يعد قطاع الصناعات التقليدية في تونس من القطاعات التي ترتبط ارتباطا وثيقا بقطاع السياحة، فكان لتأزم وضع السياحة التونسية خلال السنوات التي تلت الثورة الأثر العميق على الصناعات التقليدية التي أصبحت مهددة بالاندثار، وهو ما تبينه الأرقام والمؤشرات التي تحصلت عليها «الصباح» من قبل الجهات الرسمية والتي تلخص في مجملها فقدان القطاع تقريبا 90 بالمائة من قدراته... ولا تكمن أهمية هذا النوع من الصناعات فقط في كونها من عمق وأصالة الثقافة التونسية وذاكرتها الشعبية بل تعد من ابرز القطاعات الاقتصادية التي تساهم في اقتصاد البلاد خاصة في دفعها الكبير لمحرك التصدير، حيث تساهم الصناعات التقليدية بنسبة 4 بالمائة في الناتج الداخلي الخام، ويشغل القطاع عموما 350 ألف حرفي يمثلون 11 % من قوّة العمل الإجمالية في البلاد وينشطون في 75 مجالا مثل صناعة الزربية والحلي والمجوهرات وحياكة الجبّة وصنع الشاشية والجلود والخشب، والبلّور والفسيفساء والخزف... كما بلغت الصادرات المباشرة للقطاع 47305.5 ألف دينار خلال كامل سنة 2016، بعد أن كانت في سنة 2015 في حدود ال44178.1 ألف دينار مسجلة زيادة ب7.08 بالمائة، أما نوايا الاستثمار المسجلة سنة 2015 فقد بلغت 114 بقيمة تناهز ال5978 ألف دينار سجلت هي الأخرى نموا لتصل إلى 198 مشروعا في 2016 بقيمة 6059 ألف دينار. وحسب نفس المصدر فقد بلغ معدل إحداثات الشغل في القطاع حدود ال5000 موطن شغل سنويا، ويناهز عدد المؤسسات الحرفية المسجلة، فهي في حدود ال1.888 ، منها 647 مؤسسة حرفية مصدرة وبلغ عدد القرى الحرفية الناشطة ثمانية، ويصل عدد التظاهرات بالداخل التونسي إلى 22 تظاهرة، و12 تظاهرة بالخارج ويبلغ عدد المشاركين بالمعارض الداخلية حدود ال2600 ويصل عدد المغازات المعتمدة ال70 مغازة.. انتعاشة طفيفة مطلع 2017 وحسب المعطيات التي تحصلت عليها «الصباح» من الديوان الوطني للصناعات التقليدية خلال السداسية الأولى من السنة الجارية، فقد سجل حجم الاستثمار في القطاع نموا بنسبة 3 بالمائة ليبلغ ما يناهز 11 مليون دينار مقارنة بنفس الفترة من سنة 2016 حيث تم إحداث وتدعيم حوالي 2000 مشروع مكَّنت من خلق حوالي 3500 موطن شغل، كما بلغ عدد نوايا الاستثمار 130 نية استثمار بقيمة بلغت 5.5 م.د لبعث 450 موطن شغل مقابل 75 مشروعا و350 موطن شغل خلال سنة 2016، فسجلت بذلك نوايا بعث المشاريع تطورا هاما بنسبة 37 % على مستوى عدد المشاريع و3 % على مستوى مواطن الشغل المحدثة، 10 % منها أنجز من قبل خريجي التعليم العالي. وأرجع الديوان الوطني للصناعات التقليدية هذا التطور بالأساس إلى نتائج الحملات التحسيسية التي انتظمت بالجهات، فضلا عن أهمية تدعيم المشاريع الاستثمارية عن طريق قروض المال المتداول حيث بلغ عدد المنتفعين خلال السداسية الأولى لسنة 2017 ، 2200 منتفع بقيمة 5.4 م.