(محام لدى التعقيب ومدرس جامعي بالمعهد الاعلى للمحاماة وكلية العلوم القانونية والسياسية والاجتماعية بتونس) كلمة في البدء: حكم لا ينفذ في حكم المعدوم : يقال ان الخصومة تكتسب مرتين: مرة عند صدور الحكم واخرى عند «تنفيذه» وهذه المقولة تنطبق على كافة القضايا المرفوعة ضد «المخلوع» وزوجته وكافة الاشخاص الذين اجرموا في حق البلاد والعباد وعليه يجب الانتباه الى ان محاكمة هؤلاء دون تنفيذ الاحكام الصادرة ضدهم سواء من الناحية الجزائية او المدنية لا جدوى منه اذ ما قيمة حكم يصدر ويظل حبرا على ورق بملفات المحاكم او بيد مستصدره ؟ لذلك سنحاول هنا ان نتعرض الى المعايير التي يجب ان تخضع لها الاحكام التي ستصدر من المحاكم ضد «الرئيس المخلوع» وزوجته وبطانته من اصهاره وافراد عائلته والمقربين منه . وسنحاول في هذا المقال العلمي الالمام بأهم جوانب المحاكمة العادلة في المادة الجزائية وهذا المقال لا يمكن بحال ان ينال من تقديرنا للقضاء التونسي وما اضحى عليه من استقلال بعد الثورة وسنقف بالاخير عند المرحلة التالية لصدور الاحكام . ضمانات المحاكمة العادلة قرينة البراءة : قد يستغرب القارئ من ذلك لحجم ما ارتكبه المخلوع وزوجته وعائلته واصهاره والمقربين منه من جرائم ويتمتع بقرينة البراءة غير ان ذلك الاستغراب يجب ان يبدد بما ان تلك القرينة تظل قائمة في جانبهم الى حين صدور حكم قاض بالادانة اذا توفرت أدلة جازمة وقوية ناطقة بالادانة ومبدا البراءة له جذوره التاريخية سواء في الشريعة الاسلامية أو الدساتير العالمية والمواثيق الدولية كما سيأتي توضيحه : الاساس التاريخي لقرينة البراءة لهذه القرينة جذورها التاريخية فلقد اقرت الشريعة الاسلامية قرينة البراءة ،من ذلك انه جاء بالآية الكريمة التالية حول وجوب اثبات الزنا بأربعة شهود: {وَالذِينَ يَرْمُونَ المُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَأَجْلُدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَة وَلاَ تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةٌ أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمْ الفَاسِقُونْ}. كما جاء بالحديث النبوي الشريف: «ادرؤوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم فإن وجدتم للمسلم مخرجا فخلوا سبيله، فان الامام لئن يخطئ في العفو، خير من ان يخطئ في العقوبة». كما ورد على لسان الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم في السياق نفسه مؤكدا تشدد الشريعة الاسلامية في الاثبات بما ان الاصل براءة الانسان: «لو يعطى الناس بدعواهم لادعى رجال اموال قوم ودماؤهم ولكن البينة على من ادعى واليمين على من انكر». قرينة البراءة من خلال المواثيق الدولية ودساتير الدول لقد كرست المواثيق الدولية قرينة البراءة، فالمادة 11 1 من الاعلان العالمي لحقوق الانسان المؤرخ في 10 ديسمبر 1948 قد نصت صراحة على ان كل شخص متهم بجريمة يعتبر بريئا الى ان تثبت ادانته قانونا وفق محاكمة عادلة تؤمن له فيها الضمانات الضرورية للدفاع عنه . ولقد نصت على ذلك ايضا المادة 14-2 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذي دخل حيز التنفيذ في 23 مارس 1976 فلقد جاء بها: «لكل فرد متهم بتهم جنائية الحق في ان يعتبر بريئا ما لم تثبت ادانته طبقا للقانون». وعلى الصعيد الاوروبي نصت المادة 6 2 من الاتفاقية الاوروبية لحقوق الانسان على أن كل متهم ارتكب جريمة يعد بريئا حتى تثبت ادانته وفقا للقانون ولكل شخص الحق في التمتع بالحرية والامن وانه لا يجوز ان يحرم فرد من حريته الا في الحالات الاستثنائية، ويشترط ان يكون ذلك طبقا للقانون. ولقد اكد المؤتمر الثاني عشر لقانون العقوبات الذي عقد في هامبورغ سنة 1979 ان قرينة البراءة هي مبدا اساسي في العدالة الجنائية . وتتضمن براءة المشتبه به: 1 انه لا يجوز إدانة احد ما لم تقع محاكمته طبقا للقانون في محاكمة منصفة. 2 لا يجوز توقيع عقوبة جنائية او أي جزاء مماثل على شخص ما لم تثبت ادانته طبقا للقانون . 3 لا يلزم احد باثبات براءته . 4 في حالة الشك يكون القرار لمصلحة الدفاع. وعلى المستوى الافريقي نص الاعلان الافريقي لحقوق الانسان والشعوب المؤرخ في 26 مارس 1981 بمادته 7-1 على ان كل شخص له الحق في قرينة البراءة الى ان تثبت ادانته من جهة قضائية مختصة . وعلى المستوى العربي اكد مشروع حقوق الانسان والشعب في الوطن العربي الذي وضعه الخبراء العرب في شهر ديسمبر 1985 قرينة البراءة فلقد نصت المادة 5-2 من ذلك المشروع على ان المتهم بريء حتى تثبت ادانته بحكم قضائي صادر من محكمة مختصة. وقرينة البراءة قرينة دستورية كرستها اغلبية الدساتير. ويرى شراح القانون ان الشرعية الدستورية في القانون الجزائي التي مفادها انه لا جريمة ولا عقوبة الا بنص قانوني تفترض حتما قاعدة اخرى هي افتراض البراءة في جانب المتهم حتى يثبت جرمه وفقا للقانون. ولقد نص الدستور التونسي وان تم تعليق العمل به في فصله 12 الوارد بالباب الأول المخصص للحريات والحقوق الاساسية على: «ان كل متهم بريء الى ان تثبت ادانته في محاكمة تكفل له فيها الضمانات الضرورية للدفاع عن نفسه». يتضح من ذلك انه : يجب ان يحاكم الرئيس المخلوع وزوجته وغيرهما في المحاكمات المنتظرة محاكمة عادلة يكفل له فيها جميع الضمانات من ذلك افتراض براءته كما سلف الى ان تبت المحكمة في القضية وتصرح بالبراءة او بادانته بالجرائم موضوع الاحالة ويجب ان تكون تلك المحاكمة : علنية وشفافة وان تتوفر فيها كافة الضمانات الاجرائية للمحاكمة العادلة التي سنتولى حوصلتها في ما يلي: