ليست المشكلة في ان يختفي «الزقوقو» من الاسواق وان يرتفع سعره من 8 دنانير الى 15 دينارا لكن المشكلة هي ان يكون وراء اختفاء هذه المادة اياد خفية تتلاعب بالسوق وبالاسعار وبالتالي بالمواطن. وكل هذا يشير الى تنامي ظاهرة الاحتكار التي يبدو انها اصبحت لا تعني مسالك التوزيع وحدها بل مسالك الانتاج ففي ما حصل مع مواد غذائية اخرى كالبصل والبطاطا والطماطم ما يقيم الدليل على ان امرا ما يحدث وان اياد تتلاعب . واذا تأملنا حالة المنتوجات هذه السنة تأكدنا من ذلك كله وعلمنا ان المسألة يجب ان تؤخذ مأخذ الجدّ وان تعالج بشكل يقطع دابر ظاهرة الاحتكار ويعدّل علاقة المواطن بالسوق. ليس هذا فحسب بل ان ممارسات غريبة وحركات غامضة تحدث في السوق تبدأ بتسريب الادعاءات والاشاعات بأن المواد مثل الزوو هذه الايام. مفقودة او هي موجودة بكميات قليلة جدا وفي نقاط محدودة لتنتهي المسألة بتزاحم الناس امام تلك النقاط طمعا في الحصول على نصيب قليل من المواد مهما كانت اسعارها ومهما تضخمت مقارنة بالاسعار الحقيقية. **ظاهرة خطيرة! والغريب ان هذا الامر يحصل في سوق مثل سوق الفواكه بنهج اسبانيا التي كانت قبل اسابيع قليلة مليئة بالزوو ولا احد يلتفت اليه وعندما اقترب المولد النبوي الشريف فقدت تماما هذه المادة وأصبحت عملة نادرة وكنزا يُدفع في سبيله المال الوفير ويبذل من اجله الجهد والوقت الثمين حتى ان البعض لا يتوانى في قضاء ساعة او ساعتين امام محل بسيط ينتظر رحمة من يجود عليه بالقليل من الزوو ومنهم من يصرّ على البقاء امام المحل لانه لا يصدّق كلام صاحب ذلك المحل عندما يقول له بأن الزوو غير موجود فيكثر العراك والتدافع وتتوتّر الاعصاب ومع ذلك يبقى الأمل قائما في الحصول على الزوو لان ما يقوله البعض بشأن فقدانه يكذبه البعض الآخر من الذين يحصلون على الزوو من مسالك اخرى ومن نقاط خفية لا يعلمها الا هم والمحتكرون الذين يعرفون جيدا متى يخرجون البضاعة وبالكمية المدروسة وفي الوقت المناسب الذي لا يفضحهم امام الملأ. والأغرب ان هذه الممارسات التي لا تخجل انتقلت الى الفضاءات التجارية الكبرى حتى ان احدى هذه الفضاءات دعت الناس لاشتراء الزوو منها بسعره الحقيقي ففرحوا لذلك كثيرا لكن ذلك لم يدم طويلا حيث فوجئوا بها تعرض الكيلوغرام الواحد ب 15 دينارا والحال ان سعره لا يتجاوز 6 دنانير في الايام العادية. **امتعاضات ولا يقف امتعاض المواطنين من ظاهرة الاحتكار عند مادة الزوو فحسب بل ان هناك انطباعا عاما بأن هذه الظاهرة تشمل كافة المواد التي عليها الطلب وبأنها انتشرت بشكل يدعو الى الوقفة الحازمة. ويطالب السيد محمد علي العلاقي (تاجر ملابس واقمشة) مصالح المراقبة ومنظمة المستهلك بالتصدي لما اسماهم العابثين والانتهازيين الذين يستغلون رغبات المواطنين ليلهبوا الاسعار عن طريق ممارسة الاحتكار وتخزين المواد الاستهلاكية وجعلها عرضة للفساد والذين يتربصون بالمستهلك ويتصيدون الفرص والمواسم مثل المولد ورمضان وغيرها من المواسم والأعياد ليحتكروا المواد المطلوبة ويربكوا السوق ويلهبوا الاسعار وتساءل قائلا ما معنى ان يصل سعر الزوو الى 15 دينارا. من المتضرر من وراء ذلك؟ أليس المواطن البسيط الذي ارهقته هذه الممارسات والمغالاة والذي اصبح اليوم ينفق مجبورا اكثر من مداخيله؟ ويرى السيد صالح النايلي ان ظاهرة الاحتكار والتهاب الاسعار باتت مألوفة لديه ولدى اغلب التونسيين بحكم تكررها وتواترها بالرغم من انها ظاهرة غير مقبولة وتعود بالمضرة على المواطن وعلى ميزانيته. كما يؤكد ان نفقاته زادت كثيرا خلال الفترات الاخيرة التي شهدت ارتفاعا في اسعار البصل والبطاطا واللحوم. ويتفق السيدان عيسى المهيري وعبد الوهاب بوخريص على الانتشار الواسع لظاهرة الاحتكار خلال الفترات الاخيرة وعلى ان هناك الكثيرين ممن يستغلون فترات نقص المواد الاستهلاكية في السوق او فترات ارتفاع الطلب على هذه المواد ليعمدوا الى احتكار تلك المواد وتخزينها وبيعها بالاسعار التي تشبع طمعهم ونهمهم ولكنهما يحمّلان المواطن جزءا من المسؤولية في ذلك لأنه برأيهما يشجع الاحتكار والمحتكرين عندما يقبل بلهفة على طلب المواد الاستهلاكية في فترات النقص. **مقاطعة منظمة المستهلك من جانبها تشترك مع هذين المواطنين في الرؤية بل ان السيد رضا الغربي رئىس مكتب تونس للمنظمة يذهب الى اكثر من ذلك ليطالب المواطنين بمقاطعة من اسماهم بمحترفي الاحتكار والعدول عن اقتناء المواد التي يثبت انها محل ممارسة احتكارية خصوصا في فترات المواسم والاعياد والمناسبات الكبرى التي تنشط فيها الآلة الاحتكارية وتتحرك بقوة. ودعا مسؤول المنظمة الى ضرورة التمييز بين التاجر والبائع العادي ومحترفي الاحتكار الذين يتلونون كالحرباء والذين يعرفون جيدا ظروف السوق وابتزاز المواطنين باتقان. وقال انه على التونسيين ان يتعاونوا جيدا مع مصالح التجارة والمراقبة التي تقف بالمرصاد لهؤلاء المحتكرين ومع مصالح المنظمة الموجود كخيوط العنكبوت في كل مكان وتترصد ايضا تحركاتهم وذلك بأن يحافظوا على مقدرتهم الشرائية ولا ينساقوا وراء رغباتهم الظرفية بل عليهم ان يبحثوا عن بدائل للمواد الاستهلاكية عندما يتم احتكارها والترفيع في اسعارها خاصة وان هذه البدائل موجودة.