يشهد الطلب السياحي تحولات نوعية متسارعة، متجاوزاً النماذج التقليدية للسياحة الشاطئية، نحو افاق رحبة للسياحة المستدامة، بكافة مكوناتها، وهو ما يفرض مواكبة سريعة لمتطلبات السوق الجديدة وتأهيلًا شاملًا للمنظومة السياحية. تركز السياحة المستدامة في تونس على تنمية قطاع السياحة بطريقة تحافظ على البيئة وتدعم الاقتصاد والمجتمعات المحلية، وذلك من خلال مبادرات مثل مشروع "تانيت" الذي يهدف إلى دعم منظمات المجتمع المدني في المناطق الريفية والداخلية، وتطوير منتجات سياحية تعتمد على التراث الطبيعي والثقافي، وتثمين المنتجات المحلية كالزيتون، مع معالجة التحديات مثل التلوث. وتتضمن هذه الاستراتيجية تطوير البنية التحتية، وتفعيل القوانين البيئية، وتشجيع الطاقة المتجددة، وتعميم الوعي البيئي. تزايد الطلب على السياحة المستدامة اكد مؤخرا نائب رئيس جامعة النزل، جلال الهنشيري، ان السياحة في تونس تحتاج إلى حوالي 6 مليارات دينار لإعادة تأهيل شامل للقطاع، مبينا ان "السائح الجديد"، وفق وصفه، يختلف كلياً عن السائح التقليدي الذي استهدفته السوق التونسية لعقود، داعياً مهنيي القطاع إلى التأقلم مع المتغيرات وتقديم عروض إقامة متنوعة ومبتكرة. هذا وشدد الهنشيري على ان السوق المحلي يشهد تزايداً في الطلب على السياحة الثقافية والإيكولوجية والإيواء الريفي، مقابل تراجع الإقبال على السياحة الشاطئية التقليدية وتستوجب تلبية هذه المتطلبات الجديدة ضخ استثمارات لا تقل عن 6 مليارات دينار، أي ما يعادل عائدات موسم سياحي واحد مؤكداً، في ذات السياق، أن 60% من النزل والفنادق تجاوز عمرها العشرين عاماً وتحتاج إلى تجديد كلي لتوسيع طاقة الإيواء وتحسين جودة الخدمات. وبالتأكيد فان تأخر عملية التأهيل يحرم السياحة التونسية من فرص كبيرة لتطوير عائداتها. وحسب بيانات وزارة السياحة، بلغت عائدات القطاع 7 مليارات دينار خلال الأشهر العشرة الأولى من العام الجاري، متجاوزةً إجمالي عائدات العام الماضي. وبرزت، على نحو خاص، الحاجة إلى إعادة هيكلة القطاع السياحي قبل نحو 15 عاماً، إذ أنجزت السلطات بالتعاون مع البنك الدولي دراسة لإعادة تأهيل السياحة في البلاد، غير أن الأضواع التي أعقبت الثورة أجّلت تنفيذ المشروع، الذي بات اليوم أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى. تحديث السياحة يسهم في التنمية في نفس السياق، حاول مهنيو السياحة لاحقًا إطلاق مشروع "الكتاب الأبيض" لتحسين جودة الإيواء والحد من مديونية القطاع، غير أن المبادرة لم تُنفَّذ. وكانت الجامعة التونسية للنزل قد أعلنت عام 2017 تقديم هذا المشروع حلًّا استراتيجيًّا لأزمة الديون التي تعانيها الفنادق منذ سنوات. وأظهرت دراسة صادرة عن المعهد العربي لرؤساء المؤسسات في سبتمبر الماضي، أن السياحة التونسية قادرة على تحقيق إيرادات مباشرة بقيمة 13 مليار دينار بحلول عام 2030، وخلق 35 ألف فرصة عمل جديدة، شرط تحديث القوانين المنظمة للقطاع ومواكبة الاتجاهات العالمية الجديدة في السوق السياحية. وأكدت الدراسة أن تحديث القطاع يمكن أن يسهم في تحقيق توازن تنموي بين الولايات، وتحفيز استغلال المقومات التاريخية والثقافية خارج نطاق الشريط الساحلي. وتتوقع تونس استقبال ما لا يقل عن 11 مليون سائح نهاية العام الحالي، بعد استعادة أسواق سياحية غير أوروبية، وتسجيل ارتفاع في أعداد القادمين من الصينوالولاياتالمتحدة وبعض الأسواق الخليجية. غير أن الربط الجوي ما زال يشكّل تحديات رئيسياً أمام تطوير السياحة التونسية، علما أن قطاع النقل الجوي بدوره في حاجة إلى إعادة تأهيل. ومنذ ديسمبر 2024، تمكنت البلاد من تحطيم الرقم القياسي لعدد الوافدين المسجل عام 2019، باستقبال 9.55 ملايين سائح، متجاوزة بذلك الرقم المرجعي الذي بلغ 9.4 ملايين سائح في ذلك العام. ويسهم قطاع السياحة في دعم الاقتصاد الوطني بنسبة 9% من الناتج المحلي الإجمالي، كما يوفر نحو 400 ألف فرصة عمل مباشرة وغير مباشرة، ما يجعله أحد أعمدة الاقتصاد التونسي. تعليقات