بمناسبة الذكرى السادسة لوفاة الفنان الملتزم الهادي قلة نظمت وزارة الشؤون الثقافية حفلا فنيا كبيرا حضره الدكتور محمد زين العابدين وعدد كبير من رجالات الاتحاد العام التونسي للشغل ومن بينهم أمينه العام نور الدين الطبوبي وأصدقاء الراحل وأفراد عائلته وعشاق الفن الملتزم بقضايا الوطن والشعوب والإنسانية عامة، هذا الحفل شارك فيه الموسيقار أسامة فرحات والفرقة الوطنية للموسيقى بقيادة محمد الأسود وعدد من الفنانين التونسيين الشبان مثل سامي غربي وإيمان محمد وأنيس لطيف والتقت بعده «الصباح» مع الموسيقار أسامة فرحات الذي كانت مشاركته قيمة وفيها الكثير من الإضافة حيث قدم أغنية «برقية من السجن» للهادي قلة و»اهو دا اللي صار» وقد تفاعل معها الجمهور الحاضر غناء وتصفيقا فكان الحوار التالي: * كيف ترى تكريم وزارة الشؤون الثقافية اليوم للفنان الهادي قلة؟ -هي لفتة جيدة والهادي قلة رمز من رموز الأغنية التونسية وفنان ملتزم بقضايا تونس والعصر ولكن للأسف لم يتم الإعلان والتحضير الإعلامي لهذه المناسبة بما يحفظ حق الهادي قلة علينا وحق الفنانين الذين صعدوا ركح مدينة الثقافة لينشدوا ويتغنوا ويكرموا هذا الفنان الكبير الذي تقرر في آخر وقت أن يتم تكريمه يوم 1 ماي لرمزيته . * هل تعتقد أن مثل هذه الحفلات يمكن أن تفي الفنان حقه؟ - الفن الملتزم له جمهوره في تونس وبالإمكان أن يتطور وان يتم تخليصه من تهمة العزف السيئ التي ترافقه منذ ظهوره لأنه أصبح بالإمكان ونظرا إلى ما تعج به تونس من كفاءات أن يقدم بالعزف المتقن والجيد ولا بد من أن يتسع مجال الاحتفال برموز هذا النوع من الفن ومن تذكّر اسم حمادي العجيمي مثلا فقد تعودنا ان تحتفي نفس الجهة ونفس الأشخاص بهؤلاء الرموز بنفس الطريقة ونفس البرامج وكأن هذه الجهة وهؤلاء الناس وحدهم أصحاب هذا الفن والأوصياء على هؤلاء الفنانين الملتزمين الكبار، ولعل هذا ما افقد هذه الاحتفالات التكريمية إشعاعها وحظوتها عند محبي الفن الملتزم. وأنا أرى انه حان الوقت ليتم الالتفات إلى هذا الفن وتنظيفه مما علق به من شوائب العزف خاصة ليصبح فنا متقنا ويسترجع جمهوره. ولهذا أحببت ان تنظم وزارة الشؤون الثقافية هذا الحفل وشاركت فيه. * يمكننا في كل الأحوال أن نعذر الجهات التي لا تحسن تكريم هؤلاء الرموز ولكن إذا تدخلت الوزارة فلا بد من أن يختلف الأمر؟ - نعم الاحتفاء بهؤلاء الفنانين وغيرهم لا بد أن تكون له خصوصية وان نعد له في متسع من الوقت ونكلف به عازفين محترفين لينفذوا أعمالهم ويقدموها في أبهى حلة ويكون هذا في إطار مهرجان للفن الملتزم أو لنقل للفنان الملتزم بقضايا الوطن والمشارك في الحياة السياسية لأنني أرى أن الفنان يمكنه أن ينتمي إلى أي حزب سياسي إذا قبل الحد من حريته والتزم بالانضباط ولكن الفنان بصفة عامة لا يقبل بالتفريط في حريته. ولو كان الالتزام الفني التزاما سياسيا ونضالا سياسيا فقط لكان حمه الهمامي والشيخ راشد الغنوشي أعظم موسيقيين في تونس. * المهرجانات الصيفية على الأبواب فهل لديك مشروع خاص تشارك به؟ - أنا أسست جمعية ثقافية اسمها «موسيقار» تقوم بنشاطات ثقافية ومؤتمرات وندوات وموائد مستديرة حول عديد المواضيع وتقدم حفلات كما أسست فرقة السيد درويش للمسرح الغنائي وتهتم بكل ما هو موسيقى كلاسيكية واستعين فيها ببعض الفنانين المصريين ولو تتوفر الإمكانيات سأعمل على تطوير هذا النمط من الموسيقى المهم والذي له جمهور. أما بالنسبة للمهرجانات فقد تقدمت بمشروع لمهرجان الحمامات ولمدينة الثقافة واحتمال ان أشارك في مهرجان المدينة في شهر رمضان 2018. وقد انتهيت من إعداد عرض «شاعر وميناء» لبيرم التونسي كل أغانيه وألحانه جديدة وقد استعنت فيه أيضا ببعض الأصوات الفنية المصرية. أسست أيضا راديو وتلفزة رقميين لابث عبرهما انتاجات ونشاط جمعية موسيقار وقد أجبرت على هذا في غياب اهتمام الإعلام التونسي بالفن الجيد والأصيل. * أنت أيضا ممن يلومون الإعلام التونسي ويتهمونه بالتقصير؟ -أنا أرى انه توجد مؤامرة كبرى ضد الفنان التونسي المحترف والحقيقي وهذا ليس موقفي وحدي وإنما يشاطرني فيه اغلب الفنانين.. ففي تونس توجد طاقات شابة ومحترفة وأصوات كبيرة يشهد لها بالتميز في تونس وفي البلدان العربية ولكن عصابة منظمة تتعمد إعطاء صورة غير حقيقية عن المشهد الفني التونسي لترويج الرداءة و«للبوز» وخاصة أغاني اللبنانيين وأنا لا ألوم هؤلاء لأنهم ليسوا وطنيين وألوم الدولة التي تركت الفن في هذا الوضع ولم تعمل على تنظيمه وتقنينه ولم تعد لمشروع مخطط متكامل لخدمة الفن التونسي وأهله. وإهمال القطاع العام في الإعلام وعدم الاهتمام كما يجب بالإعلام الخاص ترك الفنان في مهب الريح. ويمكنني هنا أن اجزم بان الإعلام التونسي فشل عبر العصور في تسويق المواهب التونسية وحتى الفنانين الخمسة « المعروفين خارج تونس لم يسوق لهم الإعلام التونسي والمطلوب هنا هو مشروع إعلامي للتعريف بالمواهب التونسية حتى لا يلتجئ كبار الفنانين عندنا إلى القنوات التلفزيونية الأخرى للتعريف بهم مع المواهب العربية الشابة التي مازالت في بداية مسيرتها علما بأنني لا أرى مانعا في ان يشارك فنانونا في برامج مسابقات الأصوات العربية لأنه ليس لديهم أي حل آخر. * كيف يمكن أن نصلح وضع الفن والفنانين في تونس؟ -أملي كبير في مدينة الثقافة لأنها ستحرك سواكن المشهد الثقافي التونسي لو آمن بها كل المثقفين والفنانين والفاعلين في المشهد، ونحتاج إضافة إلى ما توفره من إمكانيات وتقنيات متطورة إلى مخطط ذكي لنحسن الاستفادة منها وهو ما نفكر فيه حاليا.. نحتاج أيضا إلى فرض تطبيق القوانين وردع المخالفين ليتشجع الخواص وليستثمروا أموالهم في الإنتاج الثقافي ونحن لتطبيق هذا نحتاج إلى الوطنية . أما عن مشاركتي في أيام قرطاج الموسيقية فانا في اللجنة وأنا أؤمن بهذه الأيام ومن مؤسسيها ومن المؤمنين بها وعندما لا أكون في اللجنة من الطبيعي أن أشارك بمشروع وهو جاهز. لا بد لنا للخروج من هذا الوضع غير المريح للفن والفنانين في تونس من مشروع وطني واضح ومتكامل وصحوة وطنية تدفع نحو التحسين والطموح إلى الأفضل.