كشف التقرير السنوي لهيئة مراقبة المصاريف العمومية لسنة 2016 المؤرخ في أكتوبر 2017، والذي تحصلت «الصباح» على نسخة منه، صعوبة مراقبة أجور المكلفين بمأمورية باعتبار غياب نظام تأجير وترتيبي واضح يضبط الحد الأقصى لخلاصهم وللعدد المسموح به للتعاقد معهم. كما حذّر التقرير من خطورة ضعف الرقابة على الأجور وغياب آليات المتابعة على مستوى منظومة «إنصاف» وصحة الوثائق المثبتة للأجر (على غرار نقلة الأعوان، ملحق الأجور، التسميات في الخطط الوظيفية، الترقيات، منح الامتيازات العينية، عطل المرض، عدم الجمع بين الامتيازات العينية والمالية، الخصم من الأجر..) ولم يشر التقرير إلى العدد الحقيقي للمكلفين بمهمة او بمأمورية، لكنه وضع إصبعه على الداء على اعتبار أن هذا النوع من التقاعد لجأت إليه عديد الحكومات المتعاقبة بعد 2011 وشابها عديد الغموض والتجاوزات بسبب غياب نص قانوني او ترتيبي واضح يجيز اللجوء إليها او ضوابط وشروط واضحة للمنتفعين بها او كيفية تأجيرهم وتمتيعهم بامتيازات الوظيفة العمومية مثل التأجير والسكن الوظيفي، والسيارة الإدارية ومنح وصولات البنزين.. حتى ان بعض التقارير الإعلامية تحدثت عن وجود أكثر من 50 مستشارا ومكلفا بمهمة لدى رئاسة الحكومة سنة 2013 وقرابة 200 مكلف بمهام موزعين على 24 وزارة... وطرح التقرير - الذي يتقاطع في بعض معطياته مع نتائج دراسة أنجزها مؤخرا المعهد التونسي للدراسات الإستراتيجية حول تفاقم أزمة الوظيفة العمومية بسبب الانتدابات العشوائية- عديد الاخلالات والنقائص الخطيرة فيما يتعلق بالتصرف في تأجير كتلة الأجور بالقطاع العام والوظيفة العمومية.. وتناول تقرير هيئة مراقبة المصاريف العمومية بالتحليل والدراسة المبالغ المخصصة في التأجير العمومي المرصودة بمختلف الميزانيات العمومية وتوزيعها حسب الهياكل المتصرفة، وتطور كتلة الأجور بين 2011 و2016، وبيان حجم المخاطر التي تطرحها الأجور بوصفها أهم قسم من الميزانية وصعوبة التحكم فيها من المراقبين خصوصا مع تمكينهم من الولوج إلى منظومة «إنصاف».. ضعف الرقابة على تشغيل المتقاعدين ومن بين الاشكاليات البارزة التي وردت بالتقرير في المحور المتعلق بالرقابة على الأجور، صعوبة مراقبة أجور المكلفين بمأمورية، وضعف الرقابة على تشغيل المتقاعدين من خلال آليات عقود إسداء الخدمات وعقود التنشيط والتدريس بمدارس التكوين ومؤسسات التعليم العالي والبحث العلمي وكيفية مراقبة ذلك والحد من ازدواجية التمتع بالأجر.. ولاحظ التقرير غياب الرقابة على الانتدابات والتغييرات التي تطرأ على الأجور دون الرجوع إلى مراقب المصاريف الذي منح تأشيرة ثلاثية على أساس قائمة تم تقديمها سابقا، وتعدد الأسلاك الإدارية وأنظمة التأجير يمثل صعوبة في القيام بالرقابة على الأجور، فضلا عن غياب دليل عملي للرقابة على المرتبات والأجور الشهرية التي تصرف وفق التراتيب والشروط القانونية المنصوص عليها بالفصلين 96 و126 من مجلة المحاسبة العمومية. اشكاليات منظومات الرقابة وطرح التقرير في نفس السياق، اشكاليات أخرى مثل تلك المتعلقة بالمنظومات المستعملة للرقابة على الأجور، ومحدودية تدخل مراقب المصاريف عند مراقبة صرف الأجور في غياب الربط بين منظومة «إنصاف» ومنظومة «أدب» وبين منظومات الصناديق الاجتماعية، إدراج قرارات تهم الموارد البشرية على منظومة «انصاف» تكون لها انعكاسات مالية دون إمكانية تدخل مراقب المصاريف للمصادقة عليها أو إعلامه بها عند الاقتضاء مع ما تمثله من مخاطر على صحة مبالغ التأشيرات المسندة للمتصرف العمومي. كما كشف ذات التقرير إشكالية تتعلق بالرقابة على التأجير الخاص بالأعوان الملحقين لدى الهياكل