يعتبر مستشفى الرابطة احدى أبرز قلاع الصحة العمومية في الجمهورية اعتبارا لتاريخه، توسعه وطاقة استيعابه لكنه يعيش خلال السنوات الأخيرة حالة من التسيب والتقهقر جعلت منه هدفا لانتقادات لاذعة كانت سببا في دق ناقوس الخطر في أكثر من مرة لعل أشدها ما أصدرته النقابة الأساسية لأعوان الصحة من بيانات وما رفعته من شارات حمراء وما دعت إليه من تجمعات وإضرابات خاصة كان آخرها منذ سنة تقريبا حيث ادت التحركات إلى طرح ملف مستشفى الرابطة تحت قبة البرلمان في إطار جلسة عامة انعقدت بتاريخ 17 جانفي 2017 والتحذير من الوضع الكارثي الذي يتخبط فيه، هذا إضافة إلى صيحات الفزع التي أطلقها الإطار الطبي والصيادلة في هذا الشأن.. لكن بدا بالكاشف أن كل محاولات لفت النظر ومحاولات الاصلاح لم تكن كافية لإنقاذ هذا الصرح الصحي من السقوط والتهاوي، تهاو أصبح بالإمكان قراءته من خلال تمديد المواعيد الطبية لنقص الإطار ومحدودية الوسائل وقلة التجهيزات وغياب المراقبة. «الصباح» وفي متابعتها لوضع هذه المؤسسة الصحية حلّت بالقسم عدد 15 الخاص بجراحة الأنف والأذن والحلق وجراحة الوجه لترصد نسق العمل به كمثال للنسق العام داخل «الرابطة».. يعد القسم 15 من أبرز الأقسام وأكثرها استقطابا للمرضى الوافدين من كل جهات الجمهورية سيما مناطق الشمال والشمال الغربي، خاصة وأن هذا القسم يتوفر على عديد الاختصاصات أين تتم الفحوصات وعمليات الايواء والمتابعة، إلا أن العمل المنجز والأداء حدّ من قيمته النقص الفادح في الإطار الطبي وشبه الطبي الذي كان سببا مباشرا في تمديد مواعيد الفحص وتحديد فترات الإيواء إلى مواعيد طويلة تتجاوز حاجة المريض للتداوي فكانت سببا في استفحال بعض الاصابات حسب ما استقيناه من تصريحات المرضى الذين التقيناهم وهم يحاولون الظفر بمواعيد كشف قريبة خاصة القادمين من المناطق الداخلية الذين صاحبت آراؤهم انتقادات لاذعة للمشرفين على الخدمات الصحية في المستشفى.. اكتظاظ، فوضى، عراك، تلاسن وتدخل مستمر لأعوان الحراسة (الذين يتجاوزن مهامهم في كثير من الأوقات ويقومون بدور الممرضين وأعوان الاستقبال ويتدخلون حتى في البحث عن الملفات وإخراجها من الرفوف)، تذمر كبير من غياب المعلومة وخلو قاعات الفحص من حين لآخر خاصة من الممرضين دون مبررات ومن توجيهات تعد على الأصابع تكون في أغلب الأحيان متسرعة وخاطئة لتزيد في مشقة الانتظار.. واقع خدمات لا يمكن له إلا أن يزيد في حجم الإحباط الذي يشعر به المرضى ومصاحبوهم ويساهم في تراجع الثقة بينهم وبين المؤسسة الصحية. بنية تحتية مهترئة أهل الدار أبدوا كذلك امتعاضهم لظروف العمل حيث أسرّ لنا بعض تقنيي القسم 15 بحجم تهرؤ البنية التحتية وصورية عمليات التهيئة والترميم التي تنجز من حين لآخر إضافة إلى نقص فادح في التجهيزات والحاجة المتأكدة إلى تجديد القديم المتوفر لتسريع إنجاز الخدمات المطلوبة ورفع عددها لتلائم حاجيات المرضى وهنا تتأكد قتامة المشهد وسوء الوضع الذي يعيشه مستشفى الرابطة أمام استحالة القدرة على الإصلاح وحقيقة العجز عن الإنجاز.. هذا ما تعلق بظروف التسجيل والخضوع للكشف والفحص الطبي أما ما يتعلق بغرف الإيواء فهو كفيل بالكشف عن حجم النقائص وتردي الخدمات: دورات مياه قذرة تفتقد إلى عديد التجهيزات التي لا يمكن الاستغناء عنها للقيام بأي عملية