-235عقدا بين سنتي 2012 و2016 كلفت الدولة 3.5 مليون دينار -رئاسة الحكومة تستأثر بالقسط الأوفر من عدد وكلفة العقود المبرمة خلال الخمس سنوات الأخيرة وعددها 57 عقدا بكلفة 622 ألف دينار -50% من العقود تحتوي على عبارة "القيام بمهام بديوان الوزير" -رواتب شهرية بين ألف و4 آلاف و500 دينار دون توضيح المقاييس المعتمدة لتحديدها. في الوقت الذي يصرّح فيه الوزراء في عدة مناسبات وبكل جلسات الاستماع إما باللجان القارة أو الخاصة أو بالجلسات العامة بمجلس نواب الشعب وأيضا بالمجلس الوطني التأسيسي سابقا وعبر مختلف وسائل الاعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة عن عجز الحكومة عن القيام بالانتدابات في القطاع العمومي لعجزها عن توفير الميزانيات الخاصة بها، فإنه لوحظ أنّ اللجوء إلى صيغة عقود إسداء الخدمات بغاية تدعيم دواوين الوزراء بمتدخلين خارجيين قد تزايد بصفة ملفتة خلال الفترة الممتدة من 2012 إلى 2016. وقد أفضت هذه الوضعية إلى ارتفاع الانعكاس المالي لهذا الإجراء على الميزانية العامة للدولة وفق التقرير السنوي لمراقبة المصاريف العمومية لسنة 2016 الصادر مؤخرا عن الهيئة العامة لمراقبة المصاريف العمومية. وفقا للتقرير السنوي لمراقبة المصاريف العمومية لسنة 2016، بلغ العدد الجملي لعقود إسداء الخدمات المبرمة بالنسبة إلى جلّ الوزارات 235 عقدا خلال الفترة الممتدة من 2012 إلى 2016 بكلفة جملية ناهزت 3.5 مليون دينار . وقد بلغت قيمة العقود 687 ألف دينار خلال سنة 2012 في حين لم تتجاوز 386 ألف دينار بعنوان سنة 2013 مسجلة بذلك تراجعا بنسبة 44%. في المقابل شهدت هذه العقود، ارتفاعا تدريجيا بداية من سنة 2015 حيث بلغت 870 ألفا لتستقر خلال سنة 2016 في حدود 988.5 ألف دينار، مسجلة بذلك نسبة ارتفاع جملي ب 44 % مقارنة بسنة 2012 وقد استأثرت رئاسة الحكومة بالقسط الأوفر من عدد وكلفة العقود المبرمة خلال الخمس سنوات الأخيرة حيث بلغت 57 عقدا بكلفة 622 ألف دينار، تليها رئاسة الجمهورية ب41 عقدا بكلفة 482 ألف دينار، ثمّ وزارة المالية ب 21 عقدا بكلفة 340 ألف دينار. لم تبرم العقود وفق الشفافية والنزاهة المطلوبة في إطار سياسة التقشف من جهة ومكافحة الفساد من جهة أخرى، بل ما حصل كان عكس ذلك تماما حيث سجّل التقرير عدة إخلالات. فقد اتسمت عقود إسداء الخدمات لفائدة دواوين الوزراء بعدم الدقة من حيث تحديد المهام والخدمات الموكولة للمتعاقد معه وهو ما يتعارض مع مبادئ وأسس التعاقد. في هذا الشأن، تمّ التنصيص على عبارات عامة على غرار "القيام بمهام بديوان الوزير" كموضوع للعقد في حوالي 50% من جملة العقود المبرمة خلال الفترة المترواحة بين سنتي 2012 و2016. كما تمّ بالنسبة إلى جانب آخر من العقود التنصيص على مواضيع غير واضحة على غرار وضع خطّة استراتيجية للوزارة، متابعة مشاريع الوزارة، تحسين صورة الوزارة... من بين التجاوزات أيضا الشروع في تنفيذ العقود قبل الحصول على تأشيرة مراقبة المصاريف العمومية على تخصيص الاعتمادات اللازمة لذلك، وتمّ تسجيل هذا التجاوز من طرف عدّة مصالح تابعة لرئاسة الحكومة دون التقيّد بالإجراءات المتعلقة بالطلب العمومي بما أن عقد إسداء الخدمات يعتبر صنفا من أصناف الطلب العمومي على معنى الفصل 3 من الأمر 1039 المؤرخ في 13 مارس 2014 المنظم للصفقات العمومية، كما يخضع الفصل 88 