الحماية المدنية: إطفاء 140 حريقا خلال ال 24 ساعة الماضية    مقترح قانون للترفيع في العقوبات الخاصة بجرائم السرقة وتشديد درجات الردع    إيران تعيد فتح مجالها الجوي بشكل كامل    الليغ 1: نيس يضم نجم نادي رامس بعقد طويل المدى    البطولة العربية لكرة السلة سيدات: المنتخب الوطني يفوز على نظيره الجزائري    حالتا وفاة بالصدمة الحرارية .. الحماية المدنية تحذر من السباحة مباشرة بعد التعرض لدرجات حرارة عالية    الدورة التاسعة للتوجيه الجامعي 'وجهني' يوم 14 جويلية الجاري بالمركب الجامعي المرازقة بولاية نابل    ضاعلك الباسبور؟ هكّا تتصرف بش ما تتورّطش    عاجل/ اختراق استخباراتي إسرائيلي داخل ايران يكشف مفاجآت..!    الحرس الوطني يُطيح بمنفّذي عملية ''نَطرَ''وسط العاصمة في وقت قياسي    هل السباحة ممكنة اليوم ونهاية الأسبوع ؟..وما حقيقة الزلازل في البحر المتوسط!..    عاجل/ جريمة اقتلاع عيني امرأة من طرف زوجها: معطيات وتفاصيل جديدة وشهادة صادمة..!!    قمة نار في مونديال الأندية: كلاسيكو، ديربي، ومفاجآت تستنى!    نحو اقرار تخفيضات في المطاعم السياحية للتوانسة وولاد البلاد...تعرف على التفاصيل    بيان مفاجئ من وزارة الأوقاف المصرية بعد وفاة ديوغو جوتا    نابل: الحشرة القرمزية تغزو الشوارع والمنازل وتهدد غراسات التين الشوكي    الشواطئ الرملية في تونس: لماذا التيارات الساحبة أكثر نشاطًا هناك؟    بُشرى سارة للتوانسة: السخانة بش تبرد شوية والأجواء تولّي أرحم..بداية من هذا اليوم    فضله عظيم وأجره كبير... اكتشف سر صيام تاسوعاء 2025!"    رد بالك تغلط وتخلي الشبابك ''محلول'' في هذا الوقت ... الصيف هذا ما يرحمش!    هل'' الميكرووند'' قنبلة صامتة في مطبخك؟ إليك الحقيقة التي لا يخبرك بها أحد!    تحب الماكلة الكلها هريسة؟ صحّح المعلومة قبل ما تمرض    .. الجزائري بلايلي يستفز الفرنسيين بعد حادثة الطائرة    طقس اليوم: الحرارة في تراجع طفيف    حمدي حشاد: البحر تبدّل.. أما ما تخافوش، عوموا أما التزموا بالنصائح هاذم    جريمة مروعة: شاب ينهي حياة زوجته الحامل طعنا بالسكين..!!    عاجل/ هجوم داخل قطار في ألمانيا..وهذه جنسية منفذ العملية..    أفضل أدعية وأذكار يوم عاشوراء 1447-2025    عاجل/ هذا ما تقرر بخصوص اضراب الأطباء الشبان..وهذه التفاصيل..    شنوة صار في مفاوضات الزيادة في القطاع الخاص.. الاتحاد يوضح    بداية من 6 جويلية 2025: شركة نقل تونس تخصص 10 حافلات خاصة بالشواطئ    تشريعات جديدة لتنظيم التجارة الإلكترونية في تونس: دعوات لتقليص الجانب الردعي وتكريس آليات التحفيز    لقاء تشاوري بين مجموعة التعاون البرلماني مع الدول غير الأعضاء في الاتحاد الأوروبي وإطارات من وزارة الخارجية    ترامب يتوقع رد "حماس" خلال 24 ساعة على مقترح وقف إطلاق النار    المنستير: الاتحاد الجهوي للفلاحة يطالب بمد فلاحي المناطق السقوية العمومية بالجهة بكمية 