أنت في قلب باب بحر بصفاقس امام عمارة البنك التونسي سابقا وهذه التحفة الفنية الرائعة التي لعبت فيها اصابع الحرفي لتقدم حقبة تطور البناء والمعاصر وتحكي قصة انصهار المدينة مع محيطها دون المس بالموروث وإنما امتداد من السور والمدينة العتيقة الى مشارف المكان وكأنك امام معزوفة تحاكي ماضي الاجداد وتعطي معنى للحياة خارج النشاز المعماري. هذا العقار على ملك أحد أباطرة المال والأعمال في صفاقس الكاره للتاريخ والمخرب لتراث معماري يمتد ليحاكي المدينة القديمة وسورها العظيم بتحفة تحكي معمار يعاصر ويؤرخ لحقبة جعلت من صفاقس تبني لتستمر وتعطي لتؤرخ وتجاري سياق تاريخي يتحرك بسرعة البرق حتى تترك لأبنائها معالم وبناءات تجعل منها تحفة فنية معمارية تكون صورة تخلد مجد وتطور وامتداد الجهة. هذا لا يعجب البعض ولا يحرك ملكة في داخلهم ويقتل الغيرة على جهة قدمت الكثير لوطن ينزف تخلّفا ويبكي اجتهاد وجشع البناء والاستثمار الذي لا يراعي حرمة التاريخ ولا يعطي اهمية للتراث ولا يحب خاصية تتميز بها مدينة عصرية تمد جناحيها لتعانق التاريخ الاغلبي وتساند المعمار العربي الاسلامي وتنصهر مع ماضي قديم ارّخ لتاريخ جميل . عمارة البنك التونسي اشتراها احد أباطرة المعمار وصاحب نفوذ ورجل “مال وعمايل” ومموّل لحزب ومدعم لكيان لا تروقه البناءات القديمة ولا يحب التراث وهذا المقاول كان هو يدرك جيدا ان العقار والعمارة مسجلة كمعلم محمي من جملة العديد من المعالم داخل المدينة وفي قلب باب بحر إلا انه تحرك بذكائه الفذ وعبقريته ودهائه في الاستثمار في الحجارة والتشييد وانتهازية الثروة وحب المال وانطلق منذ اكثر من عشرين سنة يخرب الاساس وأمام الجميع وبكل جرأة يزرع الملح في العمارة ويعيد اسطورة الرومان والخراب والدمار للمعمار وصناعة السبخ لتصبح عمارة الشاه آيلة للسقوط وانتظر اللحظة بفارغ الصبر والاستمرار ونهب التراث وقتل الارث وهو من اهل المدينة ويبدو انها لم تعد تروق لصاحبنا لانه انتقل للعاصمة وأخذته الحداثة وعشقه للبلور المحمي وحبه الكبير للعصر والسمو الى الاعلى ليتمكن وعبر تقرير من مكتب المراقبة يؤكد ان العمارة اصبحت في خطر ووجب هدمها ليفوز بجائزة عمل من اجلها كثيرا ونيشان يعطيه حق قتل وتأبين هذا المعلم التاريخي الذي اشتغل من اجل تخريبه ايام وليالي وهو يتلذذ بنعمة الدمار ودهس الاحجار وحب الاقمار وصعود السماء حتى يقترب من الماء ويدعو لصلاة الاستسقاء ليأتيه الغيث النافع بالبقاء ويتسلم قرار اللقاء مع لحظة الهدم وساعة البناء. هكذا اصبحنا في صفاقس نخرب اعشاشنا بأيدينا ونخسر نقاط لكسب تسجيل مدينة صفاقس في التراث العالمي ونزرع عقبات من اجل زيادة خنق المدينة مروريا وتغيير الجمالية البصرية والاعتداء على التاريخ بالفاحشة وقتل الارث والموروث والعودة الى الصور القديمة ونؤسس من اجل بناءات وطوابق شاهقة والكل يعمل في خط واحد والكل يندب مدينة اصبحت بدون روح وغابت فيها الخصوصية وماتت. نعم استطاع صاحبنا ان يتحصل على قرار هدم عمارة البنك التونسي ويبدو أن وزارة الشؤون الثقافيّة بصدد إلغاء الحماية على معلم تراثي محميّ منذ 2001 وأعني به “البنك التونسي” في باب البحر ومالكه ما فتئ منذ ذلك الوقت يهدمه من الداخل أمام نظر البلديّة وتفقديّة التراث ولا أحد يتدخّل والنتيجة هي هدم كامل للمعلم وهذا الصنيع لا يمكن لهيئة التراث العالمي لليونسكو أن تقبل به وملف صفاقس سوف يودع في القمامة وحسرتي على صفاقس . بعد هدم البنك التونسي سيأتي دور قصر بن رمضان ثمّ بناية النوري وهي محميّة أيضا وتحف معماريّة ثم غيرها ما دمنا ننظر ونتحسّر فقط.. بقلم: رياض حاج الطيب * * * * * *