يؤكد الهادي السلامي، من باريس، أنّ تنافسية تونس تمرّ عبر الكفاءات، لا عبر اليد العاملة الرخيصة، في رسالة موجّهة مباشرة للفاعلين الاقتصاديين وصنّاع القرار. خلال الدورة السابعة من لقاءات الأعمال التونسية–الفرنسية، التي انتظمت يوم 28 أكتوبر 2025 بالعاصمة الفرنسية باريس بتنظيم من "بيزنس فرانس" وشركائها، قدّم المدير العام لمجمّع "وان تك"، الهادي السلامي، شهادة صريحة وشجاعة حول مستقبل الشراكة الصناعية التونسية–الفرنسية وموقع تونس داخل سلاسل القيمة العالمية الجديدة. ويدير السلامي مجمّعًا تونسيًا مائة بالمائة، متخصصًا في الكوابل، والميكاترونيك، وتجميع الدوائر المطبوعة، والقولبة البلاستيكية، ويذكّر بأنّ "وان تك" يحقق اليوم رقم معاملات يقارب 350 مليون يورو. ورغم أن المجموعة تُعدّ "صغيرة" وفق المقاييس الدولية، كما يقول بتواضع، إلا أنها بُنيت بالكامل انطلاقًا من قاعدة تونسية صلبة. من مقاول صغير إلى مجموعة صناعية مصدّرة يعود الهادي السلامي إلى بدايات "وان تك"، مؤكدًا أن المشوار بدأ كما بدأ مشوار عديد الصناعيين التونسيين: «كنّا مقاولًا صغيرًا نبيع ساعات من اليد العاملة.» لكن نقطة التحوّل جاءت من خيار استراتيجي واضح: الصعود في سلسلة القيمة. فقد قرّر المجمّع اختيار منتج واحد، تفكيكه، ثم تصنيع كل جزء منه تدريجيًا. وتمّ هذا الصعود اعتمادًا على شراكات مع صناعيين أوروبيين — ألمان، إيطاليين وفرنسيين — إلى جانب بناء وحدات صناعية جديدة في تونس، طوبة بعد طوبة. هذا النموذج القائم على الاندماج التدريجي سمح ل"وان تك" بالانتقال من مرحلة العمل اليدوي البسيط إلى مرحلة تصميم مكوّنات وإنتاجها بقيمة مضافة عالية. واليوم، تستهدف الشركة أساسًا الأسواق الخارجية، إذ باتت السوق الدولية سوقها المرجعية، لا السوق المحلية. علاقة تونسية–فرنسية تحتاج إلى إعادة تفكير وعند تطرّقه إلى مستقبل التعاون الصناعي بين تونسوفرنسا، قدّم السلامي تشخيصًا واقعيًا وحادًا: «لقد فوّتْنا الفرصة بين فرنساوتونس. مضت 40 أو 50 سنة ونحن نحاول تطوير علاقاتنا. حققنا نتائج، لكن كان بإمكاننا الذهاب أبعد بكثير.» ويضيف أنه حاول الاستحواذ على مؤسسات فرنسية دون نجاح دائم، فاختار في نهاية المطاف إنشاء أنشطة مباشرة في فرنسا، خصوصًا في مجال تصميم المنتجات. ويدعو اليوم إلى تغيير جذري في طريقة التفكير: لا يجب أن نفكّر بعد الآن ب"فرنسا أو إيطاليا"، بل بمنطق السوق: أين يمكن أن نتوسع؟ أين يمكن أن نكسب حصصًا؟ أين يمكن أن نخلق القيمة؟ فالأولوية لم تعد للحدود الجغرافية، بل للمواقع داخل سلاسل القيمة العالمية، عبر فرق إنتاج وفِرَق هندسية مترابطة بين تونس وأوروبا. اندفاع الصين يربك المشهد الصناعي يشير الهادي السلامي أيضًا إلى عامل آخر يغير قواعد اللعبة: الصعود القوي للصين داخل الصناعة العالمية. فالكثير من الشراكات الصناعية الأوروبية، وفق قوله، تختفي أو تُستبدل تدريجيًا بشركاء آسيويين. ويصف مدى سرعة اتخاذ القرار لدى الشركاء الصينيين، القادرين على إتمام صفقة في ساعات قليلة، ويقدّم مثالاً عن مشروع إنشاء مصنع للمحرّكات الكهربائية في المغرب، أطلقه مستثمر صيني، ويصفه بأنه: «مشروع استثنائي لا يمكن لأي طرف أوروبي إنجازه بهذه الوتيرة.» وبرأيه، بدأت الصين اليوم تعتمد على دول مثل تونس والمغرب كمنصّات لاقتحام أسواق جديدة، ما يفرض على الأوروبيين والتونسيين إعادة بناء استراتيجياتهم المشتركة بشكل عاجل. تونس: التنافسية الحقيقية في رأس المال البشري وفي الإجابة عن سؤال يتعلق بمستقبل تونس كبلد "منخفض التكاليف" في ظل الروبوتات والأتمتة، يرفض الهادي السلامي هذا المنطق رفضًا قاطعًا: «انسوا اليد العاملة. أصبح العثور على موارد بشرية أصعب فأصعب، ونحن بصدد الأتمتة. ما يصنع الفارق اليوم هو الكفاءات والخبرة: المهندسون والمبرمجون.» ويذكّر بأن آلاف التونسيين المؤهلين يعملون في فرنسا ودول أخرى، وهو ما يبرهن قيمة رأس المال البشري التونسي. ويرى أنّ التحدي الحقيقي اليوم هو بناء منظومات صناعية محلية قادرة على استيعاب هؤلاء الكفاءات ومنحهم أفقًا داخل البلاد. ويشدّد على أنّ نمو "وان تك" لم يكن يومًا نتيجة انخفاض كلفة اليد العاملة، بل نتيجة التكنولوجيا المطوّرة داخليًا، والهندسة والابتكار: «لم نتطور بفضل اليد العاملة، بل بفضل الكفاءات والتكنولوجيا التي طوّرناها بأنفسنا. وهذا ما يميزنا.» رسالة واضحة لصنّاع القرار من خلال هذه الشهادة، يبعث الهادي السلامي برسالة واضحة إلى المسؤولين في تونسوفرنسا وأوروبا: إذا أرادت تونس الحفاظ على موقعها التنافسي، فلن يكون ذلك بخفض التكاليف، بل برفع مستوى الكفاءات، وتعزيز الابتكار، وإعادة صياغة الشراكات الصناعية، في عالم أصبحت فيه الصين لاعبًا لا يمكن تجاهله. اشترك في النشرة الإخبارية اليومية لتونس الرقمية: أخبار، تحليلات، اقتصاد، تكنولوجيا، مجتمع، ومعلومات عملية. مجانية، واضحة، دون رسائل مزعجة. كل صباح. يرجى ترك هذا الحقل فارغا تحقّق من صندوق بريدك الإلكتروني لتأكيد اشتراكك. تعليقات