500 ألف م3 من المياه للانطلاق في الموسم الفلاحي 2025-2026    اتصلوا بكل احترام ليطلبوا الإذن.. ترامب: سمحت للإيرانيين بإطلاق 14 صاروخا علينا    هولندا تُشدد قوانين اللجوء: البرلمان يقر تشريعات مثيرة للجدل بدفع من حزب فيلدرز    رسميا.. ليفربول يتخذ أول إجراء بعد مقتل نجمه ديوغو جوتا    المانيا.. سباحون يواجهون "وحش البحيرة" بعد تجدد الهجمات    رجيم معتوق: تحذيرات من حشرة منتشرة على الشريط الحدودي بين الجزائر وتونس    النجمة أصالة تطرح ألبوما جديدا... وهذا ما قالته    عاجل: وزارة الصحة تدعو المقيمين في الطب لاختيار مراكز التربص حسب هذه الرزنامة... التفاصيل    فضيحة السوق السوداء في مهرجان الحمامات: تذاكر تتجاوز مليون ونصف والدولة مطالبة بالتحرك    تاريخ الخيانات السياسية (4)...غدر بني قريظة بالنّبي الكريم    صيف المبدعين...الكاتبة فوزية البوبكري.. في التّاسعة كتبت رسائل أمي الغاضبة    نصيحة طبية غيرت طريق اللاعب ديوغو جوتا.. ثم كانت نهايته    المنستير: برمجة 11 مهرجانًا و3 تظاهرات فنية خلال صيف 2025    عمرو دياب يفتتح ألبومه بصوت ابنته جانا    بداية من الأحد 6 جويلية: توفير 10 حافلات خاصة بالشواطئ    لطيفة العرفاوي تعلن:"قلبي ارتاح"... ألبوم جديد من القلب إلى القلب    منوبة: تقدّم موسم الحصاد بنسبة 81% وتجميع قرابة 320 قنطارا    تنظيم سهرة فلكية بعنوان 'نظرة على الكون' بقصر اولاد بوبكر بمنطقة البئر الاحمر بولاية تطاوين    مرتضى فتيتي يطرح "ماعلاباليش" ويتصدّر "يوتيوب" في اقلّ من 24 ساعة    القطيعة بالتراضي بين الاتحاد المنستيري والمدرب فوزي البنزرتي    "فضيحة": لحوم ملوثة تتسبب في وفاة طفل وإصابة 29 شخصا..#خبر_عاجل    بشرى سارة لمرضى السرطان..    3 حاجات لازم تخليهم سرّ عندك...مش كلّ شيء يتقال    ماهر الهمامي يدعو إلى إنقاذ الفنان التونسي من التهميش والتفقير    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التونسيون وعقوبة الإعدام: «النّفس بالنّفس.. والبادئ أظلم»
نشر في التونسية يوم 13 - 04 - 2014

التونسية (تونس)
في وقت تلف فيه حبال المشانق حول رقاب الجناة ويطلق فيه الرصاص على المجرمين تنفيذا لحكم المحكمة القاضي بالإعدام، تبقى عقوبة الإعدام قضية خلافية ومثار جدل في جلّ بلدان العالم. وتتصادم المواقف وتتصارع التصورات بين مؤيدي إلغاء هذا الحكم بدعوى أن العقوبة في منتهى القسوة والإهانة واللاإنسانية ويمكن أن تغتصب ظلما حياة أبرياء... و بين مساندي الإبقاء على هذا الحكم بذريعة أن حياة المجرم ليست بأقدس من حياة الضحية وأنه أمام الجرائم البشعة والفظيعة والوحشية... يصبح حتى حكم الإعدام قليلا وقاصرا !
ويلقي هذا الموضوع بظلاله على البلاد التونسية وفي كل مرة يثار إلاّ وتظهر خلافات وصدامات... وقد طفا هذا الخلاف مجددا إلى السطح بعد إصدار المحاكم المصرية حكما جماعيا بالإعدام على أكثر من 500 «إخواني»...
