على وقع المزيد من الدماء الفلسطينية وارواح الابرياء والمشردين والاسرى.. وعلى وقع المزيد من الاراضي المصادرة والاعراض المنتهكة والحقوق المصادرة.. بدات اسرائيل امس احتفالاتها بالذكرى الستين لتاسيسها على ارض فلسطين التاريخية على ان تبلغ هذه الاحتفالات ذروتها الاسبوع القادم مع تواتر كبار قادة العالم والمهنئين بما في ذلك نادي الدول الدائمة العضوية في مجلس الامن الدولي المكلف بضمان الامن والسلم في العالم للمشاركة في هذا الحدث وذلك رغم استمرار مسلسل انتهاكات الشرعية الدولية وتفاقم الفضائح والاتهامات التي يتخبط فيها ايهود اولمرت رئيس الوزراء الاسرائيلي. لقد ظلت اسرائيل وعلى مر العقود الستة الماضية تسعى لتطويع الراي العام الدولي والاسرائيلي ودفعه للتسليم بشعارها الزائف بان فلسطين كانت ارضا بلا شعب لشعب بلا ارض وقد حظيت السلطات الاسرائيلية المتعاقبة بمقتضى ذلك بالكثير من التأييد الدولي والدعم اللامحدود لمزاعمها كما لخروقاتها لابسط قواعد حقوق الانسان المتعارف عليها في حالات الحرب والسلم فكانت النتيجة تجاهل واستخفاف بقرارات الشرعية الدولية التي ظلت حبرا على ورق يشهد على فشل المجتمع الدولي وعجزه... والحقيقة ان جهود وحرص سلطات اسرائيل على تصفية وانكار الوجه الاخر لهذه الذكرى واسقاطها من الذاكرة الانسانية لا يمكن الا ان تكون رهانا فاشلا وهو رهان كان ولا يزال مرتبطا بالآلة العسكرية الاسرائيلية وبلغة الحديد والنار في تعامل قوات الاحتلال مع الشعب الفلسطيني.. فقد كانت ذكرى تاسيس اسرائيل التي نشات بين احضان الاممالمتحدة قبل ان تعلن التمرد والعصيان على قراراتها مرتبطة باكبر وافظع حملة تصفية عرقية تستهدف الانسانية في هذا العصر. ان نظرة متانية في حجم وابعاد الذكرى الستين للنكبة من شانها ان تدعو اكثر من أي وقت مضى الى عدم التوقف عند حدود مسؤولية اسرائيل فيما حدث ويحدث للحق الفلسطيني المتلاشي.. صحيح ان الدولة العبرية تتحمل الجزء الاكبر من المسؤولية ازاء اغلب المآسي والكوارث التي يعيش على وقعها الشعب الفلسطيني.. الاكيد ايضا ان نصيب اصحاب القضية من المسؤولية لا يستهان به وهو ثقيل بما يكفي للتوقف مرة واحدة لتأمل الواقع ووضع النقاط على الحروف واعادة ترتيب الاولويات والحسابات والبحث عن مواقع الخطإ والافلاس وهي بالتاكيد كثيرة على عكس ما يروج له.. والامر لا يتعلق بالفلسطينيين وحدهم بل يمتد ليشمل الطرف او الاطراف العربية التي طالما رفعت شعار القضية الفلسطينية وطالما رددت بانها تبقى قضيتها الام وعلى راس اولوياتها قبل ان تفقد القضية موقعها على الساحة الاقليمية والدولية وتتراجع اعلاميا وديبلوماسيا ويشح الدعم المادي للمحرومين والمشردين من ابناء الشعب الفلسطيني في غزة المحاصرة كما في مخيمات وملاجئ الضفة المحتلة الغارقة في البؤس واليأس.. ان تحويل ذكرى تاسيس اسرائيل الى فرصة اخرى لفرض سياسة الامر الواقع والظهور بمظهر الديموقراطية الفتية الوحيدة المهددة في المنطقة سيكون بمثابة جريمة جديدة، بل نكبة ثانية ترتكب في حق الشعب الفلسطيني.. ولعل في هذا المشهد وما يحمله من تحولات خطيرة ما يدعو اصحاب القضية المشروعة الى الاستفادة من دروس الماضي وتضحيات الابطال والتخلي عن عقلية التواكل والقطع مع سياسة الحسابات الضيقة والاصرار على الاخطاء التي تنتهي الى السقوط في الهاوية والاستماع الى ما ينبغي الاستماع له وليس الى ما يسعد المرء بسماعه او رؤيته وبما يمكن ايضا ان يدفع المجتمع الدولي والاطراف الفاعلة على الساحة السياسية الى تفعيل الجهود المطلوبة حتى لا تكون ذكرى النكبة فرصة اخرى للضياع ومزيد التشتت والهروب الى الامام..