تعيش الجزائر على وقع انكماش صناعي لافت منذ بداية سنة 2025، مع تسجيل تراجع شبه عام في مختلف القطاعات الإنتاجية، خصوصًا قطاع المحروقات، في وقت تظهر فيه بعض الفروع بوادر صمود نسبي، وفق ما أفاد به الديوان الوطني للإحصائيات. المحروقات في قلب العاصفة سجّل قطاع المحروقات انكماشًا بنسبة 3,3% خلال الثلاثي الأول من سنة 2025، استمرارًا للتراجع الذي بدأ منذ الثلاثي الثاني من 2024، بعد فترة من الانتعاش المحدود في بعض الفروع. ويأتي هذا التراجع في وقت انخفض فيه مجمل الإنتاج الصناعي العمومي بنسبة 3,5% مقارنة بالفترة نفسها من سنة 2024، التي كانت قد سجلت نموًا ب3%. فرع تسييل الغاز الطبيعي (GNL)، الذي يُعدّ من أبرز محركات القطاع، شهد انهيارًا بنسبة 17,5%، مواصلًا منحاه النزولي الذي بدأ منذ منتصف 2024. كما سجّل فرع تكرير النفط الخام تراجعًا بنسبة 2,2%، بينما انخفض إنتاج النفط الخام والغاز الطبيعي بنسبة 0,3%. قطاعات صناعية استراتيجية في حالة تدهور لا تقتصر الأزمة على قطاع الطاقة، إذ امتد التراجع إلى قطاعات حيوية أخرى. فقد سجل قطاع المناجم والمقالع انخفاضًا بنسبة 3,7%، رغم الاتجاه التصاعدي الذي عرفه في 2023 و2024. أما الصناعات المعدنية والميكانيكية والكهربائية والإلكترونية (ISMEE)، فقد شهدت انهيارًا غير مسبوق بلغ 41,7%، مقارنة ب6,2% خلال نفس الفترة من سنة 2024، بعد أن كانت قد سجّلت انتعاشًا بنسبة 25,1% في الثلاثي السابق. كما سجلت الصناعات الكيميائية تراجعًا بنسبة 11,3%، والصناعات الغذائية بنسبة 10,2%، بينما فقد قطاع النسيج 4,9% من إنتاجه، بحسب الأرقام الرسمية الصادرة عن الديوان الوطني للإحصائيات. مؤشرات مقاومة في بعض الفروع وسط هذا المناخ الصناعي المتأزم، برزت بعض القطاعات التي سجلت نتائج إيجابية نسبية. فقد واصل قطاع الطاقة نموه بتحقيق زيادة قدرها 4% خلال الثلاثي الأول من 2025، ما يعكس ديناميكية محدودة في هذا المجال الحيوي. كذلك، سجل قطاع مواد البناء نموًا طفيفًا بنسبة 1,5%، رغم تراجع نسق الأداء مقارنة بالفترات السابقة. ومن جهتها، أظهرت صناعات الخشب والجلود مؤشرات إيجابية لافتة، بتحقيق نسب نمو بلغت 19,6% و13,1% على التوالي. أزمة بنيوية أم ظرفية؟ تكشف هذه الأرقام عن أزمة مركبة في الاقتصاد الصناعي الجزائري، تجمع بين اختلالات هيكلية وتحديات ظرفية مرتبطة بالطلب الداخلي وتذبذب الأسواق العالمية. ويطرح هذا الواقع أسئلة حاسمة حول مدى قدرة البلاد على إعادة إنعاش نسيجها الصناعي، وتنويع مصادر دخلها خارج المحروقات. تعليقات