يبدو أن المفاجآت التي ترتبط بولي العهد السعودي لا تتوقف، فبعد تصريحاته المثيرة للجدل بشأن الاعتراف بحقوق المرأة السعودية في السياقة والحضور في الملاعب الرياضية، جاءت تصريحات الأمير محمد بن سلمان حول الأزمة في سوريا لتثير المزيد من نقاط الاستفهام بدل الحد منها... ولي العهد السعودي ومع دخول الحرب السورية عامها الثامن خرج عبر مجلة «تايم «الأمريكية معلنا بقاء الأسد في السلطة.. موقف مفاجئ للملكة التي ظلت وعلى مدى سنوات الاستنزاف والخراب الممنهج في سوريا تصر على رحيل الاسد وعدم الاعتراف بممثل النظام السوري في مفاوضات أستانا... وقد كان وزير الخارجية السعودي الجبير متمسكا في كل تصريحاته داخل أو خارج المملكة على أنه لا دور للأسد في سوريا وأن رحيله عن السلطة شرط أساسي لإنهاء الحرب... لا بد وقبل محاولة فهم هذا التحول الجذري في الموقف السعودي من النظام السوري من الإشارة إلى ما يمكن أن يحتمله قراءة تصريح المسؤول السعودي من تأويلات. وأولها يتعلق بالمعارضة السورية المدعومة من الرياض والتي يبدو من خلال الموقف السعودي أن دورها انتهى عند هذه المرحلة، أو أن المعارضة السورية فشلت في الاختبار في تقدير المملكة ولم تعد بالتالي تستجيب للرهان الذي وضعته الرياض بعد فشل ماراطون المفاوضات بين جنيف وأستانا وسوتشي في حل الأزمة السورية.. النقطة التالية فتتعلق بحرص ولي العهد السعودي على توظيف الإعلام الأمريكي كلما أراد تبني موقف جديد أو الإعلان عن قرارات غير مسبوقة داخل المملكة أو في علاقة بالمنطقة وما تشهده من صراعات وحروب مرتبطة بالتحالف الدولي الذي تقوده السعودية.. وعندما قرر الإعلان عن برنامجه بشأن منح المرأة السعودية الحق في السياقة وفي الحضور في الملاعب الرياضية وإصلاح التعليم اتجه الى الصحفي الأمريكي توماس فريدمان ليكون صوته الى العالم الخارجي وكشف توجهاته للرأي العام السعودي والدولي. وليس واضحا هل أن هذا الخيار مرتبط بغياب الثقة وانعدام مصداقية الإعلام في المملكة أم بعقدة في نفوس عديد المسؤولين العرب والخليجيين الذين يستهينون بالإعلام العربي ويعتبرون أنه يفتقر للمهنية... وهو في الحقيقة خطأ استراتيجي لان الإعلام العربي والمشهد العربي عموما يعكس الوجه الحقيقي لأصحاب السلطة فيه ومدى قبولهم بوجود سلطة رابعة تتصف بالحرية والاستقلالية. وبالعودة الى تصريحات ولي العهد السعودي الذي توجه هذه المرة الى مجلة «تايم» خلال زيارته الى أمريكا بشأن للإعلان عن القطع مع خيارات سابقة ازاء الأزمة في سوريا، فقد تزامنت بدورها مع أكثر من حدث مترابط لعل أهمها إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب سحب القوات الأمريكية من سوريا في أقرب الآجال ومطالبته الرياض بتمويل العملية التي تحتاج اربعة مليارات دولار لإنهاء المهمة.. الرئيس الامريكي أكد في تصريحاته على انسحاب قواته حتى تتمكن الأطراف الأخرى من تحمل مسؤولياتها ولكن دون توضيح أو تحديد لتلك الاطراف ... المثير أيضا في تصريحات المسؤول السعودي دعوته الضمنية للرئيس السوري ألا يكون «دمية» في يد إيران... وهو بذلك كمن يطلب من الظمآن ألا يروي عطشه بعد وصوله الى منع العين. فالأمير السعودي يدرك جيدا حجم الدور الايراني في المنطقة وتحديدا في سوريا التي وجدت لدى كل من موسكو وطهران دعما عسكريا بدونه ما كان للنظام السوري الاستمرار.. الواقع أن تصريحات ولي العهد السعودي تعيد للأذهان تصريحات مماثلة للرئيس التركي بشأن مصير الاسد ولكنها تصريحات لم تكن ثابتة، فقد ظلت تركيا تراوح بين القبول والرفض لاستمرار نظام الاسد .. بقي الاهم وهو أنه عندما تأتي هذه التصريحات قبل أيام على القمة العربية التي تحتضنها الرياض خلال أيام فقد يكون ذلك مؤشرا على أن القمة تتجه الى تمهيد عودة سوريا الى الجامعة العربية بعد تعليقها منذ 2011 ليبقى المقعد السوري خاليا طوال السنوات الماضية.. لا سيما وأن أربع دول عربية وهي تونس ومصر والجزائر والاردن بدأت حملة لاستعادة سوريا مقعدها في الجامعة... وفي انتظار ما وراء تصريحات العاهل السعودي فقد تساعد الايام القادمة في ازالة الغموض بشأن الموقف من الازمة في سوريا... وسواء استعادت دمشق مقعدها أو سواء تأجل الامر فانه لا يمكن للتحول المفاجئ في الموقف السعودي الاجابة عن مختلف نقاط الاستفهام العالقة وعن الاسباب والدوافع التي مهدت لسنوات الدمار في سوريا، ولكن أيضا في اليمن، وعمن يتحمل المسؤولية ازاء كل الخراب الحاصل... أخيرا وليس آخرا، هل يمكن لقرار ترامب نقل السفارة الامريكية من تل ابيب الى القدس الشهر القادم أن يكون سببا من أسباب التحول في الموقف السعودي؟ وحدها تطورات الاحداث القادمة يمكن أن تساعد على تقديم بعض الاجوبة وليس كلها... في الاثناء سيستمر النزيف في سوريا وخارج الحدود السورية.. لم نتعود على قرارات جريئة في القمم العربية العادية او الاستثنائية تعيد للمواطن العربي احساسا بالكرامة، لذلك الخوف كل الخوف مما يمكن ان تخفيه القمة المرتقبة، التي يراد لها أن تكون قمة عادية في ظرف استثنائي من الضعف والانهيار وتواتر المخاطر والازمات والانشقاقات والصراعات الدموية، وهو بالتأكيد ظرف لا يمكن أن يكون عاديا في شيء ...