الآلاف من المخالفات المرورية يتم تمريرها شهريا الى المحاكم للبتّ فيها، مخالفات يتم القضاء فيها بخطايا مالية يمكن أن تمثل موردا هاما لخزينة الدولة ولكن ورغم ذلك فان البعض منها يبقى "مجمّدا" بين المحاكم نظرا للكمّ الهائل من القضايا التي تتعهّد بها المحاكم مما يجعلها تسقط بمرور الزمن ما يمثّل خسارة للدولة التي كان يمكن أن تقوم باستخلاصها بطرق مختلفة. وفي هذا السياق ذكر القاضي فريد بن جحا ل "الصباح" أن المخالفات المرورية تعتبر موردا رئيسيا للضريبة ولتطعيم خزينة الدولة بعيدا عن الضرائب المفروضة على المواطنين والذي تستفيد منه العديد من الدول الأوروبية التي تمثل المخالفات المرورية مصدرا رئيسيا لخزينتها والذي تستغله مباشرة من الحسابات البنكية المباشرة لهؤلاء المواطنين حيث انه بمجرد ارتكاب المواطن الأوروبي لمخالفة مرورية فانه يقع استخلاصها بصفة مباشرة باعتبار ان كل مواطن لا يمكن له ان يشغل عملا او ان يتحصل على رخصة سياقة الا باشتراط وجود حساب بنكي جاري له ويترتب عن ذلك انه اذا ارتكب مخالفة مرورية فإنها تستخلص مباشرة او في وقت قياسي باعتبار انه في صورة عدم استخلاصها فإنها تتضاعف مما يجعل الموارد المالية في هذه الدول يومية ولكن للأسف في تونس فانه رغم كثرة هذه المخالفات والتي تعد بالآلاف خاصة خلال العطلة الصيفية ونظرا لحالة الفوضى التي شهدتها البلاد فإنها جعلت المواطن يستخف بقانون الطرقات وتسجل مراكز المرور من شرطة وحرس مئات المخالفات في اليوم ولكن رغم ذلك فان هذه المخالفات قد تسقط بمرور الزمن رغم أحقية البلاد بهذه الموارد المالية. مخالفات "مجمدة".. وأضاف بن جحا ان ما يحصل على المستوى التطبيقي فان هذه المخالفات بعد تدوينها تحال على النيابة العمومية وهو أمر غريب فعوض ان تحال على القباضات المالية او مثلما هو الحال في الدول الاوروبية على البنوك لاستخلاصها مباشرة من حساب البنكي للمخالفين فإنها تحال على النيابة العمومية ويثقل بها كاهل المحاكم وتبقى في أروقة المحاكم لمدة طويلة وعندما تتعهد بها النيابة العمومية نجد ان عديد المخالفين خاصة بالمناطق الساحلية أو في العاصمة هم يقطنون خارج مرجع نظر تلك المحكمة فتقع احالتهم على وكلاء الجمهورية التابعين لهم وذلك يستغرق مدة طويلة لاستدعاء هؤلاء المخالفين وقد تسقط المخالفات بمرور الزمن باعتبار انها تسقط بعد عام واحد من تاريخ ارتكابها دون ان تستفيد البلاد من هذه الموارد المالية وقد تبقى مدة طويلة لاستخلاص تلك الموارد وهو امر يمكن تفاديه بمجرد تطبيقة معلوماتية يقع من خلالها اما اشتراط ان يكون لكل سائق حساب بنكي تستخلص منه هذه المخالفة مباشرة او ان يقع حجز سيارته ريثما يقع الخلاص وهو ما يوفر أموالا طائلة تغنينا عن البحث عن الجباية أو عن صندوق النقد الدولي للحصول على تلك الموارد. وهذه الاشكالية تحصل كذلك بالنسبة للأحكام العادية التي تصدر عن المحاكم بالخطايا باعتبار ان المحاكم يوميا تقضي