وزارة التربية تدعو إلى ضرورة التهدئة في التعامل مع ملف النيابات    بها 441 سائحا: باخرة امريكية ترسو بميناء سوسة    رئيس ديوان وزير الفلاحة: أعددنا استراتيجية لمجابهة الشح المائي    طلبة معهد الصحافة في اعتصام مفتوح    هذه تأثيرات السجائر الإلكترونية على صحة المراهقين    نجلاء العبروقي: 'مجلس الهيئة سيعلن عن رزنامة الانتخابات الرئاسية إثر اجتماع يعقده قريبا'    تحذير رسمي من الترجي التونسي لجمهوره...مالقصة ؟    الليلة: أمطار غزيرة ورعدية بهذه المناطق    قفصة: تواصل فعاليات الاحتفال بشهر التراث بالسند    صفاقس: اضطراب وانقطاع في توزيع الماء بهذه المناطق    الترجي الرياضي: نسق ماراطوني للمباريات في شهر ماي    وزيرة النقل في زيارة لميناء حلق الوادي وتسدي هذه التعليمات..    تحذير من برمجية ''خبيثة'' في الحسابات البنكية ...مالقصة ؟    بنزرت: حجز أكثر من طنين من اللحوم    عاجل : عمل بطولي ''لطاقم التونيسار'' ينقذ حياة أحد الركاب    أسعار لحم ''العلوش'' نار: وزارة التجارة تتدخّل    عاجل/ "أسترازينيكا" تعترف..وفيات وأمراض خطيرة بعد لقاح كورونا..وتعويضات قد تصل للملايين..!    مختص في الأمراض الجلدية: تونس تقدّمت جدّا في علاج مرض ''أطفال القمر''    يوم 18 ماي: مدينة العلوم تنظّم سهرة فلكية حول وضعية الكواكب في دورانها حول الشّمس    مدينة العلوم بتونس تنظم سهرة فلكية يوم 18 ماي القادم حول وضعية الكواكب في دورانها حول الشمس    خبراء من الصحة العالمية يزورون تونس لتقييم الفرص المتاحة لضمان إنتاج محلي مستدام للقاحات فيها    إحداث مخبر المترولوجيا لوزارة الدفاع الوطني    اتصالات تونس تفوز بجائزة "Brands" للإشهار الرمضاني الأكثر التزاما..    طبرقة: اصابتان في انزلاق شاحنة توزيع أسماك    عاجل/ تلميذ يعتدي على أستاذته بكرسي واصابتها بليغة..    تأخير محاكمة فتحي دمق    زيادة ب 14,9 بالمائة في قيمة الاستثمارات المصرح بها الثلاثي الأول من سنة 2024    فرنسا تشدد الإجراءات الأمنية قرب الكنائس بسبب "خطر إرهابي"..#خبر_عاجل    حادث مرور قاتل بالطريق السريعة الجنوبية..وهذه التفاصيل..    الحماية المدنية: 18 حالة وفاة خلال ال24 ساعة الأخيرة    مدنين: ''سمسار'' يتحيّل على مواطن بعقود مدلّسة ويسلبه 3 مليارات    بطولة مدريد: أنس جابر تواجه اليوم المصفة 20 عالميا    تونس: تفاصيل الزيادة في أسعار 300 دواء    مفاوضات الهدنة بين اسرائيل وحماس..هذه آخر المستجدات..#خبر_عاجل    بطولة إيطاليا: جنوى يفوز على كلياري ويضمن بقاءه في الدرجة الأولى    هام/ هذا موعد اعادة فتح معبر رأس جدير..    تفاقم عدد الأفارقة في تونس ليصل أكثر من 100 ألف ..التفاصيل    هدنة غزة.. "عدة عوامل" تجعل إدارة بايدن متفائلة    «تراثي الرقمي في مدرستي»...تظاهرة ثقافية تربوية... تستهدف 5 مدارس ريفية    بالمدرسة الابتدائية سيدي أحمد زروق: تنظيم الدور النهائي للانتاج الكتابي لسنوات الخامسة والسادسة ابتدائي    صدر حديثا للأستاذ فخري الصميطي ...ليبيا التيارات السياسية والفكرية    التوقعات الجوية اليوم الثلاثاء..أمطار منتظرة..    في «الباك سبور» بمعهد أوتيك: أجواء احتفالية بحضور وجوه تربوية وإعلامية    «شروق» على الجهات رابطة الهواة 1 (الجولة العاشرة إيابا) ..مقرين ومنزل بورقيبة يتعادلان والقصرين تضرب بقوة    الخليدية .. أيام ثقافية بالمدارس الريفية    توزر...الملتقى الجهوي للمسرح بالمدارس الاعدادية والمعاهد    محاكمة ممثل فرنسي مشهور بتهمة الاعتداء الجنسي خلال تصوير فيلم    الاحتفاظ بالمهاجرة غير النظامية كلارا فووي    درة زروق تهيمن بأناقتها على فندق ''ديزني لاند باريس''    خالد بن ساسي مدربا جديدا للنجم الساحلي؟    بطولة الرابطة المحترفة الاولة (مرحلة تفادي النزول): برنامج مباريات الجولة التاسعة    قيس الشيخ نجيب ينعي والدته بكلمات مؤثرة    جائزة مهرجان ''مالمو'' للسينما العربية للفيلم المغربي كذب أبيض    ثمن نهائي بطولة مدريد : أنس جابر تلعب اليوم ...مع من و متى ؟    انطلاق فعاليات الدورة السادسة لمهرجان قابس سينما فن    القواعد الخمس التي اعتمدُها …فتحي الجموسي    منبر الجمعة .. التراحم أمر رباني... من أجل التضامن الإنساني    أولا وأخيرا...هم أزرق غامق    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ساعتان نصفهما للضحك والبقية للأسف على ما آل إليه حال الانسان!
