تشهد سوق العقارات المعدة للسكن في السنوات الأخيرة ارتفاعا مهولا في أسعارها بسبب ارتفاع كلفة مواد البناء واليد العاملة والأراضي المعدة للسكن، لكن أيضا بسبب انهيار قيمة الدينار أمام العملات الأجنبية الرئيسية بنسبة 13 بالمائة خلال سنتين وتزايد الأعباء الجبائية الموظفة على قطاع السكن بصفة عامة.. وآخرها ما يقترحه مشروع قانون المالية للسنة المقبلة الذي ينتظر ان تصادق عليه الحكومة اليوم الخميس، وذلك بإقرار ضريبة ب18 بالمائة على العقارات السكنية المعدة حصرا للسكن باستثناء الاجتماعي منه.. وهو ما يعني أن أسعار المساكن خاصة تلك الموجهة إلى الطبقة الوسطى ستلتهب أكثر.. ورغم تدخل الدولة في قانون المالية لسنة 2017 عبر احداث خط تمويل بقيمة 200 مليون دينار للتشجيع عائلات الطبقة الوسطى على اقتناء مساكن من فئة اقتصادي من خلال اقرار برنامج السكن الأول الذي تمنح بموجبه الدولة قيمة التمويل الذاتي أي 20 بالمائة من ثمن المسكن على أن لا تتجاوز قيمته 200 الف دينار.. إلا ان البرنامج محدود للغاية (لم يتجاوز عدد المساكن التي تم بيعها 300 مسكن) لعدة أسباب منها ان المساكن المعروضة سواء من الباعثين العقاريين أو من الخواص تفوق أسعارها بكثير الحد الذي رسمته الدولة كشرط للانتفاع بالتمويل.. وثانيا لأن شروط البرنامج تستهدف شريحة من العائلات المتوسطة الدخل.. فلا يكفي أن العائلات التونسية خاصة منها محدودة الدخل او تلك التي تصنف في الطبقة الوسطى باتت عاجزة تماما عن اقتناء مسكن لائق، بسبب اولا محدودية عرض المساكن ذات الطابع الاجتماعي التي أصبحت نادرة ويقتصر انجازها على بعث المتدخلين العموميين، وثانيا لأن معظم المشاريع السكنية التي يوفرها الباعثون العقاريون موجهة أساسا إلى الفئات الميسرة والغنية بما أنها تستثمر أساسا في السكن الفاخر.. غلاء المعيشة وتدهور المقدرة الشرائية منذ الثورة وبفعل تطور غلاء المعيشة وتدهور المقدرة الشرائية للموطن التونسي وارتفاع الأسعار، وارتفاع أجور الموظفين والأجراء بنسق أقل بكثير من نسق ارتفاع كلفة المعيشة،.. تغيرت مفاهيم العائلة المعوزة والعائلة المصنفة ضمن الطبقة الفقيرة والعائلات المتوسطة الدخل التي أصبحت فئات منها تصنف في حانة العائلات الفقيرة مع تراجع دخلها السنوي.. وهو ما أثر سلبا على سلة توزع الدخل الشهري التي غاب عنها تماما الادخار السكني على اعتبار ان هم الأجير والموظف التونسي اصبح منصبا على مصاريف اللباس والأكل والكراء ودراسة الأبناء.. فيما لم يعد قادرا على توفير بعض "الملاليم" في شكل ادخار سكني.. لكن تصنيفات السكن الاجتماعي والاقتصادي مع ما يعنيه من كلفة كل صنف لم تتغير. فإن كانت الدولة تقدر ان برنامج السكن الأول الموجه أساسا للطبقة الوسطى بما أنه يشترط دخل العائلة يتراوح بين 8 و10 مرات الدخل الأدنى المضمون، يحتسب أقصى سعر للسكن الاقتصادي ب200 الف دينار، فهي مخطئة تماما، بما ان الأسعار الجارية حاليا في السوق تشير إلى أن هذه النوعية من المساكن تصنف ضمن السكن الاجتماعي وليس الاقتصادي فهي لا تستهوي في الغالب الطبقات الوسطى التي ترغب في سكن له