تونس تحتفل بعيد الشغل العالمي وسط آمال عمالية بإصلاحات تشريعية جذرية    دوري ابطال اوروبا.. التعادل يحسم مباراة مجنونة بين البرسا وانتر    شهر مارس 2025 يُصنف ثاني الأشد حرارة منذ سنة 1950    يظلُّ «عليًّا» وإن لم ينجُ، فقد كان «حنظلة»...    الاتحاد يتلقى دعوة للمفاوضات    تُوّج بالبطولة عدد 37 في تاريخه: الترجي بطل تونس في كرة اليد    زراعة الحبوب صابة قياسية منتظرة والفلاحون ينتظرون مزيدا من التشجيعات    قضية مقتل منجية المناعي: إيداع ابن المحامية وطليقها والطرف الثالث السجن    رحل رائد المسرح التجريبي: وداعا أنور الشعافي    القيروان: مهرجان ربيع الفنون الدولي.. ندوة صحفية لتسليط الضوء على برنامج الدورة 27    الحرائق تزحف بسرعة على الكيان المحتل و تقترب من تل أبيب    منير بن صالحة حول جريمة قتل المحامية بمنوبة: الملف كبير ومعقد والمطلوب من عائلة الضحية يرزنو ويتجنبو التصريحات الجزافية    الليلة: سحب مع أمطار متفرقة والحرارة تتراوح بين 15 و28 درجة    عاجل/ الإفراج عن 714 سجينا    عاجل/ جريمة قتل المحامية منجية المناعي: تفاصيل جديدة وصادمة تُكشف لأول مرة    ترامب: نأمل أن نتوصل إلى اتفاق مع الصين    عاجل/ حرائق القدس: الاحتلال يعلن حالة الطوارئ    الدورة 39 من معرض الكتاب: تدعيم النقل في اتجاه قصر المعارض بالكرم    قريبا.. إطلاق البوابة الموحدة للخدمات الإدارية    وزير الإقتصاد يكشف عن عراقيل تُعيق الإستثمار في تونس.. #خبر_عاجل    المنستير: إجماع خلال ورشة تكوينية على أهمية دور الذكاء الاصطناعي في تطوير قطاع الصناعات التقليدية وديمومته    عاجل-الهند : حريق هائل في فندق يودي بحياة 14 شخصا    الكاف... اليوم افتتاح فعاليات الدورة العاشرة لمهرجان سيكا جاز    السبت القادم بقصر المعارض بالكرم: ندوة حوارية حول دور وكالة تونس إفريقيا للأنباء في نشر ثقافة الكتاب    عاجل/ سوريا: اشتباكات داخلية وغارات اسرائيلية وموجة نزوح..    وفاة فنانة سورية رغم انتصارها على مرض السرطان    بمناسبة عيد الإضحى: وصول شحنة أغنام من رومانيا إلى الجزائر    أبرز مباريات اليوم الإربعاء.    عملية تحيّل كبيرة في منوبة: سلب 500 ألف دينار عبر السحر والشعوذة    تفاديا لتسجيل حالات ضياع: وزير الشؤون الدينية يُطمئن الحجيج.. #خبر_عاجل    الجلسة العامة للشركة التونسية للبنك: المسيّرون يقترحون عدم توزيع حقوق المساهمين    قابس: انتعاشة ملحوظة للقطاع السياحي واستثمارات جديدة في القطاع    نقابة الفنانين تكرّم لطيفة العرفاوي تقديرًا لمسيرتها الفنية    زيارات وهمية وتعليمات زائفة: إيقاف شخص انتحل صفة مدير ديوان رئاسة الحكومة    إيكونوميست": زيلينسكي توسل إلى ترامب أن لا ينسحب من عملية التسوية الأوكرانية    رئيس الوزراء الباكستاني يحذر الهند ويحث الأمم المتحدة على التدخل    في تونس: بلاطو العظم ب 4 دينارات...شنوّا الحكاية؟    ابراهيم النّفزاوي: 'الإستقرار الحالي في قطاع الدواجن تام لكنّه مبطّن'    القيّمون والقيّمون العامّون يحتجون لهذه الأسباب    بطولة إفريقيا للمصارعة – تونس تحصد 9 ميداليات في اليوم الأول منها ذهبيتان    تامر حسني يكشف الوجه الآخر ل ''التيك توك''    معرض تكريمي للرسام والنحات، جابر المحجوب، بدار الفنون بالبلفيدير    أمطار بكميات ضعيفة اليوم بهذه المناطق..    علم النفس: خلال المآزق.. 