بخطايا مالية ضد مرتكبي الجنح والمخالفات وهذه الأحكام تحرر فيها مضامين احكام توجه للمحكوم عليهم بخلاصها ولكن عدم تحيين المنظومة المعلوماتية وتغيير المخالفين لمقراتهم باستمرار قد يجعل هذه المخالفات والجنح تسقط بمرور الزمن باعتبار ان القباضات لا يتسنى لها استخلاصها اما لعدم وضوح عنوان المحكوم عليه او لمغادرته للمقر وكلها اشكاليات تنفيذية تجاوزتها عديد الدول من خلال ادراج منظومة تخول للدولة استخلاص تلك الخطايا بمجرد صدور الحكم فيها او بتفادي اصدار أحكام غيابية لأن تلك الاحكام تبقى حبرا على ورق فمثلا بالنسبة للسعودية فقد طورت رقمنة المحاكم واصبحت الاحكام والاستدعاءات يعتمد فيها على الرقم الهاتفي للمخالفين المحكوم عليهم ويقع استدعاءهم عن طريق شركات اتصالات وهو ما يضمن اصدار أحكام حضوريّة تستخلص بصفة سريعة. آلاف المخالفات في ولاية وأكد بن جحا انه في ولاية المنستير مثلا في شهر جويلية تم تسجيل 582 مخالفة مرورية وفي أوت 223 مخالفة وفي سبتمبر548 مخالفة أي بمعدل 1353 مخالفة لو تم استخلاصها بصفة فورية او اجبار المخالفين على خلاصها من خلال حجز سياراتهم بالمستودع البلدي لضمن خلاص هذه المخالفات في هذه الولاية علما وان استخلاصها يحول دون تكرار المخالفات وارتفاع العدد المهول للحوادث باعتبار ان عدم خلاص الخطايا يؤدي الى الاستخفاف بعدم التتبع والافلات من العقاب والافراط في السياقة ففي اوروبا مثلا الزجر المالي يجعل المواطن يفكّر مليا قبل ارتكاب المخالفة المرورية باعتبار انه تم خلق منظومة معلوماتية يمكن بموجبها استخلاص المخالفات في اقرب الآجال او تحال مباشرة على القباضات المالية لاستخلاصها عوضا عن احالتها على المحاكم وبقاءها "مجمدة" هناك دون استخلاصها وهو ما يعوق توفير موارد مالية . التجربة الأوروبية.. فالمخالف في الدول الاوروبية وخاصة في الدول "الإسكندنافية" اذا ارتكب مخالفة مرورية خطيرة فانه يقع سحب مبلغ الخطية المترتبة عن تلك المخالفة مباشرة من حسابه البنكي، وفي الدول الاوروبية وبفضل تركيب منظومات معلوماتية متطورة فانه لا يمكن لشخص ان يتحصل عن عمل او اي رخصة او وثيقة اذا لم يكن له حسابا بنكيا وبالتالي فان الحل لتجاوز هذا الاشكال في بلادنا يتمثل على المدى الطويل في امكانية وضع شرط لكل مترشح للحصول على رخصة سياقة ان يكون له حساب بنكي يأمن فيه مبلغا ماليا قدره خمسمائة دينار وفي صورة ارتكابه لمخالفة فان تلك الخطية تستخلص مباشرة من حسابه البنكي اما الحلول الممكنة على المدى القصير بالنسبة للجرائم الخطيرة كالسياقة تحت تأثير حالة كحولية والا السياقة دون رخصة او عدم احترام علامة الوقوف فانه يجب حجز السيارة في المستودع البلدي والترفيع في قيمة الخطايا ولا يتم تمكين المخالف من السيارة الا بعد استخلاص الخطية، اما بالنسبة للجرائم الديوانية التي فيها رهان مالي كبير فهناك عديد المحاضر كذلك التي تقع احالتها على المحكمة وتستغرق سنوات قبل البت