تنظيف او تطهير، انسداد متكرر لقنوات تصريف أحواض الغسيل التي يضطر المرضى لاستعمالها لغسل الأطباق التي يستغلونها لتناول الوجبات حيث لا يوفر المستشفى أي نوع من الأطباق ولا يتكفل بتنظيفها كما هو معمول به في بقية المستشفيات الكبرى الأخرى، تهرؤ وتلوث أبواب الوحدات الصحية وسواد في كل الأركان والغريب في الأمر أن لافتة «نظافة المستشفى مسؤولية الجميع» تصادفك في كل مكان على الأبواب وداخل الأروقة حيث لا تخضع هذه الفضاءات الى ما تستوجبه من عمليات تدخل وتنظيف الأمر الذي يدفع بالمرضى أو زائريهم إلى تنظيف دورات المياه ومسح أرضيتها وأرضية القاعات خاصة وقت الزيارة وذلك في غياب تام لمتابعة مستمرة لنظافتها إثر عملية التدخل اليتيمة التي تنجز صباحا، انعدام توفر خزانات حفظ الأدباش فما وجد منها داخل غرف الإيواء يتم استعماله واستغلاله من طرف العملة والممرضين وتوزيعه فيما بينهم والتفرد بالتصرف فيه، هذا إضافة إلى غياب أسباب الإقامة الكريمة للمرضى ومن بينها عدم توفر التيار الكهربائي ( تذمر شديد للمقيمين يتعلق بشحن هواتفهم التي تعتبر الوسيلة الوحيدة للتواصل مع أقربائهم) وبعض وسائل الترفيه كالتلفاز وهو ما يعتبره المرضى أقل ما يجب توفيره لقتل الإحساس بالوحدة والملل الذي يزيد حالتهم تأزما.. وضع عام يستوجب حتما حسن المتابعة والمراقبة والإحاطة وغياب ذلك يحيّر المقيمين بالقسم 15 خاصة بما يتعلق بالوجبات وظروف تقديمها حيث أكد لنا هؤلاء أن وجبات فطور الصباح تقدم باردة ومعلبة بشكل لا يراعي الحاجة حسب الحالة الصحية إضافة إلى مهزلة توزيع الوجبات الأخرى أمام أبواب الغرف وتكديس الأطعمة بعضها على بعض ومطالبة المرضى بتوفير الأواني لتؤكد بعض المقيمات أنهن لم يتناولن الوجبات إبان إقامتهن بسبب عدم اصطحابهن لأوان خاصة بهن ما أجبرهن على البحث عنها لدى بقية المقيمين. ليلة من ليالي الرابطة نختم يومنا في مستشفى الرابطة وبالتحديد في قسم 15 بما يحصل ليلا وهو امتداد طبيعي لوضع سيء على امتداد الفترة النهارية ونسلط الضوء في ذلك على حالة احدى المقيمات، «السيدة» وهي امرأة قادمة من سليانة أقامت بهذا القسم في السرير عدد 67 لإجراء عملية جراحية على الأذن يوم الاربعاء الماضي 28 مارس 2018 كانت قد لاقت من سوء المتابعة ما أثار حفيظة رفيقاتها ودعاهن إلى الاحتجاج ومساعدتها بما يقدرن. تتحدث احدى السيدات بالغرفة 18 أن الممرضة المشرفة على المتابعة خلال الليلة الفاصلة بين يومين الثلاثاء والاربعاء 27 و28 مارس قامت بتركيب «السيروم» للسيدة على أن تعود لرفعه اثر انتهائه لكنها لم تقم بذلك مما أحبر المريضة على نزعه بمفردها دون سابق معرفة ولا دراية، ثم البقاء في حالة انتظار إلى حدود منتصف الليل لتخضع إلى عملية حلق للشعر مكان إجراء العملية وهو ما طلبت ذات الممرضة الاستعداد له ما دفع الحاضرات الى الاتصال بها لإنجاز العملية لتفاجئهم بتفاعلها السلبي ورفضها القيام بذلك بدعوى أنها تستعد للخروج للمشرب على أن تقوم بذلك في وقت لاحق وهو ما لم يحصل إلى توقيت مغادرتها لمكان العمل صباحا، وقد آثار عدم جاهزية السيدة للعملية غضب الطبيبة المشرفة التي طالبت بالقيام بعملية الحلق لتضطر المريضة للتنقل بين الممرضين علها تجد من يقوم بالمهمة غير أن الجميع رفض ذلك لينتهي الأمر بتدخل أحد الممرضين المكلفين