مواصفات ترتقي مع طموحاتها.. مراجعة سياسة الدولة في مجال السكن وإن كان لا بد من إقرار ضريبة على السكن المعد للسكنى، وأيضا ضرائب أخرى ستوظف أساسا على مواد البناء الموردة، لا بد أن تراجع الحكومة من سياستها في مجال السكن الاجتماعي ولاقتصادي بصفة عامة، ومراجعة البرامج والآليات التي وضعتها سابقا للتشجيع على السكن بسبب فشلها، وذلك عبر مراجعة شروط الانتفاع بآلية السكن الأول بالترفيع في الحد الأقصى للمساكن المعروضة للبيع إلى 250 الف دينار عوضا عن 200 الف دينار حاليا واستثناء هذه النوعية من المساكن من ضريبة ال18 بالمائة.. فضلا عن التفكير في دفع قطاع السكن الاجتماعي من خلال استثمار الدولة أكثر في مجال تهيئة وتوفير مزيد من الأراضي المعدة للسكن أو تخصيص أراضي بالدينار الرمزي لفائدة مؤسسات عمومية في المجال السكن مثل "السنيت" و"السبرولس" ووكالة التهذيب والتجديد العمراني.. أو لفائدة جمعيات وتعاونيات مهنية للتخفيف من حدة غلاء الأسعار.. رفض.. وغضب يذكر أن رئيس الغرفة النقابية الوطنية للباعثين العقاريين فهمي شعبان وتعليقا له على اقرار ضريبة جديدة على العقارات المعدة للسكن في مشروع قانون المالية للسنة المقبلة، قال في تصريح اذاعي، إن الوضعية الاقتصادية الصعبة التي تمر بها البلاد والتراجع الملحوظ للقدرة الشرائية للمواطن تستدعي عدم توظيف الأداء على القيمة المضافة على السكن في مشروع قانون المالية لسنة 2018، علما أن الشقق والمساكن الشاغرة الجديدة منها أو القديمة والتي لم تجد من يقتنيها لارتفاع أسعارها تعد بعشرات الآلاف.. فيما تصل نسبة العائلات التونسية التي تحلم بسكن لائق إلى قرابة 30 بالمائة.. وكانت الغرفة النقابية للباعثين العقاريين قد عبرت في بيان أصدرته أول امس عن استيائها وغضبها ورفضها لهذا الإجراء المنتظر. وأشارت الغرفة في بيانها إنه ونظرا للظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها البلاد والتراجع الملحوظ للقدرة الشرائية للمواطن مما أدى إلى تقليص نسبة الإقبال على اقتناء المسكن الذي يعتبره التونسي ضامنا لكرامته واستقراره، دعت الغرفة الوزارات والمصالح المختصة والمعنية بإعداد مشروع قانون المالية لسنة 2018 إلى عدم توظيف الأداء على القيمة المضافة على السكن، وعبرت عن رفضها التام لهذا الإجراء لما له من تداعيات على غلاء الأسعار وتعميق أزمة القطاع وعلى الاقتصاد الوطني بمختلف قطاعاته المعنية باعتبار أن البعث العقاري حريف مباشر لكافة القطاعات الاقتصادية المنتجة . ويقترح مشرع قانون المالية لسنة 2018 "اخضاع لنسبة 18 بالمائة للعقارات المبنية المعدة حصرا للسكن والمنجزة من قبل الباعثين العقاريين وتوابعها بما في ذلك المستودعات الجماعية التابعة لهذه العقارات لفائدة الأشخاص الطبيعيين مع الإبقاء بالنسبة للمساكن الاجتماعية".. جدير بالذكر أن نسبة ارتفاع مواد البناء قفزت ب 13 % في الفترة الأخيرة بفعل هبوط سعر صرف الدينار التونسي، مما أثر سلبا على قطاع العقارات الذي يعرف حاليا ركودا بسبب تراجع المبيعات لارتفاع أسعار المساكن الجاهزة.. إلى درجة تفوق بكثير قدرة التونسيين.