على غرار نفس الفترة من السنة الماضية والتي سبقتها، كانت انطلاقة السنة الجديدة 2018 ساخنة حيث سجل شهر جانفي لوحده 1490 تحركا احتجاجيا وفقا للتقرير الشهري للمرصد الاجتماعي التونسي بالمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، وارتبطت التحركات في اغلبها بما جاء به قانون المالية من مستجدات وما تعلق أساسا بغلاء المعيشة وتأثيرات ذلك على قفة المواطن. احتجاجات ومطلبية حافظت على نفس التوزيع الجغرافي تقريبا وعلى نفس الخارطة التقليدية التي التزمت بها خلال السنوات الماضية، حيث استقرت حسب نفس التقرير ولايات قفصةوسيدي بوزيدوتونس العاصمة في صدارة ترتيب الجهات «المحتجة» خلال شهر جانفي بتسجيلها لاكثر من 150 تحركا يليها في ذلك ولايات القيروان والقصرين وقابس لتأتي بعدها مباشرة ولايات صفاقس والكاف وتوزر وباجة وجندوبة. وتعتبر التحركات التي عاشتها ومازالت تعيشها منطقة الحوض المنجمي والتي انجر عليها ايقاف كلي لإنتاج الفسفاط بالمنطقة الأبرز في ولاية قفصة في حين ميز تحرك مجموعة ال64 المطالبة بمباشرتهم للعمل بعد ان قاموا بتوقيع عقود عملهم مع وزارة التربية احتجاجات ولاية سيدي بوزيد. اما تونس العاصمة وامام ثقلها السياسي فقد كان تحرك «فاش نستناو» الداعي الى إسقاط او تحوير قانون المالية التحرك الأهم خلال شهر جانفي. وما ميز الشهر حسب مسعود الرمضاني رئيس المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، هو توجه الخطاب الرسمي الى تجريم الاحتجاجات وتشويه الفاعلين الاجتماعيين. معتبرا انه وعلى ما رافق التحركات من عملية نهب وسرقة وحرق يدينها المنتدى فمن غير المنصف ان يتم وضعها والاحتجاجات في سلة واحدة. وبين الرمضاني ان توجه الحكومة الى وصم التحركات الاحتجاجية والتعامل معها امنيا او قضائيا فقط هو دليل قوي على عدم قدرتها على فهمها والتفاعل معها وهو تعامل لن يزيدا سوى من مراكمة المطلبية وترفيع مستوى الاحتقان أكثر في الجهات.. خاصة اذا ما تم ربط كل ذلك بغياب خطاب سياسي رسمي مطمئن وانسداد الأفق أمام جزء كبير من الشباب العاطل عن العمل او الذي غادر مقاعد الدراسة دون وجود اي هياكل بديلة لاستيعابه وإعادة إدماجه في المجتمع. في الوقت الذي اعتبر فيه عبد الستار السحباني عن المرصد الاجتماعي ان خفوت نسق الاحتجاجات لا يعني نهايتها بل هي عادت لتكون في شكلها الكامن الذي يمكن ان يعاود البروز والانفجار في اي لحظة واشار السحباني في نفس الاطار الى ان العنف المسجل خلال شهر جانفي في جانب منه هو احتجاج ورد فعل لفئة تم لفظها من المجتمع ومن دورته الاقتصادية. وأشار إلى ان المعالجة الأمنية للظاهرة لن تكون مجدية ويتطلب الامر حسب رأيه استراتيجية وطنية يتداخل فيها الأمني بالإعلامي والسوسيولوجي.. ووفقا لتقرير المرصد الاجتماعي التونسي، سجل شهر جانفي 72 حالة بين انتحار ومحاولات انتحار وتهديد بالانتحار اغلبها كان في شكل جماعي وجاءت في اطار حركات تصعيدية لتحركات احتجاجية مجموعة ال64 نموذجا.