أصدر مؤخرا البنك الدولي تقريره حول التنمية في العالم سنة 2018 تحت عنوان «التعلم لتحقيق الدور المنتظر من التربية»، حذر فيه مما أسماه «أزمة تعلٌم «في العالم وخاصة في البلدان الفقيرة والبلدان النامية متوسطة الدخل. ويخلص التقرير إلى أن التمدرس دون تحقيق تعلم هي فرصة ضائعة بالنسبة للأطفال والشباب المتمدرسين. ونتناول هذا التقرير هنا لأنه ينبه إلى مسائل تهم المنظومة التونسية أيضا. وفاء التربية بدورها لقد حققت تونس منذ فترة طويلة نسبة تمدرس عالية تناهز 100 بالمائة. لكن هذه النسبة لم تستطع حل الاشكالات التي لاحظها تقرير البنك الدولي في البلدان الفقيرة والبلدان متوسطة النمو والمتعلقة بالتربية، إذ يؤكد التقرير أنه دون تعلٌم جيد يحقق النجاح في الحياة فإن التربية لا يمكنها تحقيق الدور الذي ينتظره منها المجتمع من قضاء على الفقر وفرض مبدإ الانصاف وتكافؤ الفرص في المجتمع وصولا إلى تحقيق رخاء يشمل الجميع. وهذا فعلا ما لم تنجح المنظومة التربوية التونسية في تحقيقه في المجتمع التونسي لكن إلى حد، فنسبة الفقر تتجاوز 20 بالمائة في تونس ويتوسع التفاوت الاجتماعي بين الطبقات إلى درجة اضمحلال الطبقة الوسطى اليوم. لذلك لم تحقق المنظومة جزءا هاما مما كان ينتظره المجتمع منها من ذلك التشغيل وحياة أفضل للخريج وركزت على نشر التعليم. ولاحظ التقرير أن ملايين الأطفال في العالم يغادرون المدرسة وهم لا يعرفون القراءة والكتابة وإجراء العمليات الحسابية الأساسية حتى بعد قضائهم عدة سنوات على مقاعد المدرسة (لم تشمل هذه الإحصاءات 260 مليون طفل ليسوا ملتحقين بالتعليم الابتدائي أو الثانوي أصلا لأسباب تتعلق بالصراعات أو التمييز أو الإعاقة أو غيرها). ورغم أن المدرسة التونسية يغادرها سنويا ما يزيد عن 100 ألف طفل ومع أنه لا توجد لدينا دراسات تؤكد هذه الملاحظة أو تنفيها فإني أميل إلى التأكيد أن المتسربين من المدرسة التونسية وإن كانوا غير متمكنين من الكفايات الأساسية إلا أنهم قادرون عموما على القراءة ولو ب»فك الخط « وعلى الكتابة البسيطة وعلى القيام ببعض العمليات الحسابية كالجمع والطرح مثلا. أهم التوصيات ولحل أزمة التعلٌم هذه كما يسميها التقرير، ولتحسين معايير التعليم، فهو يوصي بتطوير السياسات التربوية الوطنية في البلدان النامية وبدعم تقييمات عملية التعلُّم، وباستخدام الأدلة المنهجية في الممارسات التعليمية، وبالتعبئة باتجاه إتاحة «التعلُّم للجميع» واعتباره أولوية وطنية. وهي توصيات يمكن أن تفيد عملية الاصلاح التربوي في بلادنا خاصة في مجاليْ السياسة التربوية واستخدام الأدلة المنهجية في الممارسات التعليمية التي تعتبر أحد معايير الجودة في التعلٌم. ولتعزيز تلك التوصيات يستشهد التقرير بالتطور الذي عرفه التعليم حتى المرحلة الثانوية في كوريا الجنوبية منذ سنة 1995 والذي ترجمته المراتب المتقدمة التي تحصلت عليها كوريا الجنوبية في التقييمات الدولية، وكذلك الأمر بالنسبة إلى فيتنام التي تتساوى نتائج تلاميذها في تقييم «بيزا» مع ألمانيا رغم أن فيتنام أفقر بكثير من ألمانيا، وبالنسبة إلى ما حققته البيرو بين عامي 2009 و2015 من تطور بفضل اتخاذها إجراءات تهم السياسات التعليمية الوطنية، وما حققته بلدان أخرى مثل ليبيريا وغينيا الجديدة من تحسَّن في تمكٌن أطفالها من القراءة في الابتدائي بفضل الاعتماد على الأدلة المنهجية. وبشأن تطوير السياسات يقدم التقرير بعض التوصيات التي تفيد منظومتنا التربوية فهو يدعو الدول النامية إلى تقييم مستوى التعلُّم في مؤسساتها التربوية بحيث يصبح هدفا قابلا للقياس. وإلى تحقيق مبدإ تكافؤ الفرص بجعل المدارس تعمل بنفس الشكل لصالح جميع الأطفال وإلى انتداب الأشخاص المتميزين للعمل في مجال التدريس وتكوينهم تكوينا خاصا بهم ومساعدتهم بوسائل تكنولوجية حديثة يستعملونها في التدريس، وإلى إرساء إدارة مدرسية قوية. كما دعا التقرير إلى حشد كل من له اهتمام بالشأن التربوي لصالح المدرسة مع توفير الإرادة السياسية لإصلاح التعليم. وإلى إشراك أصحاب المصلحة المباشرة بما فيهم مجتمع الأعمال في جميع مراحل إصلاح التعليم. وإلى زيادة الاهتمام بمبدإ المساءلة. * باحث وخبير تربوي