من مجلة المحاسبة العمومية وكذلك الأمر عدد 2878 لسنة 2012 المؤرخ في 19 أفريل 2012 والمتعلق بمراقبة المصاريف العمومية، النفقات المنجرّة عن عقود إسداء الخدمات إلى التأشيرة المسبقة لمراقب المصاريف العمومية. لم تطبّق هذه الفصول والتشريعات في جانب آخر تمثّل في تنزيل النفقات المنجرّة عن عقود إسداء الخدمات على قسم التأجير والحال أن هذا الصنف من العقود لا يعدّ عقود انتداب بالقطاع العمومي. ولا تقف التجاوزات عند هذا الحدّ بل امتدت إلى إبرام هذه العقود دون رصد الاعتمادات الضرورية ضمن ميزانية الهيكل في مخالفة واضحة للفصل 85 من مجلة المحاسبة العمومية الذي ينصّ على أنّه "لا يجوز تجاوز الاعتمادات المرصودة بالميزانية ولا عقد نفقات جديدة دون أن يُخصّص لها ما يقابلها من اعتمادات حسب الشروط المقرّة بالقانون الأساسي للميزانية". ولمجابهة نفقات عقود إسداء الخدمات تلجأ بعض الوزارات إلى اقتطاع مبالغها من كتلة الأجور معمتدة في ذلك على الاعتمادات المرسمة للانتدابات الجديدة بعد تأجيل المناظرات المبرمجة أو باللجوء للتحويلات بين الفقرات والفقرات الفرعية داخل قسم التأجير. أدت جملة هذه التجاوزات إلى إشكاليات هيكلية من ذلك اختلاف بخصوص تطبيق النظام الجبائي على عقود إسداء الخدمات، فتمّت في هذا الشأن ملاحظة إدراج بعض الوزارات لهذه العقود في منظومة "إنصاف" تحت تسمية "حالة خاصة" وإخضاعها لقاعدة الخصم من المورد المنطبق على الأعوان العموميين، بينما تتولى أغلبية الوزارات إمّا إدراجها بالمنظومة تحت تسمية "رتبة غير محدّدة" أو الابقاء عليها خارجها وإخضاعها في كلتا الحالتين إلى الخصم من المورد بنسبة 15% على أساس مبلغها الجملي وذلك وفقا لأحكام الفصل 61 من القانون عدد 98 لسنة 2000 المؤرخ في 25/12/2000 والمتعلق بقانون المالية لسنة 2001، المتعلق بالخصم من التأجير الراجع للأجراء وغير الأجراء مقابل عمل وقتي أو ظرفي خارج نشاطهم الأصلي. في ذات السياق أثار التقرير السنوي لمراقبة المصاريف العمومية لسنة 2016 تجاوزات كارثية أخرى على مستوى مدّة العقد وأيضا على مستوى الراتب الشهري المسند لصاحب العقد. بخصوص مدّة تنفيذ العقد، فإنه وفقا لأنموذج العقد المعتمد من قبل الوزارات والصادر عن مصالح الهيئة العمومية للوظيفة العمومية برئاسة الحكومة، فإنّ مدّة الإنجاز تكون لسنة غير قابلة للتجديد الضمني. إلا أنّه لوحظ عدم الالتزام بهذه المدة والتمديد الضمني للعقود ثلاث وأربع مرات في بعض الحالات قبل الحصول على موافقة مصالح الهيئة العامة للوظيفة العمومية. ويستنتج من ذلك تحوّل عقود إسداء الخدمات إلى آلية للقيام بانتدابات مقنعة في الوظيفة العمومية دون إخضاعها للإطارين القانوني والترتيبي الجاري بهما العمل. أما في ما يهمّ أتعاب الخدمات المنجرة عن العقد، فإنه لم يتمّ احترام الاجراءات المعمول بها وفق الأمر المنظم للصفقات العمومية حيث تضمنت عقود إسداء الخدمات على أتعاب شهرية جزافية تراوحت بين ألف دينار و4 آلاف و500 دينار دون تقديم أية توضيحات حول المقاييس المعتمدة لتحديدها. مما يثير مسألة مدى ملاءمة هذه الأتعاب مع الخدمات المطلوبة في العقد وصعوبة التثبت من الإنجاز الفعلي للخدمات المطلوبة خاصة مع غياب آليات لتقييم الأداء أو قبول الخدمات موضوع التعاقد. إعداد: إيمان عبد اللطيف الصباح الاسبوعي بتاريخ 22 جانفي 2018