«التونسية» بحثت في مختلف أبعاد هذه القضية ورصدت رأي النخبة والساسة ومنحت الكلمة للشارع واستعانت برأي القانون واحتكمت إلى وجهة نظر الدين... فكان التحقيق التالي :
تشير المراجع إلى أن أول حالة إعدام شهدتها البشرية سجلت في القرن السادس عشر قبل الميلاد، وحدثت في دولة مصر الفرعونية، حين اتهم عضو في مجلس النبلاء بممارسة السحر، وحكم عليه بأن يقتل نفسه عقابا له. ومنذ ذلك التاريخ، طبقت عقوبة الإعدام في كل المجتمعات تقريبًا وتعددت أنواع تنفيذها وتنوّعت أشكالها... وبدورها تنفذ تونس هذه العقوبة بطريقتين، إما الشنق بالحبل حتى الموت عملا بالفصل 7 من المجلة الجنائية وإما رميا بالرصاص في حال صدور الحكم عن المحاكم العسكرية استنادا إلى الفصل 45 من مجلة المرافعات والعقوبات العسكرية.
الدستور يبقي على حكم الإعدام
شهدت قبة التأسيسي نقاشا حادا بين الداعين إلى إلغاء حكم الإعدام والمنادين بالإبقاء على هذه العقوبة... لكن التصويت حسم الخلاف لصالح الطرف الثاني وتمت المصادقة على الفصل 21 الذي ينص ضمنيا على عقوبة الإعدام كما يلي: «الحق في الحياة مقدس لا يجوز المساس به إلا في حالات قصوى يضبطها القانون». وقد صوّت 135 نائبا لصالح الإبقاء على عقوبة الإعدام وساند 11 نائبا إلغاء هذه العقوبة واحتفظ 28 نائبا بأصواتهم.
ماذا عن الأخطاء القضائية ؟
أية مبررات يستند إليها دعاة إلغاء عقوبة الإعدام ؟ وما هي الحجج التي يقارعون بها الرأي المخالف ؟ الإجابة كانت على لسان الناطق الرسمي باسم حركة «نداء تونس» الأزهر العكرمي» بقوله : «نحن ضد عقوبة الإعدام لأنها أثبتت فشلها في ردع المجرمين وخفض معدل الجريمة طوال عقود تطبيقها سواء في البلدان النامية أو المتقدمة. ثم إن السجن المؤبد أمرّ وأقسى بكثير من الإعدام, لأنه يجعل المجرم يموت بدل المرة الواحدة آلاف المرات... ومن جهة أخرى نعتبر أن معارضة عقوبة الإعدام ومنعها يدل على مدى ديمقراطية الدول واحترامها لحقوق الإنسان وعدم مصادرتها لحق الفرد في الحياة .كما يجب الانتباه إلى خطورة حكم الإعدام في حال حدوث أخطاء قضائية وبروز مستجدات في القضية فعندها يستحيل تدارك الخطأ وإعادة المعدم إلى الحياة في حال ثبوت براءته !»
ومن الأحزاب المناهضة بشدة لعقوبة الإعدام حزب «المسار الديمقراطي الاجتماعي» وفي هذا الصدد قالت النائبة « سلمى بكار»: يشترك أعضاء حزب المسار في تمسكهم بضرورة إلغاء عقوبة الإعدام. و شخصيا دعوت بشراسة إلى التخلي عن هذا الحكم رفقة عدد من النواب الديمقراطيين مثل أحمد إبراهيم وسلمى مبروك... ولكن للأسف وقع تمرير الفصل 21 الذي لا يشرف تونس ويحول دون ارتقائها إلى مصاف البلدان الديمقراطية. وأتساءل عن جدوى الإبقاء على حكم الإعدام في الدستور الجديد خصوصا أنّه وقع تعليق العمل به منذ 20 سنة. ولو كان الإعدام حلا لما كانت أمريكا أكثر البلدان إجراما رغم أنها من أبرز العواصم تنفيذا لعقوبة الإعدام ! ونحن اليوم لا نحتاج إلى عقلية تشفّ بل إلى تكريس حلول تربوية وإصلاحية فأغلب المجرمين هم بدورهم ضحايا اكراهات اقتصادية واجتماعية قاهرة... وصدقا كنت أتمنى أن تكون تونس من أول البلدان العربية الإسلامية التي تلغي عقوبة الإعدام. ولكن نواب «النهضة» الذين ناقضوا أنفسهم بمعارضة أحكام الإعدام في مصر بعد صدور الحكم الجماعي على أكثر من 500 «إخواني»...».