5 ردود فعل أساسية للسيطرة على زمام الأمور    بشراكة بين تونس و جمهورية كوريا: تدشين وحدة متخصصة للأطفال المصابين بالثلاسيميا في صفاقس    اغتال ضابطا بالحرس الثوري.. إيران تعدم جاسوسا كبيرا للموساد الإسرائيلي    نهائي البطولة الوطنية بين النجم و الترجي : التوقيت    اتحاد الفلاحة: أضاحي العيد متوفرة ولن يتم اللجوء إلى التوريد    في جلسة ماراتونية دامت أكثر من 15 ساعة... هذا ما تقرر في ملف التسفير    ديوكوفيتش ينسحب من بطولة إيطاليا المفتوحة للتنس    رابطة ابطال اوروبا : باريس سان جيرمان يتغلب على أرسنال بهدف دون رد في ذهاب نصف النهائي    سؤال إلى أصدقائي في هذا الفضاء : هل تعتقدون أني أحرث في البحر؟مصطفى عطيّة    أذكار المساء وفضائلها    شحنة الدواء العراقي لعلاج السرطان تواصل إثارة الجدل في ليبيا    الميكروبات في ''ديارنا''... أماكن غير متوقعة وخطر غير مرئي    غرة ذي القعدة تُطلق العد التنازلي لعيد الأضحى: 39 يومًا فقط    تونس والدنمارك تبحثان سبل تعزيز التعاون في الصحة والصناعات الدوائية    اليوم يبدأ: تعرف على فضائل شهر ذي القعدة لعام 1446ه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الهجرة السرية «الحرقة».. الأسباب.. التداعيات و المعالجات الممكنة: الهجرة السرية من وجهة نظر القانون الجزائي وعلوم الاجرام.. جريمة أم لا؟
نشر في الصباح يوم 17 - 11 - 2017

● هل يشجع التناول الاعلامي غير الدقيق على «الحرقة»؟
هل تكفي هذه الاستراتيجية والأطر القانونية والإجراءات التي يتم اتخاذها للحد من هذه الظاهرة والتصدي لها قبل الكارثة؟ سؤال وجهه رئيس الجلسة عادل العياري للقاضي وائل بن سليمان من وزارة العدل فقال : « طورنا بعض الابحاث في المسالة والسؤال الاهم هنا هو الهجرة غير الشرعية او غير النظامية او الحرقة هل هي جريمة ام لا ؟ وقد تم سنة 2004 فصل الادوار في مسرح الجريمة بين « الحراقة» الذين كونوا ثروات طائلة برص مراكب لا تتسع إلا ل 5 او 10 اشخاص ب 60 او 70 حارقا وبين الضحايا ويعتبر ضحية من يدخل الى البحر وهو لا يعرف العوم ولا يعرف ما يمكن ان يتعرض له من اخطار وتعتبر الهجرة غير الشرعية جريمة منظمة عندما تتحول العملية الى اتجار في البشر. وأضاف وائل بن سليمان ان المقاربة التشاركية مهمة جدا في التصدي لهذه الظاهرة وانه لا بد من التنسيق بين القاضي التونسي والقاضي في روما مثلا للوصول الى حلول ناجعة.. وقال انه لا يمكن توظيف التشريع الجزائي في كل الحالات والتصدي يكون عبر المقاربة الشاملة ومن بينها المقاربة النفسية والعائلية والأمنية ... بالوصول الى هذه النقطة وضح الدكتور مهدي مبروك رئيس المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات فرع تونس ان القانون عدد 6 لسنة 2004 المؤرخ في 3 فيفري 2004 ويتعلق بتنقيح القانون عدد 40 لسنة 1975 المؤرخ في 14 ماي 1975 المتعلق بجوزات السفر ووثائق السفر هو الاكثر صرامة في مجال الهجرة السرية فهو يمنع تقديم كافة اشكال المساعدة للمهاجرين سريا وهذا القانون يجرم كذلك كافة الاعمار حتى الاطفال والحوامل على عكس بلدان المغرب العربي كما ان هذا القانون(عدد 6 لسنة 2004) يحجب عمدا استعمال لفظ المهاجرين و يكتفي باستعمال وثائق السفر و الاصل في الاشياء الحديث عن هجرة. واعتبر الدكتور مهدي مبروك ان القانون المذكور يعد من اشد القوانين في العالم اذ انه لا يستثني النساء الحوامل او الاطفال على خلاف قانون المغرب او غيرها من البلدان مثلا .نفس هذا القانون يجرم ادنى اشكال المساعدة الانسانية للمهاجرين السريين و يمنع حتى الولوج الى الحق الانساني في الصحة و الاسعاف ومجرد اعطائهم كاس ماء يعد جريمة ...لذا بات من الضروري مراجعة هذا القانون بما يتلائم مع التشريعات الدولية و معايير حقوق الانسان التي تنطلق من امضاء اتفاقية 18 دسمبر المتعلقة بحماية المهاجرين.