سينما: شريط «عِدني بذلك» لأمير كوستوريكا
نشر في الصباح يوم 09 - 05 - 2008

يعرض حاليا على الشاشة العملاقة لقاعة افريك آرت شريط سينمائي للمخرج أميركوستوريكا عنوانه «عدني بذلك» الذي تدوراحداثه في مكان ناء بصربيا التي كانت جزءا لا يتجزأ من يوغسلافيا والتي بانفصالها عنها طفت على سطح الاحداث فيها ظواهر اجتماعية تناولها وعرّاها أمير كوستاريكا في عدد من افلامه التي حازاغلبها على جوائز عالمية.
وأمير كوستوريكا مخرج بدأ مسيرته باخراج المسلسلات للتلفزة في يوغسلافيا ثم ولج عالم السينما فنال بفيلمه «هل تذكر دولي بال» سنة1981 الاسد الذهبي من مهرجان البندقية، وحصل بفيلمه «عندما ذهب والدي في رحلة عمل» سنة 1985 على السعفة الذهبية لمهرجان كان وحصل على جائزة افضل اخراج على فيلمه «زمن الغجر» سنة 1988 وعلى الدب الذهبي لمهرجان برلين السينمائي بالمانيا سنة 1993عن فيلم «حلم أريزونا» ونال السعفة الذهبية لمهرجان كان السينمائي سنة 1995 وللمرة الثانية عن فيلمه «تحت الأرض» كما حصل سنة 1998 على الأسد الفضي لافضل مخرج من مهرجان فينيسيا السينمايئ عن فيلمه «قط اسود قط ابيض».
نهل من مناخ ثري بالمتناقضات
وحصول أمير كوستوريكا على جائزة اواكثرعن كل فيلم اخرجه لا يستغرب اذا اخذنا بعين الاعتبار انه صاحب تجربة سينمائية متفردة في السينما الاوروبية بشكل خاص والعالمية بشكل عام نهل من واقع غريب عجيب كيف لا وقد ولد وعاش في مناخ ثري بالمتناقضات فهو من اب بوسني مسلم وأم صربية أي من شعبين مختلفين جمعتهما يوغسلافيا سياسيا ولكنهما بقيا شعبان مختلفان جذريا واختلافاتهما العرقية والعميقة افرزت الحقد والكراهية وجعلت التوتر يسود علاقاتهما
وتعذرت تنقية الاجواء بينهما هذا التوتر نقله وبامانة اميركوستوريكا في فيلم «الحياة معجزة» ولكن في قالب كاريكاتوري بعيد كل البعد عن المناخ السياسي. لقد حاول المخرج في اغلب افلامه ان يعري الصراعات التي تنخر صربيا والبوسنة اللذين مازال شعباهما ورغم انفراطهما من عقد يوغسلافيا والاستقلال يعانيان من رواسب اختلاطهما بالزواج المادي والمعنوي تحت حكم جوزيف تيتوهذا الزواج الذي افرز ما لا يمكن فصله لمجرد الطلاق والذي اثرسلبا على افراد المجتمعين وهوالوضع الذي جعل أميركوستوريكا نفسه لا يستطيع ولكونه من زواج مختلط (أب بوسني مسلم وام صربية) يعجزعن الفصل في القضايا التي يتناولها بقرارحاسم أونقد صريح وواضح ويهرب الى الخيال والسريالية في المواقف الحالكة.
مزج بين الواقع والخيال
هذا الفهم العميق للواقع جعله يجنح في افلامه الى الفنطازيا الواقعية والكوميديا السوداء فيمزج الواقع بالخيال ويبعث شخصياته الواقعية في عالم انساني شعري ضاج بالموسيقى محفوف بالتطرف تعالج فيه المأساة بالكوميديا فتختلط في احيان كثيرة دموع الابطال بالضحك والمواقف الهزلية.