ائتلاف ضد عقوبة الإعدام
في 10 أكتوبر 2003 تم لأول مرة إطلاق اليوم العالمي ضد عقوبة الإعدام بمبادرة من التحالف الدولي ضد عقوبة الإعدام وتأسّس في تونس منذ سنة 2007 ائتلاف يهدف إلى إلغاء عقوبة الإعدام، من بين مكوناته الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان. وفي هذا السياق صرّح رئيس الرابطة «عبد الستار بن موسى» قائلا : «ندين عقوبة الإعدام لمخالفتها لحقوق الإنسان. فالحق في الحياة حق مقدس منحه الخالق لعباده ولا يجوز أن نفتكه منهم .وعمليا لم تحد أحكام الإعدام في العالم من معدل الجريمة بل بالعكس يتزايد عدد الجرائم في أكثر البلدان تطبيقا للإعدام. كما إننا نطالب بإلغاء هذه العقوبة لقطع الطريق أمام التصفيات الجسدية للخصوم السياسيين ولمنع لف حبال المشانق حول رقاب المعارضين على غرار ما حدث مؤخرا في مصر...و لا يجب أن نتغافل عن إمكانية حدوث أخطاء قضائية وإمكانية تنفيذ حكم إعدام في حق بريء. ولكل هذه الأسباب فالرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان تدين عقوبة الإعدام وتدعو إلى استبدالها بحكم السجن مدى الحياة دون تمتيع المجرم بعفو أو سراح.. وسنواصل النضال من أجل إلغاء عقوبة الإعدام في الدستور التونسي
و إن كانت هذه بعض من مستندات أصحاب الموقف الرافض للإعدام فإن للطرف المقابل المتمسك بالإبقاء على هذا الحكم رأيه ومؤيداته في الموضوع...
التنفيذ... في الحالات القصوى
من الأحزاب المتمسكة بعقوبة الإعدام حركة «النهضة» التي صرّح زعيمها الشيخ راشد الغنوشي بأن إلغاء عقوبة الإعدام يخالف تعاليم الشريعة الإسلامية. من جانبه قال القيادي بالحركة لطفي زيتون: «من الطبيعي أن يُقتص من القتلة ومرتكبي الجرائم البشعة... ولكني أنادي بإلغاء هذه العقوبة عندما يتعلق الأمر بقضايا سياسية مقابل الإبقاء عليها في حالات القضايا الجنائية مع ضرورة التقليل منها والاقتصار على تنفيذها في الحالات القصوى فحسب. كما لا يجب حرمان المُذنب من فرصة العفو حسب ما نص عليه كتاب الله».
من جانبه كان لعماد الدايمي (أمين عام حزب المؤتمر)مقاربة خاصة للموضوع حيث ناد بفتح حوار وطني حول عقوبة الإعدام قائلا: «لدى الحديث عن عقوبة الإعدام علينا أن نعي بأننا إزاء ملف معقد وشائك تتشابك فيه عديد الأبعاد السياسية والدينية والفلسفية... وأعتقد أن الحسم في إلغاء عقوبة الإعدام أو الإبقاء عليها لا يمكن أن يكون من اختصاص الأحزاب السياسية التي ستتعامل مع المسألة وفق مرجعية إيديولوجية ضيقة وحسابات سياسية مؤقتة جدا.و بالتالي المعالجة الطبيعية لهذا الموضوع الذي يتجاوز إطار الحقائق الثابتة تتطلب فتح باب النقاش الديمقراطي والموّسع الذي يشمل جميع مكونات المجتمع التونسي.» وأشار الدايمي إلى موقف الرئيس محمد المنصف المرزوقي المناهض للإعدام وأسفه للإبقاء على عقوبة الإعدام بعدم تغيير الفصل 21 من الدستور الجديد للبلاد.