بعمليات الاستقبال والتسجيل للقيام بذلك وسط ذهول كل الحاضرين واستيائهم مما يحصل. الكل يتساءل عن الرقابة وعن المشرفين على تسيير الأمور في هذا القسم ومن يقيم أداء العملة والممرضين وهي أسئلة نترك الإجابة عنها لإدارة المستشفى وجهاز الرقابة بوزارة الصحة العمومية.. الشمعة المضيئة رغم كل النقائص والاخلالات وتقصير البعض في أداء مهامهم فإن الطاقم الطبي المتوفر بالقسم 15 يبقى الشمعة المضيئة به، حضور مبكر، إلمام بملفات المرضى، حرص شديد على توفر شروط إجراء العمليات ونجاح في إنهائها ومتابعة المرضى إثر القيام بها، هم طاقات شابة على قدر من الكفاءة وجب التنويه بقدراتهم حتى يتم توفير ما يستحقونه من أسباب النجاح، ولا يفوتنا أن نذكر تفاني الممرض المسؤول عن الاستقبال والتسجيل دون غيره من طاقم الممرضين المتواجدين بالقسم حيث يؤكد المقيمين به أن محسن لا يتوقف عن العمل ومساعدة الوافدين على القسم 15 وتبسيط الاجراءات لهم وتسيير اقامتهم أو إنهائها كما القيام بتدخلات إضافية لضمان راحة المريض أيّا كان وهو ما جلب له كل الثناء والاحترام حيث لم يتحرج المرضى في الاعلان عن ذلك مرارا وتكرارا متمنين أن ينسج على منواله بقية الممرضين رغم أن ذلك يبقى مستبعدا جدا أمام حجم النقائص وعدم الالتزام الذي يميز عمل الأغلبية.. متابعتنا للوضع في القسم 15 أردناها مثالا حيّا للوضع المتردي الذي يعيشه مستشفى الرابطة والذي ينذر بالأسوإ إذا ما لم توجه إليه اهتمامات الدولة ليتم انتشاله مما يتخبط فيه، فهل يحصل ذلك أم سيستمر الوضع على حاله؟ مستشفى الرابطة في سطور مستشفى جامعي يقع بهضبة الرابطة بمدينة تونس، كان اسمه في عهد الاستعمار الفرنسي مستشفى إرنست كونساي ومتخصصا في الامراض المعدية، وابتداء من جانفي1985، أصبح مستشفى إرنست كونساي يسمّى مستشفى الرابطة نظرا إلى عدم تخصّصه في الأمراض المعدية واحتوائه على الكثير من التخصّصات الطبيّة.. ومن أبرز الأطباء الذين أسّسوا وأداروا مصالح مستشفى الرابطة على مرّ السنين: إرنست كونساي في الفترة (1911 - 1930)، ومحمود الخياري (1956 - 1961)، وعثمان صفر (1961 - 1970) في مصلحة الأمراض المعدية (68 سريرا). محمّد ميلاد (1974 - 2002) في مصلحة الطبّ الداخلي (40 سريرا). رفيق بوخريص (1964 - 1980) وسعيد المستيري (1967 - 1985) في مصلحة الجراحة العامّة (80 سريرا). عبد الفتاح عبيد (1986 - 2005) في مصلحة جراحة القلب (76 سريرا). الطاهر بوكر (1978 - 1989) في مصلحة الأمراض البولية (40 سريرا). عمر خلفت (1960 - 1987) في مصلحة الأمراض الجلديّة (32 سريرا). علي بلكاهية (1974 - 1995) في مصلحة جراحة الأذن والفكّين (80 سريرا). الشاذلي التبّان (1959 - 1965) والراضي بن عصمان (1965 - 1988) بمصلحة طبّ الأطفال (48 سريرا). الهاشمي القروي (1964 - 1991) بمصلحة طبّ المعدة والأمعاء «أ» (38 سريرا). المنصف القرقوري (1978 - 1988) بمصلحة طب المعدة والأمعاء «ب»(60 سريرا). العروسي المولهي (1962 - 1972) والبشير بن عيّاد (1976 - 1986) بمصلحة طبّ الأسنان وأمراض الفم. المنصف عبد المولى (1970 - 1980) ومصطفى بن جعفر (1980 - 1995) بمصلحة الطبّ الاشعاعي. محمد الطاهر المعموري (1972 - 1980) بالمصلحة المركزية للتشريح وعلم الخلايا. خليل الماطري (1959 - 1980) بمصلحة الصيدلة.