لم يعد المرفأ القديم بمدينة بنزرت كما عهده متساكنو الولاية وزوارها ذلك المكان الذي يطيب فيه التجول لمن أراد النزهة والتعرف على معالم المدينة .. هذا المرفأ رغم أنه كان منذ قرون شاهدا على تعاقب الحضارات على بلادنا، بداية من وصول الفينيقيين من صيدا وصور إلى الحضارة الأندلسية أصبح اليوم بسبب الإهمال بمثابة مصب للفضلات والمحطة الأخيرة لقنوات الصرف الصحي .. "تونس الرقمية" كانت لها زيارة الى المرفأ العتيق بمدينة بنزرت لمعاينة ما آلت اليه الأوضاع بعد ورود تشكيات متكررة من أهالي المنطقة من تكدس النفايات وقد حز في أنفسهم رؤية معلم تاريخي كهذا يشق طريقه نحو الإندثار وسط صمت مريب من سلطات الإشراف .. لعل المشهد العام الذي ينقله الفيديو المرفق خير دليل على الحالة "الكارثية" التي أصبح عليها ميناء بنزرت القديم الذي تحولت زرقة مياه البحر فيه إلى إخضرار يميل إلى السواد بمفعول تراكم الأوساخ التي أدت بدورها إلى إنبعاث روائح كريهة .. ونقل من حاورتهم تونس الرقمية من البحَّارة ومتساكني المنطقة تشكياتهم آملين وضع حدّ لهذا الإهمال في أقرب الآجال لكي يستعيد هذا المرسى بريقه المعتاد لاسيما أنه المصدر الأول لرزقهم اليومي. شعور الألم والحسرة لا يمكن أن يفارق كل من ذاق في يوم ما متعة التجول على ضفاف المرفأ القديم وإحتساء القهوة في أحد مقاهي المدينة العتيقة … وقد طفت اليوم الأكياس البلاستيكية والقوراير على سطح الماء وشوهت جماله وسحره الخلاب .. أحد البحارة تحدّث للرقمية مشددا على أن المأساة البيئية التي يعيشها المرفأ اليوم سببها مشروع "مارينا" بالمنطقة، وهو ميناء سياحي ترفيهي ضخم يتكون من سبعة طوابق ويضم محلات تجارية ومرافق أخرى، حيث أوضح أن تشييد المشروع أضعف إلى حد كبير حركة مد وجزر البحر التي تمثل عملية تنظيف طبيعة وذاتية وهو ما أدى إلى ركود المياه وتعكرها.. لامبالاة البحارة وروّاد المكان وعدم تردّدهم في إلقاء الفضلات كانت هي الأخرى سببا في تكدّس الفضلات لاسيما أمام عزوف سلط الإشراف عن القيام بدورها في التعهد بصيانة وتنظيف الميناء .. بحّار آخر من القاطنين بالمدينة القديمة أكد لنا بدوره أن سبب الروائح المنبعثة وتكدس الفضلات يعود الى إنسداد منافذ دخول مياه البحر الى الميناء بعد ردمها بالرمال من قبل القائمين على مشروع "المارينا" حسب قوله . المرفأ القديم ببنزرت بالإضافة إلى كونه مصدر رزق لعديد البحارة وعلاوة على أن له مكانة كبرى في قلوب وذاكرة أهالي بنزرت، إلا أنه كذلك يحمل بين طيّاته جزءا من عبق الحضارات والتاريخ .. لذلك فإن المحافظة عليه وصيانته لإستعادة بريقه السابق أصبح ضرورة ملحة لأنه لا مستقبل لأي أمة فرّطت و استهانت بماضيها ..