العمومية والمنتمين للمنشآت العمومية والقطاع الخاص من تباين نظام التأجير والإشكاليات المطروحة على منظومتي «إنصاف» و»أدب» وطريقة صرف هذه الاعتمادات اذ عادة ما يتم اللجوء الى إبرام اتفاقيات مع المنشآت العمومية الراجعين اليها بالنظر ويتم صرفها لفائدة المنشآت والتي بدورها قامت بصرف الأجور لفائدة هؤلاء الأعوان مع ما تطرحه هذه الطريقة من صعوبات بخصوص متابعة وضعياتهم المالية والإدارية وصحة تمتعهم ببعض الامتيازات الأصلية التابعة لمؤسساتهم. الجمع بين عدة امتيازات وحذرت هيئة مراقبة المصاريف العمومية في جانب متصل، من إمكانية الجمع بين عدة امتيازات لفائدة موظفي الوظيفة العمومية على مستوى منظومة «انصاف» دون التفطن لذلك مثل الجمع بين المنحة الكيلومترية والسيارة الوظيفية ومنحة سكن ومسكن وظيفي.. وأوصى تقرير الهيئة بضرورة منح مراقب المصاريف العمومية مفتاح الولوج الى منظومة «إنصاف» لمراقبة كل القرارات والأعمال المدخلة على المنظومة، والتعرف على أهم التغييرات الحاصلة على الأجور وايقافها عند الاقتضاء، وضرورة خضوع القرارات الإدارية المتعلقة بإدراج الانتدابات والحالات الخاصة والنقل والإلحاق والتسميات في الخطط الوظيفية لمصادقة مراقب المصاريف العمومية على منظومة «انصاف»، وإدراج أيقونة على منظومة «انصاف» تنبه عند الجمع بين منحتين ذات طبيعة واحدة .. ارتفاع ب71 بالمائة في كتلة الأجور بين 5 سنوات يذكر انه، ووفقا لما جاء في التقرير، عرفت كتلة الأجور في الوظيفة العمومية ارتفاعا متواصلا بين 2011 و2016 حيث كانت سنة 2011 تقدر ب 7.7 مليار دينار لتبلغ سنة 2016 مبلغا اجماليا قدره 13.171 مليار دينار بزيادة إجمالية تقدر ب71 بالمائة وزيادة سنوية بين 9 و13 بالمائة. وخلص التقرير إلى أن من بين أسباب ارتفاع كتلة الأجور ارتفاع حجم الانتدابات التي تم القيام بها خلال هذه الفترة وحجم الزيادات في الأجور التي تم إقرارها لفائدة أعوان الوظيفة العمومية والترقيات الاستثنائية التي انتفعت بها عديد الأسلاك الخاصة إضافة إلى تسوية وضعيات عملة الحضائر والأعوان المنتفعين بالآليات على غرار الآلية 16 والآلية 20 وأعوان المناولة في اطار الاتفاقيات المبرمة مع الأطراف الاجتماعية وانتداب المتمتعين بالعفو العام والكلفة المتعلقة بإعادة تكوين المسار المهني الذي جاء به المرسوم 2011 المتعلق بالعفو التشريعي العام. تفاقم أزمة الوظيفة العمومية سببه الانتدابات العشوائية تجدر الإشارة إلى أن بعض المعطيات المتعلقة بالتأجير الواردة بتقرير هيئة مراقبة المصاريف العمومية تؤكد ما ورد في نتائج دراسة قام بها المعهد التونسي للدراسات الإستراتيجية حول أزمة الوظيفة العمومية، والتي كشفت أن تفاقم هذه الأزمة بعد 2012 يعود إلى الانتدابات العشوائية لفائدة المنتفعين بالعفو التشريعي العام والذين بلغ عددهم 6839 إضافة إلى فتح المجال لانتدابات استثنائية لأهالي شهداء الثورة وجرحاها (2929)، وكذلك تسوية وضعية عملة المناولة والحضائر والآلية 16، ويقدر عددهم بحوالي 54 ألفا. وكشفت الدراسة أن الترقيات الآلية منذ سنة 2012 شملت أكثر من 435 ألف موظف وعامل، وتم رصد تضارب واضح في احتساب عدد الموظفين وتوزيعهم وكلفة الإجراءات المقررة في مجال تسوية الوضعيات العالقة وأثرها على كتلة الأجور كلما تغيرت المعطيات بين الهياكل المعنية ومن بينها المركز الوطني للإحصاء وقوانين المالية وقوانين ختم الميزانية وأعمال لجان الإصلاح الإدارية والبنك المركزي. وحسب الدراسة، تضاعف عدد العاملين بالوظيفة العمومية 16 مرة منذ الاستقلال إلى سنة 2017 ليرتفع من حوالي 36 ألفا سنة 1956 إلى أكثر من 690 ألف موظف..