تشرع"الصباح" انطلاقا من اليوم وعلى امتداد أربعة أعداد في نشر دراسة قانونية بعنوان"السراح المؤقت والسراح الشرطي في ظل القانون التونسي"للمحامي والباحث القانوني السيد بن حسين إن الأخلاق السامية والفضائل العالية التي جاء بها الإسلام هي من أسمى القيم التي عرفتها البشرية نبلاً وكرماً وسماحةً. وإن من بين الأخلاق الكريمة التي جاء بها الدين الإسلامي الحنيف هي الصفح والعفو وإخلاء السبيل والصفح هو ترك المؤاخذة وتصفية القلب ظاهراً وباطناً ولقد دعا الله جل وعلا إلى الصفح ووصفه بالجميل فقال سبحانه وتعالى:"فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ": سورة الحجر الآية 85. وَالصَّفْحُ الْجَمِيلُ هُوَ الَّذِي لا عِتَابَ مَعَهُ كما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله. وترك السبيل أبلغ من العفو ولذلك قال الله تعالى"فأعفوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ"سورة البقرة الآية 109. المتهم بريء حتى تثبت إدانته جملة لطالما تتردد و نسمعها كثيرا في كل الأوقات وفي كل الأماكن وبما أن الأصل في الإنسان البراءة فأي شخص يظن فيه ارتكابه جريمة ما يعد متهما ويدخل في حيز الاتهام فهو لم يصبح مجرما حينها بل هو فقط شخص أشتبه فيه ارتكابه جريمة ما و بالتالي فإنه لا يعد مجرما مرتكبا للجريمة طالما لم تثبت عليه تلك التهمة بأدلة ثابتة وقرائن دامغة وفق معطيات نص عليها الدستور التونسي. لقد كرست المواثيق الدولية قرينة البراءة في الفصل 11 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان المؤرخ في 10 ديسمبر 1948 الذي نص صراحة على أن كل شخص متهم بجريمة يعتبر بريئا إلى أن تثبت إدانته قانونا وفق محاكمة عادلة تؤمن له فيها الضمانات الضرورية للدفاع عنه. وبما أن المبدأ في الإنسان البراءة فمحاكمته وهو في حالة سراح أفضل بكثير من محاكمته وهو موقوف وراء القضبان كما أن كل متهم ثبتت إدانته و صدر ضده حكم يقضي بسجنه فلا مانع من إعطائه فرصة جديدة للتوبة و الرجوع إلى الجادة وذلك بإعفائه من البقاء بالسجن كامل المدة المحكوم بها. هنا يكمن الفرق بين السراح المؤقت و السراح الشرطي؟ على اعتبار أن مطلب السراح المؤقت يقع تقديمه قبل صدور حكم نهائي أي في كل طور من أطوار التقاضي في حين أن مطلب السراح الشرطي يشترط لتقديمه أن يكون الحكم نهائيا. فأما السراح المؤقت فيمكن تعريفه على انه إخلاء سبيل المتهم احتياطيا و لفترة زمنية مؤقتة و ذلك على ذمة حاكم التحقيق أو المحكمة المتعهدة بملف القضية نظرا لان الاتهامات المنسوبة إليه غير ثابتة أو بقيت مجردة في مواجهته أو نظرا لعدم توفر أدلة قاطعة ضده ا وان إبقاءه بحالة سراح لا يخشى منه باعتباره لا يمثل خطرا على المجتمع لكن يجب على كل متهم تمتع أو استفاد بالسراح المؤقت أن يبقى على ذمة المحكمة وأن يسجل حضوره متى طلب منه ذلك إلى حين استكمال الأبحاث أو صدور حكم وهو أيضا وسيلة ناجعة استعملها القانون التونسي لتجنيب المتهم الدخول للسجن احتراما لمبدأ الحرية ولإسعافه من عدم الاحتكاك بالمجرمين وراء القضبان. وأما السراح الشرطي فيمكن تعريفه بأنه وسيلة استخدمتها النظم العقابية المتطورة للحد من مساوئ الإبقاء في المؤسسات العقابية لفترات طويلة قد يكون لها آثارها السيئة التي تعوق إعادة تأهيل السجين وتقويمه وبمقتضى هذا النظام الشائع يقضي السجين في المؤسسة العقابية فترة معينة من العقوبة يتقرر بعدها إخلاء سبيله أو الإفراج عنه قبل انتهاء المدة المحكوم عليه بها.. )يتبع(