استثناء القضايا السياسية
في مقاربة قضائية لعقوبة الإعدام في التشريع التونسي قال رئيس المرصد التونسي لاستقلال القضاء «أحمد الرحموني» : «لابد من الإشارة إلى أن غالبية الرأي العام في اتجاه الإبقاء على عقوبة الإعدام تماشيا مع طبيعة البيئة العربية الإسلامية ومع خصوصية محيطنا في المرحلة الآنية. لكن حقوقيا لابد من الحد من تنفيذ هذه العقوبة بمعنى أن تكون مستوجبة في حالات محددة ومحدودة واستثنائية... كما يجب إلغاؤها في ما يتعلق بالقضايا السياسية.
و يبدو أن تونس تتجه تدريجيا نحو إلغاء عقوبة الإعدام على مستوى التطبيق والتنفيذ. واستنادا إلى معطيات إحصائية فإنه في سنة 2013 تم إصدار 6 أحكام بالإعدام لكنها لم تنفذ... وفي هذا الأمر إشارة ضمنية إلى إلغاء عقوبة الإعدام على المستوى العملي ولابد من الإشارة إلى أن تونس من اقل البلدان إصدارا وتنفيذا لأحكام الإعدام بالمقارنة مع عديد البلدان العربية التي تتشابه مع بيئتنا الدينية والثقافية والجغرافية... »
بالمائة 70 من التونسيين مع عقوبة الإعدام
لا يقتصر اختلاف المواقف حول عقوبة الإعدام على اهتمامات النخبة السياسية بل إن هذه القضية الشائكة تلقي بظلالها على الرأي العام حيث ينقسم الشارع التونسي بدوره بين دعاة إلى التمسك بعقوبة الإعدام وآخرين يطالبون بحذفها جملة وتفصيلا. ويستند معارضو هذه العقوبة إلى حجة أن الله وحده هو الذي يهب الحياة وإن استرجاعها بيده هو فقط، في حين يذهب مساندو هذا الحكم إلى أنه عندما يتحوّل الجاني إلى «شيطان» يرتكب من الجرائم ما تشمئز منه النفوس وتقشعر له الأبدان... تصبح عقوبة الإعدام بدورها قاصرة أمام بشاعة وفظاعة ما اقترفت يداه. وقد أبرز أول سبر للآراء في الموضوع قامت به مؤسسة «3C Etudes» ونشرته مجلة «ليدرز» في شهر ماي 2013 أن بالمائة 70 من التونسيين مع الإبقاء على عقوبة الإعدام في حين أن بالمائة 27 مع إلغاء هذه العقوبة.
النفس بالنفس...و البادي أظلم
بمجرد سؤاله عن موقفه من عقوبة الإعدام، هتف «خليل قاسمي» في حدة قائلا في إنكار: «حطوا رواحهم في بقعة الضحية البريئة وهي تغتصب وهي تُقتل بكل وحشية وحيوانية... وقتها توا تعرفوا قيمة الاعدام !».
«لا بد من الإبقاء على عقوبة الإعدام ولكن مع تقليل تنفيذها على قدر المستطاع والاقتصار على تطبيقها في حالات الجريمة القصوى على غرار القتل والاغتصاب... «هكذا كان رأي «عز الدين الهاني» (موظف بوزارة الفلاحة) في الموضوع في حين قاطعه زميله «الصادق قرواجي» في حماس شديد قائلا: «لا مجال لإلغاء عقوبة الإعدام بل يجب أن يزداد تطبيقها صرامة للحدّ من معدل الجريمة الذي يتزايد يوما بعد يوم... فالسجن مهما طال أمده لا يردع المجرم ووحده الإعدام يكون عبرة لمن يعتبر. وفي اعتقادي أن النخبة التي تدافع عن إلغاء هذه العقوبة أقل عرضة للجرائم في حين أن «الزواولة « الذين يصعدون وسائل النقل العمومي ويعيشون في الأحياء الشعبية هم الأكثر احتكاكا بالمجرمين والأكثر عرضة للسرقة والتحرش الجنسي والاغتصاب وحتى القتل».