فيها فانه من الاجدر في قضايا مسك بضاعة محجرة او التوريد دون اعلام والتي تكون فيها طلبات الديوانة بالملايين ان يتم استخلاص الخطايا مباشرة من الحساب البنكي المباشر للمخالفين فيها باعتبارهم يكونون في أغلب الأحيان من المستثمرين وأصحاب المصانع الذين لهم حسابات بنكية يمكن استخلاص الخطايا عن طريقها وفي صورة المماطلة يقع حجز الوسيلة التي يقع استعمالها في تهريب هذه البضائع وبالتالي يتم ارسال المحاضر الديوانية مباشرة الى القباضة لاستخلاص الخطايا المالية التي تكون بالملايين ويمكن ان تستغرق اربع سنوات أو أكثر بين المحاكم ليتم الحكم فيها في حين انه يمكن ان يتم الخلاص حينيا. تقصير .. وفي ذات السياق ذكر الأستاذ عدنان البديوي ل "الصباح" ان استخلاص المخالفات المرورية مقيد بالسقوط بمرور الزمن فمعلوم الجولان مثلا يتم ربطه بخلاص خطايا "الرادار " الآلي لكن هناك خطأ لأن السائق ليس بالضرورة هو مالك العربة فهو من يتم تسليط الخطية عليه في حين ان السائق لا تتم تخطئته وذلك مخالف لمبدإ "شخصية" العقوبة والتتبع يمكن ان يسقط دون علم المخالف اصلا والذي يمكن ان يغير عنوانه او يبيع السيارة التي ارتكب بها المخالفة. واضاف ان المشكلة تكمن في الاستخلاص فالدولة تقوم بالاقتطاع من أجور الموظفين في حين انها تتغاضى عن المخالفين اما عن قصد اعتبارا لمعايير ذاتية مثل الموالاة من خلال مراعاة أطراف دون غيرها باعتبار مناصبها او عن غير قصد بسبب نقص في الوسائل المادية والاعوان فهناك نقص فادح في جميع الوسائل في المصالح المالية التي لا تبادر ولا تتنقل لاستخلاص هذه الخطايا اضافة الى عدم اعلام المخالف بها والتقصير و"المباغتة " فالمخالف لا يعلم بوجود خطية ضده الا اذا تنقل صدفة الى مركز الحرس او الشرطة لقضاء شأن ما اين يتم اعلامه بوجود خطية مالية قد تعود الى سنين مضت وبالتالي قد سقطت بمرور الزمن مما يؤكد وجود تهاون وتقصير في غياب التأكيد على الاعلام بالخطية وتمكين المخالف من فرصة للطعن في الآجال باعتبار انه من غير المعقول ان تتم مطالبته بتسديد خطية يعود تاريخها الى 5 سنوات مضت، وفي مقابل تغاضيها عن المخالفين تلتجئ الدولة الى الترفيع في الأسعار والزيادة في نسب الاداءات والضرائب مما يساهم في اضعاف البلاد و"ضرب" المنافسة بدل ان تبحث عن طرق الاستخلاص السريعة والناجعة والتلقائية وتسترجع الخطايا من المخالفين . واضاف البديوي انه كان يمكن لإدارة المحاسبة العمومية والاستخلاص التابعة لوزارة المالية ان تسعى للقيام بدورها على افضل وجه فهناك الالاف من الملفات المتعلقة بالخطايا في قسم التنفيذ بالمحاكم ولكنهم يفتقدون الى العنصر البشري لإخراجها والمطالبة بها لتنفيذها كما ان المبالغ عند استخلاصها يقبضها اعوان القباضة وليس كاتب المحكمة الذي اشتغل على استخلاصها فهناك نسبة مائوية يحصل عليها عون القباضة وليس كاتب المحكمة الذي اشتغل على هذه الملفات من بدايتها الى النهاية . فاطمة الجلاصي