وهذا المناخ الذي وعد به أميركوستوريكا مريديه حين قال انه يشعر بانه ملزم بفيلم يعالج موضوعا يهزه من الاعماق ويجعله يثور ولكنه ينتزع منه الضحك والدموع في آن واحد يجده المتابع لمسيرته في أغلب افلامه وقد تجلى بالخصوص في فيلم «زمن الغجر» الذي تناول فيه موضوع تجارة الرقيق الابيض وبيع الاطفال الى الاروبيين الراغبين في التبني..
وفيلم «عِدْني بذلك» لم يخرج هو ايضا عن الاطار الذي وضع فيه امير كوستوريكا نفسه من حيث معالجة الواقع في مناخ تسوده الأعاجيب والفعل الاكثر سريالية وواقعية في نفس الوقت..
عالم يذكّر في بعض جوانبه بافلام فيديريكو فليني وبوستركيتن وتنتزع خلاله ضحكة المتفرج المتأزم وهو ايضا وفي جوانب اخرى وبواسطة مواقف هزلية ناتجة عن توظيف بعض الاختراعات العلمية لخدمة تفاصيل حياتية يومية بسيطة وبديهية كالنظام الميكانيكي الذي اخترعه الجد لايقاظ حفيده الكسول من النوم أوكاميرا المراقبة التي صنعها الجد والتي بواسطتها اصبح يعرف كل ما يجد في القرية من احداث حتى تفاصيلها الصغيرة يذكر وحسب قراءات بعض الصحف الفرنسية بالبروفسور «تورنسول» و«الكابتان هادوك» لقدرته على استنباط كل ما يمكن ان يسهل عليه الحياة في ذلك المناخ القاسي البارد وكل ذاك الثلج الذي يغطي ويثلج كل شيء الا العلاقات الانسانية في القرية..
إذن يتفطن هذا الجد الحكيم الى ان حفيده كبر ونما وبدأ عالم الكبار يستهويه فقرر ادخاله له من بابه الواسع اي باب التجربة الذاتية التي ستنقله من عالم الطفولة الى عالم الشباب...
ولمزيد التاكيد على خطه المرسوم منذ بداية مسيرته وهوالصاق الواقعية بالسريالية والعجائبية زامن المخرج قذف الطفل خارج طفولته ليواجه عالم الكبار بقذف مهرج سرك في الفضاء من فوهة مدفع... هذا الانسان الذي اصبح وبفضل الاكتشافات والاختراعات والعولمة يرى ويسمع كل شيء.. يتابع ويلاحظ ويهرب محلقا في فضاء فارغ دون ان يتمكن من تغييرمسيرة اخيه الانسان أو مساعدته حتى في أكبر محنه.
اعادة الاعتبار للكنيسة كضامن للحماية
خروج الطفل من طفولته والدخول الى عالم الكبار كان بمغادرة البطل للقرية الهادئة.. السعيدة.. المليئة بالود والموسيقى والعفوية.. والبراءة والبعيدة عن الصراعات السياسية لزيارة المدينة وتنفيذ وعد قطعه لجده وعد يتمثل في شراء صورة قديس للكنيسة التي يرممها الجد ويصنع لها ناقوسا ليهرب لها الكل عندما تسوء الاحوال ويحتموا فيها وفي هذا أكثر من معنى وموقف لان الهروب الى الدين والكنائس اصبح الحل المطروح في عدد كبيرمن الافلام الاوروبية في أيامنا هذه؟
وليختار البطل لنفسه عروسا تقبل العيش معه في القرية..
... يبدأ صراع البطل مع الظواهرالاجتماعية المشينة حال وصوله للمدينة
وقد صورها المخرج على انها ماخور شاسع يتعامل فيه الساسة مع رجال المافيا ويعقدون صفقات الاسلحة والجنس ويشترون المواقف بالرشوة ويغيّب فيه فساد الشرطة العدالة فلا تعلوسلطة على سلطة السلاح المتطوراكثر من كل الآلات الأخرى في المدينة والمطوع لرغبات مشينة مهينة لانسانية الفرد إذ عرج اميركوستوريكا في فلمه ايضا على عالم أناس يدفعهم قلقهم وقدرتهم على الحصول على كل ما يريدونه الى ممارسة الجنس مع الحيوانات على اختلاف انواعها (كالبقر والديك الرومي والخنزيرالوحشي) لمزيد التشهير بهؤلاء الذين انتزع منهم شغفهم بالمادة وابتعادهم عن الروحانيات انسانيتهم على جميع الاصعدة.
يمتد الفيلم على ساعتين كاملتين يدخل خلالهما المشاهد في عالم من المتناقضات فيضحك ويتأسف ويصاب بالذهول أحيانا ويرحب بهذه الكوميديا السوداء التي رفعت المخرج أمير كوستوريكا الى اعلى منصات التتويج العالمية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.