وما إن أنهى الصادق كلامه حتى دخل في نقاش مع صديقه «عزالدين» ويبدو أن نقاشهما استفز «محمد بن علي خضار»(كاتب محامي) الذي أقحم نفسه في جدال الصديقين قائلا: «الإعدام بالجملة «موش معقول»و لا يمكن سحبه على كل أنواع الجرائم حيث لا تتساوى الجريمة البسيطة بالجريمة البشعة... كما يجب استبعاد القضايا السياسية من تطبيق هذا الحكم».
من جهتها قالت السيدة «زهرة عمدوني» (ربة بيت) متسائلة في إنكار : «هل من العدل أن تمنح حق الحياة للمجرم في حين انه اغتصب حياة شخص آخر؟ فعقوبة القاتل هي القتل... و النفس بالنفس والبادي أظلم!»
ضد حقوق الإنسان
«حكم بربري ورجعي» هكذا وصف الطالب «ماهر بوعكاز» عقوبة الإعدام معتبرا إياها «اغتصابا وانتقاما وحشيا ولا تقل بشاعة عن فعل المجرم ومن واجب الدولة الإصلاح لا الانتقام «ونادى بوعكاز بإلغاء العمل بأحكام الإعدام لأنها لا تمثل عنوان تقدم للمجتمعات بل تكرس عقلية التشفي والثأر على حدّ تعبيره.
وبدوره ساند «أحمد» هذا الرأي متسائلا في إنكار شديد: «هل يمكن إعادة الضحية إلى الحياة بمجرد تنفيذ حكم الإعدام في الجاني؟ طبعا لا ! إذا ما الفائدة والجدوى من الإبقاء على هذا الحكم؟ أعتقد أن السجن المؤبد هو العقاب الأمثل الذي بإمكانه الموازنة بين عقاب المجرم على ذنبه والحفاظ على حقوق الإنسان».واعتبر «ضياء الدين» أنه لا سبيل في القرن الحادي والعشرين إلى الإبقاء على عقوبة الإعدام قائلا في استفهام:» المجتمعات تتقدم وتتطور ولكل زمان متغيراته ومقتضياته... فلماذا يتم الإبقاء على حكم الإعدام بتعلّة أن القصاص ورد في كتاب الله في حين أنه تم إيقاف العمل بعقوبات الجلد والرجم وإقامة الحد... بالرغم من التنصيص عليها صراحة في الشريعة الإسلامية؟».وبين المعارضة والمساندة تراوح موقف «أسماء القبطوني» التي هتفت في حماس : «أنا ضد حكم الإعدام لأنه ضد حقوق الإنسان...» ثم تداركت قائلة: «ولكن ثمة مجرمين الإعدام شويّة فيهم!».
وبين الدعوة للإبقاء على هذا الحكم والمناداة بإلغائه, تتعدد الأطروحات وتختلف التصورات لكن في الأخير تكمن الفلسفة المثلى في معادلة متوازنة تحفظ حق الضحية واستحقاق المجرم للعقوبة من جهة وتصون من جهة أخرى الحق الفردي للإنسان والحق العام للمجتمع...
الشيخ فريد الباجي :
شرعا يكاد حُكم الإعدام يكون مستحيلا

ما هو موقف الشريعة من أحكام الإعدام ؟ وكيف يمكن مقاربة هذه العقوبة من منظور إسلامي؟ وإلى أيّ مدى يستجيب إصدار أحكام الإعدام في بلادنا لمقتضيات النص القرآني؟ أسئلة طرحتها «التونسية» على رئيس جمعية دار الحديث الزيتونيّة الشيخ فريد الباجي , فكان جوابه كالآتي: «في البداية لابد من توضيح أن عقوبة القصاص منصوص عليها في كتاب الله غير أن الشريعة الإسلامية وضعت شروطا دقيقة وشديدة وصارمة جدا لتنفيذ هذا الحكم. فلابد أن يكون الشخص المحكوم عليه بهذه العقوبة سليم المدارك العقلية وأن يكون قد ارتكب جريمة القتل عمدا وليس على وجه الخطإ أو من باب الدفاع عن النفس. كما يجب أن يتوفر شرط الاعتراف غير المكره من قبل الجاني مع التثبت من توفر القرائن المدينة له بمسرح الجريمة, فيحدث أن يدعي أحدهم ارتكاب الجريمة للتغطية على المجرم الحقيقي.