وقال الدكتور مهدي مبروك :» المقاربة الشاملة لا يجب ان تستثني المقاربة القانونية ويجب ان تعدل تشريعاتنا بما يتلاءم مع القانون الدولي الاكثر انسانية . ولا بد من تعديل التشريعات لتكون قريبة او مطابقة للمعايير الدولية وكذلك التوقيع على الاتفاقيات الدولية في المجال .ولا بد ايضا من التمييز بين مقاومة الارهاب والهجرة السرية لان المهاجرين ضحايا ولا يمكن ان يدخلوا في وفاق يحاسبون عليه .
ورأى الأستاذ عبد الستار السحباني مختص في علم الاجتماع ومسؤول في «مرصد الحقوق الاقتصادية والاجتماعية» ان الاعلام يعطي صورة قاتمة عن الوضع وانه لا يحسن التعامل مع الظاهرة والماكينة الاعلامية مثل الماكينة السياسية غير قادرة على اعطاء ومضة ايجابية عن المستقبل والخطاب السياسي والإعلامي في هذا الخصوص يمران بفترة صعبة وفي عدم وضوح الرؤية سيتم خلق نوع من التوتر لدى الشباب ورغبة في الهجرة ستتطور من حوالي 54 بالمائة الى 75 راغب فيها وهنا لا بد من دراسة دقيقة ومفصلة عن الوضع .
وفي الحديث عن طرق المعالجة اكد مدير المرصد الوطني للهجرة علي بالحاج على المقاربة الاقليمي والدولية الى جانب المقاربات المرتبطة بكل ما هو وطني خاصة وان الذي «يحرق» مرة ولا ينجح يعيد الكرة دون اكتراث بالعواقب الى جانب وجود من يدخل الى تونس ويخرج منها مرات عديد ومن ناحيته.
ودعا المدير العام للتعاون الدولي بوزارة الشؤون الاجتماعية عبد القادر المهذبي الى ضرورة اعادة النظر في قانون فيفري 2004 للدفاع عن الحريات الفردية والأساسية وتقديم المساعدات اللازمة للمهاجرين السريين وتشديد العقوبات على شبكات الهجرة السرية وركز انيس عون الله مندوب حماية الطفولة على نقطتين هامتين في معالجة الظاهرة وهي اولا المؤسسة التعليمية المطالبة بتعديل البرامج المتعلقة بالتكوين المهني والتربية وتقديم النموذج والمثل الاعلى والتجارب الناجحة ثانيا المؤسسات الاعلامية التي عن قصد او عن غير قصد وحتى عن طريق بث بعض الاغاني قد تعطي صورة ايجابية «للحرقة» فيلتقطها الطفل ويتبنى الفكرة وتصبح حلمه .
المديرة العامة لدار الصباح رجاء الحمادي بن ساسي ذكرت بأهمية دور الاعلام في معالجة ظاهرة الهجرة غير النظامية ورأت انه من الضروري ابرام عقد اهداف مع جميع الاطراف المتدخلة وان يتم تمكين الاعلاميين من المعلومة الصحيحة وفي وقتها وتوفير ضروريات العمل لهم ليساهموا بدورهم في توعية الشباب والأطفال وحتى العائلات حتى لا ينخرطوا في مثل هذه الاحلام او الكوابيس الهدامة وقالت ايضا انه من غير المنطقي ان تعلق كل المسؤولية على الدولة وحدها لان التصدي لهذه الظاهرة الخطيرة يكون عملا جماعيا على المستوى الوطني والإقليمي والدولي.وأضافت المديرة العامة لدار الصباح:» وعلى الاسرة كذلك ان تقوم بدورها في مراقبة ابنائها وفي زرع الحلم بمستقبل افضل في داخلهم ومساعدتهم على العمل الجاد من اجل تحسين اوضاعهم الاجتماعية والعائلية في بلدهم تونس فكم من عائلة فقيرة خرج منها المسؤول الكبير والوزير والأستاذ والموظف السامي والمهندس .».
