لا يختلف اثنان في أن الفساد هو الوباء الأكبر الذي يعوق خروج الأوضاع في بلادنا من عنق الزجاجة واستعادة عافيتها المأمولة في مختلف المجالات.. والفساد أنواع وليس نوعا واحدا، والمفسدون أرهاط وليسوا رهطا واحدا، ولهذا فإن محاربتهم لا تتطلب اعتماد استراتيجية واحدة محددة بل استراتيجيات متعددة مخصوصة. نقول هذا الكلام وفي البال التحرك الفجئي الذي قام به رئيس الحكومة السيد يوسف الشاهد أول أمس إلى سوق الجملة ببئر القصعة والذي سمح له بمعاينة بعض الممارسات الاحتكارية التي يلجأ إليها بعض المضاربين بالسلع والمنتوجات الفلاحية للترفيع في أسعارها وتحقيق ربح وفير وسريع على حساب قفة المواطن وجيبه. فمثل هذه الممارسات الاحتكارية لا تقل خطورة – إن لم نقل أكثر خطرا - على اقتصاد البلاد واستقرارها، عن أشكال الفساد الأخرى المعروفة والمتعارف عليها كالتهريب والرشاوى والاثراء غير المشروع والمحسوبية والتي تعهد رئيس الحكومة – وبدأ في ذلك بالفعل – بمحاربتها ومحاسبة المتورطين فيها، لكونها تشمل مواد غذائية أساسية وبالتالي تستهدف ضرب المواطن العادي في لقمة عيشه وتجويعه. هذا المواطن الذي ما انفك يشهد على امتداد سنوات ما بعد ثورة 14 جانفي 2011 تدهورا مضطردا لمقدرته الشرائية قد ضاق ذرعا حتى الثمالة باستمرار نهبه من الانتهازيين والمستكرشين المفتقدين إلى الوطنية، والساعين لجمع الثروات على حساب تفقيره. وهو اليوم ولئن استبشر بزيارة السيد الشاهد إلى سوق الجملة وما أعلن عنه من إجراءات وقرارات تصب في هدف حماية مقدرته الشرائية والسيطرة على الأسعار، إلا أنه يتطلع إلى رؤية تجسيم وتكريس تلك القرارات والإجراءات على أرض الواقع... حتى لا تظل مجرد تعبير عن مواقف خطابية أو تحركات محدودة في الزمن سرعان ما تتلاشى ويطويها النسيان، كما طوى حملات أخرى سابقة. نعم، نحن ندرك جيدا أن الحرب على هذا الصنف من الانتهازيين والمستكرشين لن تكون هينة وستتطلب نفسا طويلا، لكن الانتصار فيها أكيد إذا توفرت العزيمة والإصرار اللازمين على المتابعة وتنفيذ القانون بمنتهى الصرامة. وفي اعتقادنا أن السيد الشاهد وحكومته تتوفر لديهم هذه المقومات...