د ساهمت في إحداث 2600 موطن شغل. إلى جانب ذلك تم إمضاء عقد أهداف مع البنك التونسي للتضامن يتعلق بخط التمويل على بعث مشاريع صغرى في قطاع الصناعات التقليدية بين البنك التونسي للتضامن والديوان الوطني للصناعات التقليدية يهدف إلى ضبط شروط وإجراءات الانتفاع ببرنامج تمويل لبعث مشاريع صغرى في القطاع في إطار منظومات اقتصادية. التقليد.. أبرز مشاكل القطاع لا يخلو قطاع الصناعات التقليدية كغيره من القطاعات الاقتصادية التي تضررت إبان ثورة 14 جانفي من بعض المشاكل التي أدت إلى تراجعه خلال السنوات الأخيرة، حيث فقد القطاع تقريبا 90 بالمائة من قدراته، بعد أن تضرّر غالبية الحرفيين الذين أصبحوا يعيشون وضعيات اقتصادية واجتماعية صعبة. وتتمثل هذه المشاكل أساسا في الركود الكبير الحاصل في قطاع السياحة وتراجع عدد الزوار والسياح الوافدين على تونس، فضلا عن اكتساح المنتجات الأجنبية المقلدة الأسواق التونسية والمحلات التجارية التي تباع رخيصة الثمن وغير أصلية تمس بأسس حضارتنا وهويتنا من جهة وتخل بميزاننا التجاري خاصة في ما يتعلق بالتوريد.. إلى جانب نقص اليد العاملة وعزوف الشباب عن العمل في القطاع، ويضاف إلى ذلك احتكار المواد الأولوية من قبل عدد من الشركات إلى جانب تردي ظروف العمل وغياب التأطير والمرافقة للحرفيين، فضلا عن ضعف السياسات الترويجية واحتكار عدد من التجار الكبار لأغلب الوفود السياحية. وتبعا لهذه المشاكل التي أصبحت تشكل خطرا على القطاع وديمومته، تحركت الجهات المتدخلة في القطاع لإيجاد حلول استعجالية مع الحكومة من اجل إنعاش القطاع والمرور به إلى بر الأمان حتى لا تصبح الصناعات التقليدية مهددة بالاندثار كما يتم تداوله في السنوات الأخيرة خاصة أن التراجع الكبير في إنتاج القطاع قدر بنسبة تناهز ال60 بالمائة وتراجع بنسبة تصل إلى 90 بالمائة في تسويق المنتوج عموما في الداخل وفي الخارج... حلول من أجل إنعاش القطاع كان يتطلب هذا الوضع الحرج الذي يعيشه قطاع الصناعات التقليدية تدخلا مستعجلا من قبل سلطات الإشراف، وتعددت خطط واستراتيجيات العمل بين جميع الجهات المتدخلة في القطاع من اجل إيجاد حلول لتجاوز الهنات التي علقت بأحد القطاعات الاقتصادية المدرة للعملة الصعبة بحكم ارتباطها الوثيق بقطاع السياحة. وفي ما يتعلق بوضعيات الحرفيين الصعبة، تم في إطار قانون المالية لسنة2017 إعفاء الحرفيين من تسديد خطايا التأخير والفوائض الموظفة على الفوائد بعنوان آلية قروض المال المتداول المسندة بمقتضى قانون المالية لسنة 1989 والمتحصل عليها بداية من غرّة جانفي. وكانت أهم هذه المساعي المخطط الوطني لتنمية هذا القطاع في ما بين 2017 و2021 في إطار الإعداد للتوجهات الإستراتيجية المزمع اعتمادها في برامج الديوان الرامية لتطوير القطاع وتنميته على مختلف المستويات، والأنشطة التي سيشملها المخطط ستتمحور حول: تطوير الإطار المؤسساتي وتنمية المعارف والمهارات والنهوض بالجودة والتسويق وتطوير المؤسسات وتنمية الاستثمار والرقي بالإعلام والاتصال. كما يهدف المخطط إلى إبراز صناعات تقليدية عصرية تستهدف فئات اقتصادية واجتماعية متناسقة، تحمل هوية متجذرة وترتكز على التجديد والابتكار والجودة. كما يهدف إلى تطوير ترويج منتوجات صناعات تقليدية ذات جودة عالية بالأسواق المفتوحة وصعبة الاقتحام. ويبقى نجاح هذه الإستراتيجية الوطنية مرتبطا بتحقيق الأهداف المزمع بلوغها لدعم القطاع في أفق 2021، والمتمثلة أساسا في تحقيق 30 ألف موطن شغل في القطاع خلال 5 سنوات وإطلاق صناعات تقليدية أكثر جاذبية، والرفع من حصة القيمة المضافة، فضلا عن بلوغ معدل مدخول الحرفي قيمة 8000 د في سنة 2021. إلى جانب المساهمة في الناتج الداخلي الخام بنسبة تصل إلى 8 % في 2021، واقتحام أسواق جديدة، مع زيادة الصادرات إلى 4 % من مجموع الصادرات التونسية في أفق سنة 2021..