اما عن المطلوب من الاعلام الذي اعتبرته السلطة الاولى في البلاد فهو ادراج الحديث عن النماذج الناجحة التي يمكن ان تكون مثالا يحتذى به القارئ او للمشاهد او المستمع والعودة الى اعلاء قيمة العمل والتفاني فيه وإقناع الافراد والجماعات بان التعويل على الذات يغير المصائر ويحسن الوضعيات .
وتمحور النقاش في الندوة حول القوانين والتشريعات المتعلقة بتنقل الاشخاص من مكان الى آخر وضرورة تنقيح وتحيين قانون فيفري 2004 المتعلق بالهجرة السرية والمطالبة بعدم تجريم مقدم المساعدة . وطالب بعض الحضور باعتماد المقاربة التشاركية لمواجهة تحديات الهجرة غير النظامية وهي تحديات تشريعية وتربوية واجتماعية واقتصادية وسياسية ونفسية . ولاحظ البعض الآخر ان الهجرة غير النظامية استفحلت وأصبحت ذات خطورة كبرى بعد ان تعمدت بلدان الاستقبال الاوروبية غلق حدودها وتشددت في التعامل مع المهاجرين حتى انها اصبحت تسيء معاملة المهاجرين بصفة عامة وتستغلهم الاستغلال السيء وتضع الناجين منهم في معتقلات في ظروف لا انسانية تستوجب تدخلا عاجلا من منظمات المجتمع المدني الدولي.وذكر احد الحاضرين بان قطاعات عديدة في تونس تشكو من نقص كبير في اليد العاملة وبعض التونسيين يفضلون البطالة او الحرقة في ظروف خطيرة على العمل في القطاع الفلاحي او في البناء او النجارة او غيرها من القطاعات التي تحتاج الى العمال وقال : « هذه القطاعات يهجم عليها العملة الافارقة واغلبهم طلبة وهذا الوضع جعل اتحاد الصناعة والتجارة ورجال الاعمال يطالبون بتقديم تسهيلات لتشغيل اليد العاملة الافريقية .»
ولان الاستراتيجية التي تم اعدادها لمجابهة خطورة الحرقة على الشباب التونسي لا يمكن ان تعطي نتيجة سريعة فقد اوصى الحضور بمزيد حماية المهاجرين والعمل على ادماج الشباب في الحركة الاقتصادية وصنع القرار الوطني وإشراكهم في وضع البرامج المتعلقة بالهجرة وتعزيز الحوكمة الرشيدة في المجال وإلحاق كتابة الدولة للهجرة بوزارة الشؤون الاجتماعية لتتوحد الجهود لتشخيص الظاهرة بدقة ولمجابهتها ويبقى التحدى الكبير هو العمل المشترك بين وزارتي التربية والشؤون الاجتماعية لتعهد الطفولة وحمايتها من الارهاب والجريمة والحرقة .
الهجرة السرية أصبحت قرارا عائليا
الهجرة السرية لا يستقيم فهمها وتشخيصها والبحث عن حلول عملية للحد منها في مرحلة اولى إلا في ضوء المعطيات الحديثة التي افرزتها نسق التحولات والمتغيرات الوطنية والاقليمية والدولية فاجتياز الحدود خلسة لم تعد تحتكم الى متغيرات كلاسيكية او عرضية بل مرتبط في جانب كبير منها بمتغيرات سياسية اجتماعية ثقافية ... ساهمت في تشكيل الذات النافرة من نفسها المحبطة من واقعها المعيشي الاجتماعي . فالهجرة السرية لم تعد قرارا فرديا بل اصبحت قرارا عائليا من خلا التكفل بالتمويل رغم وعيهم بخطورة العملية وخاصة من الذين ينتمون الى وسط اسري مهمش يتسم بالتفكك والتشتت وله مستوى تعليمي محدود وان ظهرت الهجرة السرية لأصحاب الشهائد العليا كما ان غياب المؤسسة الاجتماعية والاقتصادية في القيام بدورها امام مؤسسة المقهى ومؤسسة الشارع . معطى اخر هام هو انتشار ثقافة الربح السهل والكسب السريع والسوق الموازية التي تتاجر في كل شيء وتهريب كل شيء تهريب البشر بطريقة استفزازية ومعلنة .من ناحية اخرى نشاه الاتحاد الأوروبي كقوة اقتصادية وما صاحب ذلك من سياسات وتضييقات وفرض التأشيرات على حرية التنقل الذي تضمنه كل المواثيق والاتفاقيات الدولية ساهم في ابتكار طرق عديدة للهجرة السرية .