و شرعا لا يجوز الاكتفاء بقرائن البصمة أو امتلاك السلاح أو فيديو مصور أو وجود عداوة سابقة بين الجاني والضحية... لإدانة المتهم وإعدامه.
كما وضع الإسلام شرط شهادة الشهود العدول لكني اعتبر أن هذا الشرط قد سقط مع سريان موبقات الكذب والفسق والفجور في المجتمع فبانعدام صفات المروءة تنتفي شروط العدالة .
ومن ثمّ فإن تنفيذ حكم الإعدام يكاد يكون مستحيلا إذا التزمنا بالشروط الشرعية.. ولكن حتى في حال إصدار هذا الحكم فلا بد من تأجيل تنفيذه أكثر ما يمكن لعل ولي أمر الضحية يصفح عن الجاني.
وقد قمت بدراسة حالات الإعدام في أمريكا فوجدت أن بالمائة 99 منها مخالفة للشرع!».
قيس سعيد: العفو أو التنفيذ... بيد رئيس الجمهورية
التونسية (تونس)
في مقاربة قانونية للفصل 21 من الدستور التونسي الجديد الذي نصّ على أن «الحق في الحياة مقدس لا يجوز المساس به إلا في حالات قصوى يضبطها القانون» قال أستاذ القانون الدستوري قيس سعيد: «أولا لابد من الإشارة إلى أن الإطار الطبيعي لعقوبة الإعدام هو القانون الجزائي وليس الدستور, وبالتالي فإن طرح هذه المسألة في المجلس التأسيسي وما نجم عنها من انقسام في المواقف بين التأييد والمعارضة ساهم في صرف النظر عن القضايا الجوهرية التي قامت من أجلها الثورة على غرار المطالب الاجتماعية والاقتصادية...».
وأضاف الخبير في القانون الدستوري: «بعد أن نص الدستور الجديد ضمنيا على الإبقاء على عقوبة الإعدام فإن السؤال المطروح هو هل سيتغير الوضع بناء على هذا الحكم الدستوري الجديد؟ لا يبدو ذلك مطروحا وأعتقد أن النية تتجه نحو الإبقاء على عقوبة الإعدام عند إصدار الأحكام دون المرور إلى تنفيذها. وفي نهاية الأمر يبقى تطبيق حكم الإعدام على المتهم بيد رئيس الجمهورية فهو الذي يملك صلاحيات الإمضاء على تنفيذ قرار الإعدام».
129 إعداما في عهد بورقيبة... و«سفّاح نابل»آخر المعدمين
منذ الاستقلال شرعت المحاكم في إصدار أحكام الإعدام ولكن لتنفيذها كان لابد من إحالة ملف المحكوم على أنظار رئيس الجمهورية فهو الوحيد المخوّل بإعطاء الأمر بالتنفيذ أو العفو أي استبدال عقوبة الإعدام بالسجن المؤبد. وبالاستناد إلى مصادر متطابقة فإن تونس عرفت حوالي 135 حالة إعدام منها 129 وقع تنفيذها في عهد الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة الذي وافق على تطبيق جل ّ الأحكام الصادرة عن القضاء. في المقابل استعمل بورقيبة حق العفو في حالتين اثنين ,الأولى تعلقت بقضية راعي أغنام تسبب في انقلاب قطار عن غير قصد بوضعه لقضيب حديدي على السكة والثانية تمثلت في العفو عن اثنين من المحكوم عليهم في قضية الانقلاب على الحكم عام 1963.وتفيد مراجع عديدة أن آخر عقوبة إعدام عرفتها تونس نفذت في «الناصر الدامرجي» المعروف لدى الذاكرة الشعبية العامة ب«سفاح نابل» الذي هزّ الرأي العام بعد أن أزهق روح 14 طفلا إثر الاعتداء عليهم جنسيا. وحوكم هذا المنحرف الخطير بالإعدام شنقا يوم 17 نوفمبر 1991.
تحقيق: ليلى بورقعة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.