نفّذت الولاياتالمتحدة قبل أكثر من أسبوع ضربات جوية استهدفت منشآت نووية إيرانية باستخدام 14 قنبلة خارقة للتحصينات من طراز GBU-57، وهي واحدة من أقوى الأسلحة غير النووية في الترسانة الأمريكية. وقد شغلت هذه القنبلة الرأي العام العالمي نظراً لقدرتها التدميرية الهائلة. لكن القليل يعرف أن المرأة التي تقف خلف تصميمها هي لاجئة فيتنامية تُدعى "آنه دونغ". من لاجئة صغيرة في سايغون إلى عالمة في البحرية الأمريكية وُلدت آنه دونغ في فيتنام، وهربت مع عائلتها من مدينة سايغون عام 1975، قبيل سقوطها في يد القوات الشيوعية. كانت حينها لا تزال طفلة، وابنة لمسؤول زراعي رفيع في الحكومة الفيتنامية الجنوبية. عاشت سنوات الحرب في خوف دائم على شقيقها، طيّار مروحية، الذي كان يخرج يومياً إلى الجبهات. كانت تبكي كلما غادر، وتتمنى لو أن هناك "عصاً سحرية تمنحه سلاحاً خارقاً ليعود سالماً"، على حد تعبيرها. عند بوابة منزلها، قطعت على نفسها وعداً: "إذا حماني الجنود الأمريكيون أنا وعائلتي، فسأكرّس حياتي لفعل شيء من أجلهم." وبالفعل، عندما اقتربت الحرب من نهايتها، نقل شقيقها العائلة بطائرة مروحية إلى سفينة تابعة للبحرية الفيتنامية الجنوبية، ومنها إلى الفلبين، قبل أن تستقر العائلة في كنيسة معمدانية في العاصمة الأمريكيةواشنطن. من الفقر إلى المختبرات العسكرية استقرت العائلة في ضاحية بولاية ماريلاند، وبدأت آنه مسيرتها الأكاديمية بتفوق. حصلت على شهادة في الهندسة الكيميائية من جامعة ماريلاند عام 1982، ثم نالت شهادة الماجستير في الإدارة العامة. التحقت بعدها بعمل مدني علمي ضمن البحرية الأمريكية. بحلول عام 2001، أصبحت دونغ مديرة لقسم تطوير الذخائر غير الحساسة في مركز تابع للبحرية، وكانت ضمن فريق يعمل على تطوير مواد شديدة الانفجار لكنها آمنة وسهلة الاستخدام. وقد طُبّقت هذه المواد لاحقاً في قنبلة BLU-118/B، الموجهة بالليزر، والمستخدمة لاختراق الأنفاق ومخابئ القاعدة في أفغانستان بعد هجمات 11 سبتمبر. ولادة GBU-57: سلاح خارق لا يعرف الحدود القنبلة التي استُخدمت في إيران مؤخراً هي GBU-57، ثمرة سنوات من البحث العلمي بقيادة دونغ وفريقها. هذه القنبلة الضخمة صُمّمت لاختراق التحصينات الخرسانية والصخور قبل أن تنفجر في عمق المنشأة المستهدفة. في الضربة الأخيرة، أُلقيت 12 قنبلة على منشأة فوردو النووية المدفونة في عمق الجبل، وقنبلتان على منشأة نطنز. وقد أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن الضربة "دمّرت البرنامج النووي الإيراني"، مهدداً بمقاضاة وسائل الإعلام التي شككت في ذلك. تقييم الأثر… ومعركة السردية لكن تقييم فعالية القصف لا يزال محل جدل، إذ تشير تقارير استخباراتية إلى أن الضرر الذي لحق بالبرنامج النووي قد يؤخره لأشهر فقط. وعلّقت دونغ على ذلك بقولها: "من المستحيل تحديد حجم النجاح في الوقت الحالي. لا أحد يستطيع دخول منشأة نووية تحت الأرض بعد قصفها. قد يستغرق الأمر وقتاً طويلاً قبل أن يعرف أحد حجم الأضرار الحقيقية." العنف من أجل تقليل العنف؟ رغم أنها نجت من أهوال الحرب في طفولتها، لا ترى آنه دونغ في عملها تناقضاً. فهي لا تعتبر نفسها من دعاة الحرب، بل تؤمن أن التكنولوجيا الدقيقة تقلّل من الخسائر البشرية وتقصّر عمر الحروب. وتقول: "واجبي الأول كان التأكد من أن جنودنا يعودون أحياء. أردت أن أمنحهم كل أداة ممكنة للفوز، بأقل كلفة ممكنة." اليوم، تُعرف آنه دونغ في الأوساط العسكرية والعلمية كواحدة من العقول التي غيرت قواعد المواجهة العسكرية الحديثة، لكنها بالنسبة لكثيرين، لا تزال رمزاً حياً لقدرة اللاجئين على تجاوز الألم وصناعة التاريخ.