الشباب ينظر الى نفسه كقوة اقتصادية اجتماعية قادرة بان تلعب دورا مجتمعيا واثبات ذاته وقدراته والاستثمار في طاقاته وفق استراتيجية شاملة تمس الجوانب التربوية والثقافية والتعليمية ...من شانها ان تحد من الهجرة السرية .
كذلك اعادة النظر في الاتفاقيات الثنائية حول التنقل والعمل والإقامة .. بين تونس وبلدان الاوروبية خاصة والضغط من طرف المجتمع المدني الناشط بالخارج على الفوز بحصص مشاريع شغل في اطار منظم والتشجيع على الهجرة الدائرية من شانها أيضا معالجة الظاهرة التي استفحلت خلال هذه السنوات الاخيرة.
عبد العزيز السبيعي باحث في الهجرة
الهجرة السرية من وجهة نظر القاضي:حين تصبح الهجرة السرية مطية لارتكاب جرائم خطيرة ومنظمة
بقلم: الدكتور وائل بن سليمان*
I - نبذة حول الهجرة السرية
الحرقة أو الهجرة غير السرية ظاهرة ليست بالجديدة و لكن شهدت تزايدا في الفترة الأخيرة و تدقيقا بالفترة اللاحقة للثورة التونسية و الظاهرة تثير بعض الملاحظات.
أولا : ثلث الشباب التونسي لديهم الاستعداد في الانخراط في الهجرة غير الشرعية «الحرقة»، و هذا معطى مهم من زاوية الدراسة الاجتماعية لان المفروض أن الثورة أزاحت نظاما قمعيا ليحل محله نظام ديمقراطي يسعى من ضمن ما يسعى إليه إلى فرض علوية القانون و بسط الشفافية في التعامل مع كافة الجهات و كافة الفئات و الأوساط الاجتماعية الأمر الذي لم يتحقق في نظر الكثير بصفة ملموسة فاضحي البقاء بتراب الدولة نوعا من المجازفة حسب بعض الأشخاص الذين كانوا ينوون الهجرة خلسة أو وفقوا في ذلك.
ثانيا: الظاهرة لا تقتصر على الذكور وحدهم بل تشمل الفتيات، و هذا أمر غير مألوف لان المتعارف عليه أن الهجرة السرية عبر البحر كانت تهم الذكور قصرا لكن هناك تحول في خصوص فئة الأشخاص الذين قرروا الهجرة ليشمل الإناث من مختلف الشرائح العمرية بل تم ضبط نساء حوامل و أخريات مرضعات في بعض الحالات.
ثالثا: مفهوم جديد ظهر يتمثل في هجرة كافة أفراد العائلة؛ إذ انه في بعض الحالات تم ضبط الزوج و الزوجة و الأبناء و الأخوة في نفس القارب و هذا معطى جديد لا بد من تدارسه بروية و عمق.
رابعا: هناك تحول في المستوى العلمي و الأكاديمي للأشخاص الذين يعتزمون الهجرة سرا أو الذين توفقوا في ذلك إذ كانت الهجرة في ما مضى تهم أشخاصا ذوي مستوى تعليمي متدن لفظتهم مؤسسات التعليم و التدريس أما حاليا فأضحت الهجرة تراود أصحاب الشهادات الجامعية والطلب بل أن هناك من هاجر بعد حصوله على شهادة ماجستير.
خامسا: الهجرة سرا لا تتوقف على سلوك المسالك البحرية بل أن البعض ممن هاجروا سافروا إلى دول غربية مثل صربيا و غيرها يمكن الولوج إليها دون اشتراط تأشيرة إقامة و من ثم دخلوا إلى أقطار أخرى داخل الاتحاد الأوروبي.
سادسا: الهجرة لم تعد تستهوي بعض المواطنين التونسيين بل أن جزء من المهاجرين سرا يحملون جنسيات دول افريقية و حتى آسيوية دخلوا التراب التونسي عبر الصحراء و عقب الثورة التي اندلعت في ليبيا.
