أزمة خفية تهدد مستقبل التجارة الإلكترونية أصبحت مرتجعات المنتجات من أكثر التحديات تكلفة في عالم التجارة الإلكترونية. وفقًا لتقرير صادر عن شركة CBRE، بلغت تكلفة المرتجعات في الولاياتالمتحدةالأمريكية أكثر من 100 مليار دولار في عام 2023. وفي الاتحاد الأوروبي، تتم إعادة ما يقارب ثلث المنتجات المشتراة عبر الإنترنت، مما يشكل ضغطًا كبيرًا على سلاسل التوريد وهامش الربح. في قطاع الأزياء، يبدو الوضع أكثر خطورة. شركة Zalando الألمانية العملاقة تسجل معدل مرتجعات يتجاوز 50%، ويرجع ذلك جزئيًا إلى ظاهرة تُعرف باسم bracketing، حيث يطلب الزبون عدة مقاسات أو تصاميم ليحتفظ بواحد فقط منها. في تونس، الخسائر مضاعفة في تونس، تأخذ المرتجعات شكلًا مختلفًا لكن لا يقل ضررًا. لا يزال الدفع عند التسليم هو الطريقة السائدة في المعاملات، حيث يمثل أكثر من 70% من إجمالي عمليات الشراء عبر الإنترنت. هذا الواقع يشجع على رفض الطرود عند التوصيل لأسباب مختلفة، منها تغيير الرأي أو عدم توفر المال. ما يقارب 30% من الطرود يتم رفضها عند التسليم. هذه السلوكيات تُكبّد التجار المحليين خسائر مباشرة تشمل تكاليف التوصيل، تلف أو فقدان المنتج، وانعدام العائد المالي. الخسائر الاقتصادية والبيئية في تصاعد تؤثر المرتجعات بشكل مباشر على هامش الربح. فكل عملية إرجاع تتطلب فحصًا، وإعادة تغليف، وأحيانًا خصمًا لإعادة بيع المنتج. وفي بعض الحالات، خاصة في مستحضرات التجميل أو الملابس الداخلية، يكون من المستحيل إعادة بيع المنتج. بيئيًا، الأمر لا يقل خطورة. حسب Returns Management Magazine، تتسبب المرتجعات في انبعاث أكثر من 15 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون سنويًا، أي ما يعادل انبعاثات أكثر من 3 ملايين سيارة. والأسوأ أن 65% من المنتجات المرتجعة لا يتم بيعها من جديد بحالتها الأصلية. كيف تتعامل العلامات التجارية العالمية مع الأزمة؟ اتخذت العديد من الشركات الكبرى إجراءات للحد من تفاقم المشكلة. بدأت Amazon بفرض رسوم على بعض عمليات الإرجاع في أوروبا، للحد من السلوكيات الاستهلاكية العشوائية. وتقوم Zara بفرض رسوم قدرها 1.95 يورو على المرتجعات، باستثناء تلك التي تُعاد إلى المتاجر. كما تعتمد شركات مثل Nike وShopify على تقنيات الذكاء الاصطناعي لتوقع المنتجات المعرضة للإرجاع. وتُستخدم أدوات مثل TrueFit وFit Analytics لمساعدة العملاء في اختيار المقاس المناسب وتقليل الأخطاء. ما الذي يمكن أن يفعله التجار التونسيون؟ حتى في سوق ناشئة مثل تونس، هناك إجراءات فعالة يمكن اتخاذها للحد من الخسائر الناتجة عن المرتجعات. من أهمها: * تشجيع الدفع الإلكتروني لتقليل معدلات رفض الطلبات، * تحسين تفاصيل صفحة المنتج، بما في ذلك الصور الواقعية، الفيديوهات التوضيحية، ودليل المقاسات، * وضع سياسة إرجاع واضحة ومحدودة من حيث المدة والشروط، * التعاون مع شركات لوجستية متخصصة في إدارة المرتجعات، * توعية العملاء حول الأثر البيئي للمرتجعات غير الضرورية. المرتجعات ليست مجرد تفاصيل... بل خطر استراتيجي لم تعد المرتجعات مجرد إزعاج لوجستي، بل أصبحت تهدد استدامة التجارة الإلكترونية. في غياب استراتيجية واضحة، تفقد الشركات أرباحها وثقة عملائها وقدرتها على التوسع. الوقت حان لمواجهة هذه الظاهرة من خلال أدوات ذكية، وتوعية المستخدم، وتحسين تجربة الشراء من البداية. تعليقات