نواصل اليوم نشر الجزء الثالث والأخير من دراسة الدكتور أكرم بلحاج بعد أن نشرنا أمس وأول أمس الجزء الأول الخاص بالاقتصاد الاجتماعي والتضامني الذي بات خيارا استراتيجيا في تونس.. وعدد الكاتب مكونات هذا الاقتصاد وأنشطته ومعاييره والجزء الثاني المتعلق بمدى القدرة على مجابهة الأزمات وطريقة إدارة الشأن العام والتحفيز على الإبداع الاجتماعي والتحديات الكبرى للاقتصاد الاجتماعي والتضامني. تقترح الدراسة الإستراتيجية خطة لبناء القطاع وتطويره لقد أبرز التشخيص الوارد بالدراسة الإستراتيجية عدم وجود اقتصاد اجتماعي وتضامني في تونس بالمعنى الاصطلاحي السليم. وذلك لثلاث أسباب مجتمعة. أولا: إن الذوات الناشطة في المجال لا تلتزم بجميع معايير القطاع. ثانيا: لم يُدرج هذا الاقتصاد ضمن منظومة جامعة تعمل بصفة متضامنة وبأساليب متناسقة لتحقيق أهداف واضحة. ثالثا: خلافا للقطاع العام والقطاع الخاص، فإن هذا الاقتصاد يفتقر للركائز الأربعة الضرورية لنشأته وهي إطار تشريعي وإطار مؤسساتي ومنظومة إحصائيّة ومنظومة تمويل. أربع دعائم لبناء القطاع يتطلّب إرساء الاقتصاد الاجتماعي والتضامني تركيز الدعائم الأربعة التالية: احداث هيكل مكلّف بإرساء الاقتصاد الاجتماعي والتضامني وتطويره تتمثل المهمة الأساسيّة لهذا الهيكل في توحيد مختلف أجزاء القطاع المبعثرة وقيادته ضمن سياسة جامعة ومتكاملة بحيث يشكّل في الآن ذاته، العقل الاستراتيجي وأداة تنفيذ السياسات. ويشترط أن يكون الإطار المؤسساتي متحرّرا من المفهوم التقليدي للإدارة العموميّة ومُصمّما بصفة منسجمة مع مبادئ الاقتصاد الاجتماعي وقيمه (الاستقلالية، الديمقراطية، المرونة، النجاعة، سرعة الانجاز والإبداع) وأخيرا مرتبطا بالحكومة باعتبار أن الاقتصاد الاجتماعي والتضامني هو من صميم السياسات العمومية. وضع إطار قانوني إن وضع الإطار القانوني من يفضي إلى نشأة القطاع في المنظومة التشريعية وسيشكل النصّ المرجعي لجميع تفرعات هذا الاقتصاد. وتعمل الحكومة على إعداد نصّ قانوني موحد للقطاع بناء على مبادرة الاتحاد العام التونسي للشغل. ولا بدّ من التدقيق أن هذا النص يجب أن يُصمم بشكل يُترجم أهم مخرجات الدراسة الإستراتيجية إذا ما أردنا بناء قطاع متماسك ومستجيب لتطلعات الناشطين وحتى يكون حاملا لرؤية ولسياسة متكاملة وواضحة. وضع نظام معلوماتي ذي مصداقية تتمثل الدعامة الثالثة الاقتصاد الاجتماعي والتضامني في إرساء نظام معلوماتي موثوق حيث أن عدم توفّره يجعل السلط غير قادرة على إعداد السياسات ذات الصلة وتنفيذها ومتابعتها. وفي هذا السياق لا بد من التنويه إلى أن الضبابية التي تحفّ بالجانب الإحصائي لهذا القطاع مردّها غياب حساب قمري مدمج في المنظومة الوطنيّة للإحصاء والذي يمكن اعتباره الركيزة الأولى التي تمكّن من متابعة تطوّر القطاع والتعرّف على مكانته في الاقتصاد مقارنة بالقطاعين العام والخاصّ. ارساء منظومة تمويل خصوصيّة تتمثّل هذه الدعامة الرابعة في إفراد القطاع بمنظومة تمويل خصوصية. وعلى أن التمويل لا يمثل العائق الوحيد، إلا أنّ مؤسسات الاقتصاد الاجتماعي والتضامني تعاني من التمويل في مختلف مراحل مسارها لتغطية مصاريف بعثها ونشاطها وتطوّرها وتسديد مصاريف استثماراتها. ومردّ الصعوبات التي تلاقيها يكمن في أن القطاع مازال هشّا وغير ممأسس ومبادئه مازالت غير معروفة لدى المؤسسات المموّلة. ثلاث منصّات لتطوير القطاع بالتوازي مع الدعائم الأربعة الضرورية لبناء القطاع، اقترحت الدراسة ثلاث منصّات كفيلة بإطلاق عملية تطويره: برنامج وطني لتكوين رأس المال البشري ومخطط وطني للاتصال وحزمة من الإجراءات القطاعيّة تجعل مؤسسات الاقتصاد الاجتماعي والتضامني تعمل بصفة متناسقة ومتكاملة طبق قيم الاقتصاد الاجتماعي والتضامني ومبادئه. * أستاذ جامعي في القانون العام خبير في التخطيط الاستراتيجي للسياسات العمومية