطان في بلادنا لا تتوقف عند الجانب النفسي بل تتجاوزه إلى عراقيل أخرى على غرار مشكل ضياع ملفات المرضى التي تنتشر بكثرة في مستشفياتنا… وحول هذا الموضوع تحديدا أكّدت مديرة جمعيّة مرضى السرطان أنّ الجمعية قدّمت 20 حاسوب لمستشفى صالح عزيز لتفادي إشكال ضياع ملفات المرضى و لكنّ الإشكال مازال إلى الآن متواصلا مع تجاهل بعض الأطراف المعنية لمسؤولياتها أحيانا. ورغم أن هذا المرض يتطلب تدخلا طبيا عاجلا من حيث تسريع الفحوصات واتخاذ التدابير اللازمة في الغرض لحسم المعركة نغ الخبيث في أسرع الآجال، إلا أنّ طول المواعيد الطّبية بسبب الاكتظاظ في المستشفيات العمومية و عدم توفّر مستشفيات في الجهات تُعنى بهذا المرض تمثّل مشاكل إضافية أمام المصابين بهذا الداء، وللإشارة فإنّ مرض السرطان يعتبر المرض الثاني المتسبّب في الوفاة في تونس بعد مرض القلب و الأوعية الدمويّة حسب المعهد الوطني للصّحة، إذ أنّ السرطان مسؤول على وفاة 16.8 % من الوفيات في سنة 2013، و أغلب المستشفيات التي تُعنى به تتركّز في العاصمة… ووسط كلّ هذه المشاكل و المصاعب تبقى الجمعيات المعنية ملاذا آمنا يلجأ إليه المريض إذ سعت جمعيّة مرضى السرطان على سبيل الذّكر لا الحصر من خلال موقعها القريب من المستشفيات، إلى توفير الإقامة للمرضى كما أنّها تساهم في إجراء بعض الفحوصات و التحاليل بتعريفة منخفضة في بعض المصحات الخاصة و ذلك لربح الوقت، كما تقوم الجمعيّة أيضا بالدّفاع عن حقّ المريض في العلاج و هي تدعو خاصة كلّ الأطباء و الإطارات الطّبّية بكلّ المستشفيات إلى التركيز على الرأفة بالمريض و مراعاة حالته النفسية. و من منبرها دعت كذلك باعثة الجمعية السيدة زروق وزارة الصّحة إلى تحديد عدد مرضى السرطان في تونس بدقّة، إذ أنّه من المعلوم أنّ سرطان الثدي يحتلّ المرتبة الأولى يليه سرطان عنق الرّحم بالنّسبة للنساء في حين أنّ سرطان الرئة يحتل المرتبة الأولى بالنّسبة للرّجال و من بعده سرطان القولون أو الأمعاء الغليظة و لكن عدد المصابين به عموما كلّ سنة يبقى متأرجحا بين من يقول أنّه في حدود 15 ألف و بين من يؤكّد أنّه تجاوز ال 20 ألف حالة. وخلال زيارتنا لجمعية مرضى السرطان تمكّنت تونس الرّقمية من الحصول على تصريحات بعض المصابات بهذا الورم الخبيث و اختلفت الشّهادات… بين من تحصّلت على معاملة جيّدة من قبل الإطار الطّبي و الطبيب المباشر لحالتها و كذلك من قبل جمعيّة مرضى السرطان التي تتكفّل بإيوائها، و بين من مرّت بمختلف المصاعب و المشاكل التي تحدّثنا عنها في بداية عملنا الصحفي و يبرز ذلك خاصة في تأخّر تشخيص المرض من قبل فريق الأطباء و بُعد المواعيد و عدم مباشرة العلاج الكيميائي في موعده وهو ما أدّى إلى انتشار الورم الخبيث في مناطق عديدة من جسدها حسب ما أدلت به المريضة. وتروي إحدى المصابات التي تمكّن منها هذا الداء العضال في أماكن مختلفة من جسدها عن تفاصيل معاناتها مع هذا المرض الذي أخبرها الأطباء في البداية أنه مجرد برد في المفاصل … وعن اختلاف معاملة الأطباء لها تقول : “فما أولاد حلال و فما إلي تكلّموا و كأنك كلب ينبح على طيارة مايسمعكش و ميردش ليك اللّغاء” هكذا اختصرت بعض المعاملات التي عايشتها. ورغم قوة إيمانها بقضاء الله وقدره إلا أن محدثتنا أكدت أن تعطيل الفحوصات وتعقيدها تسبّبا في خسارتها لعامين كاملين استفحل خلالها المرض في أنحاء أخرى من جسدها .. حيث كان بالإمكان القضاء عليه قبل أن يفوت الأوان.. ورغم أن مرض السرطان وكما أشرنا سابقا يعدّ من آفات العصر ووحشا كاسرا حصد أرواح الملايين في العالم .. إلا أنّ الدّولة التونسيّة و وزارة الصّحة يجب أن تتحمّلا مسؤولياتها في توفير كلّ مستلزمات مجابهته و الوقاية منه و خاصة العمل بدرجة أكثر على الحملات التحسيسيّة و التوعويّة..