استدعت فرنسا، يوم أمس الخميس، إيمانويلّا داليساندرو، سفيرة إيطاليا في باريس، عقب التصريحات التي اعتُبرت «غير مقبولة» من نائب رئيس الوزراء الإيطالي ماتيو سالفيني ضد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون. و يأتي هذا التطور في وقت تدفع فيه باريس ولندن نحو إنشاء «تحالف من المتطوعين» لبحث إمكانية نشر قوات في أوكرانيا، بمجرد التوصل إلى وقف لإطلاق النار أو اتفاق سلام مع موسكو. تصريحات استفزازية في ميلانو خلال رده في ميلانو على سؤال حول احتمال إرسال جنود إيطاليين، قال ماتيو سالفيني : «ماكرون فليذهب بنفسه، يضع خوذة ويحمل بندقية». تصريح مباشر فجّر من جديد التوترات الثنائية. و ليس هذا الموقف الأول لزعيم حزب «ليغا» اليميني المناهض للمهاجرين و المقرّب من مارين لوبان، إذ كان قد وصف إيمانويل ماكرون في مارس الماضي بأنه «مجنون»، متهماً إياه بدفع أوروبا إلى حرب مع روسيا. رد باريس الحازم و نقلت وكالة الأنباء الفرنسية (فرانس برس) عن مصدر دبلوماسي أنّه تمّ تذكير السفيرة الإيطالية بأن «هذه التصريحات تتناقض مع مناخ الثقة والعلاقات التاريخية بين بلدينا»، مع التأكيد في الوقت ذاته على «التقارب القوي» بين البلدين خلال الفترة الأخيرة، خاصة فيما يتعلق بدعم أوكرانيا. و ترى باريس أنّ هذه التصريحات تضر بالتعاون الثنائي بين بلدين يعدان من المؤسسين للاتحاد الأوروبي، واللذين يُفترض أن يظهرا وحدة في مواجهة الأزمات الدولية. و في الوقت الذي تدافع فيه فرنسا والمملكة المتحدة عن فكرة التزام عسكري مستقبلي في أوكرانيا لضمان الاستقرار بعد أي وقف لإطلاق النار، استبعدت رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني بشكل قاطع هذا الخيار. إذ تفضّل إيطاليا مقاربة دبلوماسية وإنسانية، رافضة تعريض قواتها لخطر الانخراط في صراع مباشر. أزمة تكشف الانقسامات الأوروبية يعكس هذا الحادث مجدداً الانقسامات العميقة داخل أوروبا بشأن إدارة الصراع الأوكراني. ففي حين تسعى باريس ولندن إلى لعب دور القادة الاستراتيجيين برؤية أمنية وعسكرية، تتمسك روما بخط أكثر حذراً، رافضة أي تورط مباشر. و تأتي تصريحات ماتيو سالفيني في سياق استفزازي، يهدف إلى تعزيز قاعدته الانتخابية ووضع نفسه في مواجهة مباشرة مع الرئيس الفرنسي. غير أنّ تداعياتها تتجاوز حدود السياسة الداخلية الإيطالية، إذ تهدد بتقويض التعاون الفرنسي-الإيطالي الذي يعد محورياً في التوازنات الأوروبية، خاصة في ملفات الدفاع والهجرة والاقتصاد. و على نطاق أوسع، تبرز هذه الأزمة صعوبة تمكّن الاتحاد الأوروبي من إظهار موقف موحّد إزاء قضايا الأمن و الحرب. فإذا كانت فرنسا والمملكة المتحدة تتحركان كمحرّكين لاستراتيجية عسكرية، فإن الحذر الإيطالي يعكس مخاوف من توسّع غير محسوب للنزاع وحدود التضامن الأوروبي زمن الحرب. في الدبلوماسية، تذكّر مثل هذه الحوادث بأن الكلمات لها وزنها : فخلف شتيمة سالفيني تكمن مصداقية أوروبا الموحّدة، في وقت يُعيد فيه الصراع في أوكرانيا تشكيل النظام العالمي. تعليقات