في اللغة اليومية كما في النقاشات المجتمعية، تتكرر كلمة "الدخل" باستمرار. لكن ما الذي تعنيه بالضبط؟ ولماذا تحتل مكانة مركزية في فهم آليات الاقتصاد؟ غوص في صميم مفهوم أساسي، عند تقاطع المسارات الفردية والديناميات الجماعية. تدفّق في صميم الحياة الاقتصادية يشير الدخل إلى مجموع الموارد التي يمتلكها شخص أو فاعل اقتصادي خلال فترة زمنية محددة، من دون المساس بثروته الأصلية. و هو التدفّق الذي يغذّي الاستهلاك والادخار، ويؤثر بشكل أوسع على مستوى المعيشة. هذا المفهوم، المشتق من اللاتينية re-venire، أي "ما يعود"، يعكس فكرة المقابل المالي في مقابل عمل مُنجز، أو رأس مال مُستثمر، أو ممتلكات مُؤجرة. في النظام الاقتصادي، تؤدي عملية الإنتاج إلى توليد الدخل، الذي يُستخدم بعد ذلك في الإنفاق، مما يُمكّن من شراء الإنتاج الأصلي. هذه الدورة، التي صيغت منذ القرن الثامن عشر، لا تزال تشكّل أساس التحليل الكلي للاقتصاد، حيث تُعادل مجموع المداخيل الثروة المُنتَجة داخل إقليم معين، أي الناتج المحلي الإجمالي (الناتج الداخلي الخام). وجوه متعددة للدخل وراء مصطلح "الدخل" تختبئ حقائق متعدّدة. فقد يأتي من العمل (الأجور، الأتعاب)، أو من رأس المال (الفوائد، الأرباح، الإيجارات)، أو من التحويلات الاجتماعية (المنح، المعاشات التقاعدية). وعلى مستوى بلد بأكمله، نتحدث عن "الدخل القومي"، الذي يشمل مجموع المداخيل التي يتلقاها السكان خلال سنة واحدة. توزيع هذه التدفقات بين مختلف الفئات — من عمال، وحاملي رؤوس الأموال، ومتقاعدين — يُشكّل المشهدين الاقتصادي والاجتماعي. و تُفسّر تعددية مصادر الدخل أيضاً الفروقات التي تُلاحظ بين الأفراد أو الفئات الاجتماعية. إذ تختلف المداخيل بحسب مصدرها (العمل أو رأس المال) وكذلك بحسب قيمتها، مما يولّد في كثير من الأحيان تفاوتات لافتة. إن دراسة هذه الفروقات، سواء كانت على مستوى التباين داخل مجموعة واحدة أو التفاوت بين الفئات، تغذّي النقاش العام وتوجّه السياسات الاقتصادية. الدخل، الاستهلاك و القدرة الشرائية لقد صاغ الاقتصادي جون ماينارد كينز العلاقة بين الدخل والاستهلاك ضمن ما سمّاه "القانون النفسي الأساسي": كلما ارتفع الدخل، ازداد الاستهلاك، ولكن بوتيرة أبطأ. فبعد حدّ معيّن، يُخصّص جزء متزايد من الدخل للادخار بدلاً من الإنفاق. ويُفسّر هذا المبدأ الدور الحاسم للدخل في تحديد القدرة الشرائية، وبالتالي في تحفيز النمو الاقتصادي. و لا يقتصر الدخل، كمؤشر، على قياس الثروة الفردية، بل يُستخدم أيضًا كمرجع لتحديد الأهلية للحصول على بعض الحقوق أو الامتيازات الاجتماعية، مثل المنح الدراسية أو الإعفاءات الضريبية. أما التمييز بين الدخل الخام والدخل الصافي، أو بين الإيرادات والدخل، فيُتيح تحليلًا أكثر دقة لواقع الأسر والشركات المالي. عدسة لفهم المجتمع لا يُختزل الدخل في مجرد مبلغ مالي يُتلقّى؛ بل يعكس نظاماً للإنتاج والتوزيع وإعادة التوزيع. و دراسة هذا المفهوم تُنير العلاقات الاجتماعية، وخيارات السياسات العامة، والمسارات الفردية. ففهم الدخل، هو في جوهره فهم أحد المحركات الرئيسية للاقتصاد، ومرآة للتحوّلات الاجتماعية.