II- تجريم الهجرة السرية:
هنا يطرح التساؤل لمعرفة ما إذا كانت الهجرة السرية جريمة من زاوية نظر القانون الجزائي و علوم الإجرام أم لا؟
قد يبدو التساؤل في غير محله لكن يجمع المتخصصون في القانون الجزائي على أن الهجرة السرية تدخل في مصاف الأفعال التي لا تكتسي خطورة شديدة عدى كونها تمثل انتهاكا لقوانين الدولة التي تفرض المغادرة من نقاط حدودية محددة و التزود بوثائق معينة و هذا ما يفسر خفة العقوبات التي يرصده القانون الجزائي للمهاجرين سرا غير انه بداية من سنة 2003 و أما تنامي ظاهرة الإبحار خلسة و التي أضحت تأخذ شكل جريمة منظمة تشرف عليها جماعات منظمة تدخل المشرع ليشدد العقوبات بموجب تنقيح 3 فيفري 2004 الذي جرم الوفاق و التنظيم لارتكاب جرائم تسهيل الهجرة السرية و تم بموجب التنقيح المذكور الترفيع في العقاب إلى عشرين عاما إذا ترتب عن الجريمة الموت.
كما اقر المشرع صلب التنقيح المذكور عذر الإعفاء من العقاب في صورة التبليغ عن الجرائم قبل ارتكابها كما اقر بالمسؤولية الجزائية للذوات المعنوي في صورة ارتكاب الجريمة من قبل احد أعوانها أو مسيريها.
III- الهجرة السرية و الجرائم الدولية:
المشكل المطروح حاليا و الذي يواجهه النظام القانوني و القضائي للدولة هو أن الهجرة السرية أضحت مطية un tremplin لارتكاب جرائم خطيرة و منظمة و لاسيما الإرهاب الذي تورط فيه كثير من الشباب التونسي و جرائم الاتجار بالأشخاص و هنا مكمن الخطورة بل وقفنا في المرحلة اللاحقة للثورة على عدة وضعيات يهاجر ضمنها الشباب من الجنسين إلى بؤر النزاع و يتم تجنيدهم لارتكاب أعمال إرهابية ببؤر التوتر المذكورة أو عند العودة إلى تراب الدولة التونسية.
و يتجه التذكير بأنه و على شاكلة ما هو عليه الأمر بالنسبة للجرائم الإرهابية و ما التصق بها من وجود حاضنة شعبية فان الهجرة غير الشرعية تجد دعما و نوعا من المباركة من لدن عدد كبير من أهالي بعض المهاجرين بل و تساهم العائلة في تمويل ذلك المشروع غير الشرعي.
IV- الدافع الرئيسي للهجرة:
بعيدا عن الخوض في الأسباب المادية و الاجتماعية و الاقتصادية للهجرة السرية يعتبر تزايد منسوب اليأس في تقديرنا أهم الأسباب التي تؤدي بالأشخاص و لاسيما الشباب إلى اختيار الهجرة سرا إلى الخارج و اليأس هو مرحلة نهاية تعتمل فيها فترة طويلة و مدروسة من التعاطي السلبي مع الأحداث و مع الدولة من خلال مؤسساتها و حتى مع الأشخاص الذين يشكلون المحيط المغلق للشخص (le milieu fermé) قبل المرور إلى الفعل (Le passage à l'acte) و اليأس يجد مسبباته في حالات عدة في انعدام المثال (Le modèle) الذي يضعه الشاب نصب عينيه لاقتفاء أثره و السير على خطاه .
V- التعاطي الإعلامي مع الهجرة السرية:
لا بد من مراجعة التعاطي الإعلامي مع مسألة الهجرة السرية و الترويج لتلك الصور التي تشاهد بين الفينة و الأخرى على وسائل الإعلام المرئية خاصة و التي يظهر فيه المهاجر غير الشرعي بمظهر الشخص المنتصر و المحتفي بذلك الانجاز يحمل قبعة ملبوسة إلى الخلف و يرفع إشارة النصر و لبا يتوانى في سب النظام والتذمر من أحوال البلاد لان ذلك يزين المسالة لكثير من الشبان المترددين كما من شأنه أن يظهر الدولة في موقع ضعف يستشف من عجزها عن حماية حدودها و في تقديرنا لا بد من التركيز على إنتاج بعض الأعمال الوثائقية المصورة و الواقع بثها مباشرة من داخل الأعماق تعطي للمشاهد صورة حقيقية عن أهوال البحر و عمق المياه و خطورة العوامل الجوية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.