الجميع يدق ناقوس الخطر بشأن تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، والمتأمل في تصريحات وبيانات المنظمات والأحزاب وفي مؤشرات الحكومة يجد خيطا رابطا بينها يوحي باتفاق حول التشخيص لكن لم تنجح للأسف الوحدة الوطنية ممثلة في وثيقة قرطاج في ترجمته على أرض الواقع باتجاه اقرار خيارات وقرارات مشتركة، وإن كانت مؤلمة، وتقاسم تبعاتها وتداعياتها بكل مسؤولية. ولعل الإخفاق في إيجاد وحدة وطنية حقيقية تداعت أو كادت أمام الأزمة المتصاعدة بعد المرور إلى تطبيق أحكام قانون المالية في جانبها المتعلق بالزيادة في الأسعار هو الدافع الرئيسي وراء طرح فلسفة وثيقة قرطاج من جديد وبصيغة أخرى جاءت هذه المرة تحت شعار حوار للإنقاذ الاقتصادي والاجتماعي يجمع الموقعين على وثيقة قرطاج لبلورة خارطة طريق ملزمة لجميع الأطراف. لكن التساؤل المحوري اليوم أمام طرح الحوار الاقتصادي والاجتماعي هل ستكون الأحزاب قادرة على تجاوز حساباتها الحزبية والانتخابية في سنة مفصلية على مستوى الاستحقاقات السياسية المطروحة وتنزل بثقلها ومقترحاتها وتضع يدها «في العجينة» من أجل الالتفاف وراء الحكومة لإنقاذ الاقتصاد. حقيقة تبدو نسب التفاؤل ضئيلة لدى الكثيرين بالنظر إلى التعاطي السابق لهذه الأحزاب، المدعوة اليوم إلى الحوار الاقتصادي، مع وثيقة قرطاج ومع حكومة الوحدة الوطنية، ويتساءل المشككون ما الذي سيتغير هذه المرة ليكون الموقعون على وثيقة قرطاج مستعدين للالتزام بإنجاح الحوار الاقتصادي والاجتماعي والحال أنها لم تكن كذلك في دعم حكومة الوحدة الوطنية وخياراتها وآخرها قانون المالية. فالهجوم الشرس على خيارات قانون المالية بدا فيها الكثير من «السكيزوفرينيا» إن صح التعبير لأن الجميع كان على اطلاع على إكراهات الوضع وأيضا على خيارات الحكومة المنبثقة عن اتفاق قرطاج وعلى فصول قانون المالية والكثير من منتقديه اليوم كانوا قد صوتوا عليه في مجلس النواب. وربما قد يكون التفكير في المحطات الانتخابية القادمة والبحث عن تسجيل نقاط على حساب الخصوم السياسيين عائقا أمام التزام الأطراف الحزبية بتعهداتها في مخرجات الحوار الاقتصادي والاجتماعي المدعوة إليه. مؤشرات وهواجس تزيد من المخاوف بشأن جدية الحوار المرتقب حول الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المأزومة لا سيما وأن محاولة سابقة في عهد الحبيب الصيد لجمع الفرقاء حول الملفين الاقتصادي والاجتماعي كانت قد باءت بالفشل. واليوم لن يكون مقبولا أن تكون الدعوة للحوار فقط من أجل الحوار أو سعيا لربح الوقت، فمؤشرات الاقتصاد السلبية العديدة ومنها التضخم الذي بلغ أعلى مستوياته متجاوزا عتبة 6 بالمائة وأيضا تواصل التراجع المخيف للدينار التونسي وغلاء المعيشة تنذر بالأسوإ وتهدد المسار الانتقالي برمته وتنتظر قدرا عاليا من المسؤولية والوطنية من جميع الأطراف.